مجتمع

اكريويل لـ”مدار21″: الأجهزة الإلكترونية تحفز الإصابة بالتوحد وتشتت تركيز الأطفال

اكريويل لـ”مدار21″: الأجهزة الإلكترونية تحفز الإصابة بالتوحد وتشتت تركيز الأطفال

باتت الأجهزة الإلكترونية والهواتف والذكية سلاحا ذا حذين، في جانب أداة للتعلم والاكتشاف وفي جانب آخر إدمانا يهدد الصحة النفسية للأطفال ممن يقضون ساعات طويلة أمام الأجهزة الرقمية التي تشكل خطرا جسيما على مستوى النظر والدماغ والتركيز ما قد يؤدي  إلى شكل من أشكال التوحد كطيف قد يخفى على كثير من الآباء نتيجة التفاعل مع هذه الأجهزة.

ويعمد أولياء الأمور إلى إعطاء أطفالهم الهواتف قصد التسلية والإلهاء وإسكاتهم أحيانا دون الوعي بالآثار السلبية التي تظهر مستقبلا لدى أطفالهم وقد يفضي ذلك إلى نوع من الأمراض النفسية أو الذهنية مما نشاهده لدى أطفال التوحد أو المصابين بطيف منه.

وللإحاطة بكافة جوانب خطورة هذا الاستخدام المفضي إلى آثار سلبية جسيمة على الصحة الذهنية والنفسية للطفل أجرت “مدار21” حوارا مع أخصائية أمراض الدماغ والأعصاب عند الأطفال، وأستاذة التعليم العالي في طب الأطفال، ورئيسة مصلحة طب الأطفال اكريويل يامنة التي أوضحت إلى أن هذه الأجهزة تؤدي إلى تحفيز الطفل المهيأ والذي له استعداد عضوي أو وراثي لإظهار الإصابة بالتوحد، وتسبب في عزلته عن العالم الخارجي والبيئة المحيطة به، لكن بمجرد الابتعاد عن إشعاعات الأجهزة يسجل تحسنا ملحوظا على مستوى النوم والسلوك والتواصل عند الأطفال.

وفيما يلي نص الحوار:

بداية ما هو تعريف اضطراب طيف التوحد عند الأطفال؟

التوحد أو الذاتوية هو اضطراب النمو العصبي عند الطفل قبل ثلاث سنوات ويتلخص في ثلاثة أنواع من الاضطرابات يهم الأول ضعف التفاعل الاجتماعي فالطفل غير قادر على الانغماس في محيطه بشكل سليم والثاني يخص ضعف التواصل اللفظي وغير اللفظي إذ يلاحظ عدم قدرته على التواصل بالكلام من جهة وبالإيماءات والتعابير من جهة أخرى سواء عبر قيامهم بها أو قراءة تعابير الآخرين أما الثالث يتحدد بأنماط سلوكية مقيدة ومتكررة من قبيل تحريك يديه بشكلٍ متكرر وبنمط واحد  والدوران، والركض ذهابا وإيابا، ورفرفة اليدين والانشغال بحركات لا فائدة منها فيكررها لمرات عديدة في اليوم.

وينتشر هذا المرض بشكل كبير جدا ويصيب نحو واحد كل خمسين طفل بعدما كانت الإحصائيات تشير في السابق إلى إصابة واحد بين مئتي طفل باضطراب طيف التوحد.

ويشير مصطلح طيف التوحد إلى وجود مستويات مختلفة في شدة وحدة المرض ويدخل تحت لواء طيف التوحد إما الحالات الطفيفة مثل تلك المتعلقة بتأخر النطق وهناك الحالات الشديدة التي تجتمع في ثناياها كل أعراض التوحد فالطيف ينتقل من مرحلة خفيفة إلى أخرى أشد وطأة.

