خبير: المنافسة الاقتصادية بين المغرب وجنوب إفريقيا في صالح البلدين

يبدو أن اللقاء الذي جمع وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، بالقيادي بحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الحاكم بجنوب إفريقيا، أبيد بابيلا، لم يتكلل بنجاح سياسي، إذ سارع الحزب لتجديد دعمه لجبهة البوليساريو الانفصالية. بيد أنه سلط الضوء على بُعد من شأنه التبشير بانفراج في العلاقات بين المملكة و”أشرس” أعداء وحدتها الترابية في إفريقيا السمراء، أي تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، الذي دعا إليه الطرفان.
أبيد بابيلا ليس بعيداً عن المجال، فقد شغل منذ زمن غير بعيد منصب نائب وزير المقاولات العمومية في جنوب إفريقيا (مارس 2023)، كما أنه باحث في التنمية الاقتصادية بجامعة جنوب إفريقيا، أكبر جامعات البلاد، ما يؤهله لإدراك التحديات الاقتصادية لبلاده وحاجتها للتقارب مع المغرب، رغم المنافسة بين الاقتصادين.
منافسة “شريفة” لصالح الطرفين
واعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، علي بوطيبة، أنه لا ينبغي النظر للتنافس الاقتصادي بين المغرب وجنوب إفريقيا بوصفه مشكلة أو عائقا في وجه التقارب بين البلدين، بل فرصة في صالحهما وفي صالح القارة الإفريقية برمتها.
واعتبر بوطيبة، الأستاذ الباحث في الاقتصاد الدولي، في تصريح خص به جريدة “مدار 21” الالكترونية، أن للبلدين الكثير من المكاسب الاقتصادية يجنيانها من تنافسهما، ضاربا المثل بالتكامل بين بلدان الاتحاد الأوروبي: “قوة الاقتصاد الأوروبي تكمن في التنافس بين مكونات ذلك التكتل في شتى القطاعات الاقتصادية”.
ووفقاً لبيانات صادرة عن “مركز التجارة الدولية”، بات المغرب أول مصدر للسيارات في القارة الإفريقية، مزيحاً جنوب إفريقيا التي تسيدت هذا القطاع إفريقيا لزمن طويل.
وأورد موقع “Statista” الألماني المتخصص في البيانات الإحصائية، أن جنوب إفريقيا صدرت في سنة 2023 أقل من 400 ألف سيارة إلى 109 بلدا، بنمو نسبته 13,6 في المئة مقارنة بالسنة السابقة.
أما المغرب فحقق زيادة هائلة في صادراته من السيارات، حيث أنتج 610 ألف سيارة صدر منها نسبة 90 في المئة، مع توقعات بزيادة هذا الرقم في السنوات القادمة ليصل إلى مليون سيارة سنويا.
بيد أن المحلل الاقتصادي، يرى أن التنافس بين البلدين في هذه الصناعة كان له الفضل في ما وصل إليه كلاهما حاليا.
واعتبر أن “المنطق الصناعي لا يعترف بالدول بقدر ما يعترف بالشركات، والشركات تفكر بدورها بمنطق “المزايا المقارنة”، أي أنها غير مضطرة للاختيار بين البلدين، بل بوسعها التواجد في كليهما إذا ما كانت تستفيد من الاثنين، وهكذا يكمن التكامل في ما يُعتبر من قبيل المنافسة.
ليس قطاع السيارات وحده المعني بهذه المنافسة، بل كذلك قطاع الطاقات المتجددة، الذي نزل فيه المغرب بثقله من خلال استثمارات هامة في العقد الأخير. ويتطلب نمو هذا القطاع جذب استثمارات وتمويلات أجنبية ضخمة كذلك.
وبحلول سنة 2021، شرعت جنوب أفريقيا في تحصيل 8,5 مليار دولار أميركي لتحويل البلاد إلى اقتصاد منخفض الكربون. ثم أنشأت لجنة رئاسية مخصصة للمناخ في سنة 2022 للنهوض بالتحول في مجال الطاقة وإزالة الكربون من الاقتصاد.
