اقتصاد

كيف سيُجنِّب التنظيم المشترك المغرب فاتورة المونديال الثقيلة ومشاريع “الفيل الأبيض”؟

كيف سيُجنِّب التنظيم المشترك المغرب فاتورة المونديال الثقيلة ومشاريع “الفيل الأبيض”؟

يُشكّل “إرث” كأس العالم أحد التحديات الكبرى التي تنتظر المغرب في ملفه المشترك مع إسبانيا والبرتغال، سيما في ظل تجارب سابقة لدول ظلت تُسدّد لسنوات الفاتورة الثقيلة لاحتضان العرس الكروي الأكبر في العالم.

وعكس المُعتقد، لا يعد تنظيم مسابقة من حجم كأس العالم نِعمة بالضرورة على البلد المستضيف. فباستثناء مظاهر الاحتفال قبل وأثناء وبعد المباريات، تعيش أغلب الدول المستضيفة في دوامة من الإكراهات الاقتصادية قبل وأثناء وبعد التظاهرة، ويأتي على رأسها تكلفة المشاريع التي تُعرف بمسمّى “الفيل الأبيض”.

ويضع “فيفا” شروطا صارمة لتفادي تضمن ملفات تنظيم أكبر مسابقاته الكروية مشاريع “الفيل الأبيض”، المتمثلة بالأساس في الملاعب التي تُشيّد لاحتضان مباريات كأس العالم وتُكلّف ملايين الدولارات لكنها تظل “خارج الخدمة” بلا عائد اقتصادي أو رياضي بعد انتهاء المسابقة.

ولن يكون المغرب، ولا حتى إسبانيا والبرتغال، معنيا بهاته المشاريع، إذ سيَبني ملعب واحدا إضافيا واحدا فقط هو “ملعب الحسن الثاني”، الذي سيكون الأكبر في العالم، وسيكتفي بإعادة تهيئة ملاعبه الكبرى الأخرى، ما يجعل عجلة مُنشآته الرياضية متحركة رياضيا واقتصاديا بكأس العالم أو بدونها.

نزيف أم قفزة اقتصادية؟

وارتفعت تكاليف تنظيم كأس العالم في النسخ الثلاث الأخيرة، إذ بلغت نفقات قطر لاحتضان مونديال 2022 ما يناهز 220 مليار دولار، بينما كلفت نسخة 2018 روسيا 11.6 مليار دولار، في حين تجاوزت نفقات البرازيل في دورة 2014 15 مليار دولار.

مقارنة بالنسخ التي قبلها، لا يمكن أن تخطئ العين هذه القفزة الصاروخية، إذ لم تتجاوز تكلفة مونديال 2010 بجنوب إفريقيا 3.6 ملايير دولار، و4.3 ملايير دولار بالنسبة لدورة ألمانيا 2006، في حين أنفقت اليابان وكوريا، في تنظيمهما المشترك لكأس العالم سنة 2002، ما يناهز 7 ملايير دولار، بينما لم تتجاوز نفقات فرنسا 2.3 مليار دولار في نسخة 1998. أما مونديال 1994، فلم تحتج الولايات المتحدة الأمريكية سوى إلى 500 مليون دولار لتنظيمه.

وغالبا ما يشكك خبراء الاقتصاد في الأثر الاقتصادي لتنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى مثل كأس العالم أو الألعاب الأولمبية، وتُساق بهذا الصدد أمثلة لبعض البلدان التي ما تزال تعاني إرهاقا اقتصاديا بسبب ديون المونديال، على غرار البرازيل وجنوب إفريقيا.

لكن الاتحاد الدولي لكرة القدم لا يتفق مع هذه المزاعم، ودائما ما يؤكد أن تنظيم كأس العالم يعود بالنفع الاقتصادي والتنموي على البلدان المستضيفة، ويُساهم بشكل كبير في خلق فرص شغل كانت قبل كأس العالم غير مخطط لها بالأساس.

المغرب استثناء مونديالي

في الحقيقة، تحديد فُرص النجاح في إنفاق ملايير الدولارات ببذخٍ على قطاعات دون غيرها بعيدا عن استضافة كأس العالم سيكون صعبا، سيما أن المسابقة تعويض جزء من الاسثمارات في وقت وجيز من خلال إيرادات قياسية على المدى القصير والمتوسط على الأقل، خلال وبعد الحدث. لذلك، يرفض رئيس المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، رشيد ساري، سَحْبَ المشاكل الاقتصادية التي تخبطت فيها جنوب إفريقيا والبرازيل، بعد تنظيمها لمونديالي 2010 و2014 تواليا، على المغرب الذي يستضيف رفقة إسبانيا والبرتغال نهائيات كأس العالم عام 2030.