وهل تؤثر أعراض التوحد على الذكاء وقدرة المصابين على قراءة تعبيرات الوجه وإظهار العواطف؟

تبدأ إرهاصات المرض بأعراض يجب ملاحظتها من طرف الآباء من أجل التصدي لهذا الاضطراب وبدء العلاج مبكرا وبصورة مكثفة، وهذه مرحلة دقيقة جدا لأنها إن بدت في الأشهر الأولى من حياة الطفل من شأنها توفير الكثير من الجهد والوقت لإنقاذه، وتحدد هذه الأعراض بعدم مبالاة الرضيع بأمه فالطبيعي أن يكون الطفل لصيقا بوالدته في أشهره الأولى بينما المصاب باضطراب من هذا النوع نجده غير متعلق بها ولا بالأشخاص المحيطين به كما أنه لا يبادلهم الابتسامات، ولا ينظر إلى وجوههم وأعينهم، علاوة على أنه لا يتفاعل مع الآخرين وذلك بعدم مد يديه  في إشارة إلى حمله، أيضا الطفل التوحدي لا يحاكي الأصوات ولا يقلدها ولا يبدى حركات يتجاوب من خلالها مع محيطه كالتصفيق وترديد الكلام وهذه أعراض من هم أقل من سنة.

وبعد السنة يلاحظ عدم قدرة الطفل على نطق الكلمات على سبيل المثال “بابا، ماما، الضوء”. كما لا ينتبه عند مناداته باسمه فبظن المنادي أنه لم يسمعه لكن الحقيقة أنه شارد الذهن ومشتت التفكير، كما أن الأطفال البالغين من العمر أكثر من سنة لا يلعبون مع أقرانهم وإن فعلوا تختلف طريقة لعبهم عن الآخرين ويكون منعزل ذهنيا عنهم.

وتظهر سلوكيات غير طبيعية عند الطفل ويصبح عنيف ويصاب بنوبات عصبية بالإضافة إلى كونه غير محب للتغيير حتى في أبسط الأشياء “مثلا متعلق بوسادته ويضعها في المكان ذاته وبمجرد أن تغير والدته مكانها يصاب بنوبة انفعالات دون أن تفهم سببها ”

وتقع اضطرابات في السلوك والنوم كذلك إذ لا ينال نصيبا كافيا منه علاوة على الإصابة بنوبات عصبية آناء الليل، ناهيك على عدم مبالاته لما يقع أمامه ولا يقوى على التعبير عن حاجاته أو أحاسيسه ولا فهم ما يقال له فالكلام بالنسبة له فاقد لأي معنى لأن باحة التواصل ضعيفة جدا وهنا يظن الآباء أن طفلهم متأخر عن النطق لكن الواقع أنه لا يفهم مغزى الكلام.

وفي ظل عدم اكتشاف السبب لا يمكن الجزم بوجود سبب حقيقي واحد وراء هذا الاضطراب، لكن الأكيد والمتفق عليه وجود تفاعل بين القابلية الوراثية للطفل مع ظروف المحيط، ويشترط اندماجهما سويا حتى نكون أمام حالة تعاني من اضطراب من هذا النوع، فإن أخذنا كل سبب على حدى لن يحقق اضطرابا للطفل فلا بد أن يجتمع هذين العنصرين ” القابلية الوراثية والمحيط غير المناسب للتفاعل التواصلي”

هل هناك صلة بين اضطراب طيف التوحد والأجهزة الالكترونية؟ وكيف تؤثر على سلوكيات الطفل؟

الأجهزة الالكترونية على اختلافها وتعددها تحفز الطفل المهيأ والذي له استعداد عضوي أو وراثي لإظهار الإصابة بالتوحد فهي انعزاله عن العالم الخارجي والبيئة المحيطة به ويعتبر الوقت المستهلك أمام هذه الأجهزة وقت منقوص وضائع من وقت التواصل والتفاعل واندماجه داخل الأسرة والمجتمع، والدليل على وجود هذه التأثيرات أنه بمجرد إزالة الشاشات من أمام الأطفال نلاحظ تحسنا ملحوظا على مستوى النوم والسلوك والتواصل.