وفي تقرير حديث أصدرته غرفة الطاقة الإفريقية من جوهانسبرغ في جنوب إفريقيا، ستقود كل من مصر والمغرب وموريتانيا وجنوب أفريقيا وجيبوتي الدول الإفريقية على مستوى نمو قدرات الطاقة المتجددة الإفريقية في أفق سنة 2030.
“تكامل قائم بالفعل”
وفقا لموقع “The Observatory of Economic Complexity”‘ (مرصد التعقيد الاقتصادي)، المتخصص في بيانات التجارة الدولية، والتابع لمجموعة “Macro Connections” بمعهد “ماساتشوستس” الأمريكي للتكنولوجيا، صدّرت جنوب إفريقيا في سنة 2022 (أحدث البيانات الرسمية) ما قيمته 418 مليون دولار إلى المغرب، وتصدر الفحم (372 مليون دولار)، والزجاج (11,6 مليون دولار)، والخشب الكيميائي الكبريتي (6,88 مليون دولار) المنتجات المصدرة نحو المغرب. وفي المقابل صدر المغرب لجنوب إفريقيا ما قيمته 106 مليون دولار، بحيث شكلت الأسماك المجمدة أهم المنتجات المصدرة.
ووفقا للمصدر ذاته، ارتفعت صادرات جنوب إفريقيا للمغرب بنسبة 23,8 في المئة كمعدل سنوي بين سنتي 2017 إلى 2022، منتقلة من 144 مليون دولار إلى 418 مليون دولار. أما صادرات المغرب نحو جنوب إفريقيا فارتفعت سنويا بنسبة 14,6 في المئة من 53,9 مليون دولار في سنة 2017 إلى 106 مليون دولار في 2022.
لكن، وإلى غاية يوليوز من سنة 2024، عرفت صادرات جنوب إفريقيا السنوية إلى المغرب انخفاضا، ناتجة بالأساس على تراجع صادرات أجزاء الطائرات، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، بنسبة ناقص 22,1 في المئة. وفي المقابل ارتفعت واردات جنوب إفريقيا السنوية من المغرب، خلال الشهر ذاته، بفعل زيادة واردات المنتجات من الأسماك المجمدة غير المقطعة بنسبة تزيد عن 362 في المئة، ومنتجات النسيج (202 في المئة).
وكانت أرقام مكتب الصرف المغربي أظهرت أن مصر وجنوب إفريقيا تصدرتا قائمة الشركاء التجاريين الأفارقة للمغرب برسم العام الماضي (2023).
وعلاوة على ذلك، يضيف الأستاذ بوطيبة، إنه من الناحية الاستراتيجية يتكامل البلدان بتواجد المغرب في أقصى شمال القارة، وانفتاحه على القارة الأوروبية، بينما تتواجد جنوب إفريقيا في أقصى جنوبها مع انفتاح على القارة الأمريكية الجنوبية والأسترالية حيث الحضور المغربي ضعيف.
وأضاف أن النفوذ الاقتصادي لجنوب إفريقيا في ما يسمى بـ”إفريقيا الأنجلوفونية”، يكمل الحضور المغربي في إفريقيا الفرنكفونية.
وشدد على أن “المبادرة الأطلسية” التي أطلقها المغرب، في حاجة لمشاركة جنوب إفريقيا، “من الهام التفكير في خط بحري بين المغرب وجنوب إفريقيا، لأن المغرب شيد ميناء الداخلة الأطلسي من أجل الانفتاح على قارته، التي توجد بها بلدان تعد محطات لا غنى عنها، كالغابون والسنغال وساحل العاج، وجنوب إفريقيا”.
وفي الجهة المقابلة، يحتاج الاقتصاد الجنوب إفريقي، وفقا للخبير، للخبرة المغربية في عدة مجالات وفي مقدمتها الأمن والخبرة في بعض المعادن المهمة كالفوسفاط.