ويوضح ساري في حديث لجريدة “مدار21″، أن تنظيم المملكة لكأس العالم رفقة جارَيْها الإيبيريين فرصة اقتصادية لا تعوّض لتحقيق قفزة كبيرة في العديد من القطاعات.

وأبرز أن المغرب ليس في وضعية جنوب إفريقيا والبرازيل اللذين نالا شرف تنظيم كأس العالم وبنيتهما التحتية قوية “عكس المغرب الذي يعاني إشكالات عديدة لأن البنى التحتية ليست قوية، وسيعمل على تقويتها، وسيكون هذا الغرض الأول من تنظيم كأس العالم”.

فاتورة ضخمة لقفزة اقتصادية

وأكد الخبير الاقتصادي أن تنظيم مونديال 2030 يمكن تفكيكه بمنظور اقتصادي من خلال ثلاثة أرقام أساسية تتجلى في أن “تكلفة التنظيم لن تتجاوز 53 مليار درهم (5.5 مليار دولار)، والناتج الداخلي الخام للمغرب سيرتفع إلى 200 مليار دولار في أفق عام 2029، والرقم الثالث أننا سنصل لأكثر من هذا الرقم إذا حَيَّنا مجموعة من المعطيات”.

وأبرز رشيد ساري أن توقعات صندوق النقد الدولي بانتقال الناتج الداخلي الخام المغربي من 144 إلى 200 مليار دولار يؤكد أن مجهودا كبيرا ينتظرنا في مجال التسويق خاصة استقطاب الاستثمارات، مضيفا أن “الاستثمارات الأجنبية للأسف، رغم أننا نقول إنها تحسنت سنة 2024، لكن عندما نقارنها بما كانت عليه قبل 19 عاما سنرى أنها أضحت كارثية اليوم. فمثلا سنة 2023 بلغت 10 ملايير و800 مليون درهم، بينما عام 2005 كانت تصل 43 مليار درهم”.

وشدد الخبير والمحلل الاقتصادي على أن “ما يجب أن نعمل عليه اليوم هو الاستشراف واستقطاب الاستثمارات والسياح، وتقوية البُنى التحتية، لذلك، يمكننا القول إن تنظيم كأس العالم سيجعلنا على الأقل نتوفر على بنى تحتية قوية في مجموعة من المجالات”.

فرصٌ لا تَتكرّر

ويجزِمُ ساري بأن المغرب يملك كل المقومات اللازمة لضمان تدفق عائدات التنظيم حتى ما بعد مونديال 2030 سياح ورياضيا وحتى على المستوى الصناعي، ويقول بهذا الصدد: “الموقع الاستراتيجي للمغرب يجعل لدينا آفاقا كبيرة في المجال السياحي، واليوم نتحدث عن استراتيجية لبلوغ 17 مليونا و500 ألف سائح، ولكن في أفق 2030 قد نتجاوز هذا الرقم ونصل إلى 30 مليونا”.

وفسّر توقعات انتعاش الدينامية السياحية بالتقارب الجغرافي بين المغرب وإسبانيا والبرتغال والذي “يفتح لنا مجموعة من الآفاق علينا استغلالها إيجابا”، مضيفا “مثلا، يجب وضع مجموعة من التحفيزات لتشجيع الجماهير على مشاهدة 3 مباريات موزعة على الدول الثلاث، لكن يجب على وكالات الأسفار، إضافة إلى وزارة السياحة، أن يعملوا على تقوية النسيج السياحي المغربي”.

ويوفّر تنظيم كأس العالم إشعاعا وتسويقا عالميين مجّانيين، لذلك يحتاج المغرب لاستغلال الفرصة للقيام بالتسويق الصناعي، وفق رشيد ساري، الذي يؤكد أننا نحتاج لتسويق فرص الاستثمار بالمغرب في كل القطاعات لضمان استدامة عائدات تنظيم كأس العالم، لأن “الاعتماد على تنظيم كأس العالم فقط والاكتفاء باستقبال السياح على المدى القريب، والتركيز على السياحة فقط سيكون كارثة وسيُكلّفنا فاتورة ثقيلة”.

وزاد شرحا “السياحة قطاع حيوي لكنه يتأثر بمجموعة من العوامل؛ إشاعة أو عدم استقرار مرحلي أو زلزال أو فيضان، كلها عوامل تؤثر، بينما قطاعات مثل الاستثمارات والصناعة واللوجستيك هي ما يجب أن نركز عليه، لذلك يجب الاهتمام بالتسويق، وإذا وقفنا مكتوفي الأيدي فلن ند في نهاية الطريق نتائج مُرضية، لذلك علينا وضع استراتيجيات مُحكمة للعائدات على المدى المتوسط والبعيد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News