وأكدت دراسات عديدة وجود علاقة بين التوحد واستخدام الالكترونيات حيث هناك ارتباط وطيد بين شدة مشاهدة الشاشة وتأخر النمو على عكس الفوائد العديدة للتفاعل بين الطفل ومحيطه ولا يجب أن يعوض وقت تفاعل الآباء مع طفلهم بوقت الشاشة.

هل أشعة الهواتف النقالة تؤدي إلى تلف الدماغ وتشتت الانتباه؟

تصيب الأجهزة الالكترونية عموما الطفل العادي بآثار سلبية عديدة فما بالك على طفل توحدي، فينقص المستوى الذهني عند الطفل بتشتيت المحفزات البيئية المختلفة لأن الطفل العادي عندما يلعب أو يناقش والديه من أجل الحصول على شيء ما يواجه صعوبات وهذه الأخيرة تدفعه لإيجاد حلول للمشاكل وهي بدورها تجعل تشابكات الدماغ والإبداع يظهر وبالتالي عند استعمال الأجهزة الإلكترونية لا تكون هناك محفزات بيئية مختلفة تفضي إلى  ضعف في النمو الذهني والتفكير والإبداع والتعلم ناهيك عن كثرة التوتر والقلق والنوبات لأسباب مجهولة كما أنه لا يستشعر ذوق الحياة إلا حينما يلتصق بشاشة جهازه.

ويسبب الارتباط بالعالم الافتراضي عزلة عن المحيط الاجتماعي فينتج ضعف المهارات الاجتماعية إذ لا يتسم بالحذاقة وسرعة البديهة لأنه يهيم في عالمه الافتراضي وتنعكس على شخصيته التي تنحو للعدوانية أو الانعزال ويتحلى بالخجل والقلق والاكتئاب ونقص التركيز لدرجة أنه لا ينتبه لحديث والديه، وهذه كلها تأثيرات الأجهزة على الطفل العادي والطبيعي.

أما الطفل المصاب بطيف التوحد أو لديه استعداد عضوي لإظهاره فقد توصلت الدراسات إلى أن استعمال الشاشات يؤدي إلى اضطرابات بيولوجية وهناك نقاش في الساحة العلمية أظهرت اضطرابات بيولوجية في الدماغ وهرمونية تؤدي إلى نوم مضطرب بسبب الالتصاق بالشاشات وتؤثر سلبا على التنظيم الذاتي للدماغ فهناك نوعين من النوم  نوم عميق يصلح كل ما هو حركي وما قام به من جهد وتعب أثناء النهار ونوم نشط أو متناقض « sommeil paradoxal » يصلح كل ما يتعلق بالتفكير والتعب فالأطفال المضطربين يستيقظون وهم متعبون لأن نومهم المضطرب لا يعالج لا ما هو حركي ولا ما هو فكري ويسمى نومهم نوم مضطرب غير منعش والنتيجة طفل يعاني من قلق وتعب ويميل إلى العدوانية وإصدار سلوكات غير لائقة ناتجة عن الإدمان بالشاشة والانقطاع عن التجربة المباشرة فهو يعيش في عالم افتراضي.

حتى وإن وجد الطفل وسط محيطه هو يسجل حضورا جسديا لا غير لأنه فكريا منعزل تماما فالفكرة السائدة عن التوحد أن الطفل يتوارى في زاوية بعيدة عن الأنظار لكنه اعتقاد خاطئ لأنه منعزل فكريا حتى وإن استغرق في الدوران واللعب والرفرفة أمام محيطه فهو يسبح في عالمه ولا يعيرهم أي اهتمام.

ما هي طرق العلاج أو الوقاية منه وكيف يتم التعامل مع الطفل المصاب باضطراب طيف التوحد؟

لا يوجد علاج جذري لطيف التوحد، إنما يستلزم جهدا طويلا من قبل الآباء والمدرسة والمحيط والأخصائيين حتى يتم معالجة وتحسين كل ما هو سلبي خطوة بخطوة ولكن هناك مجموعة من طرق العلاج والتدخلات من قبل كل من سبق ذكرهم من خلال التقيد بعلاج سلوكي وتواصلي وفق طرق متعددة وعلاج تربوي وأسري وكذلك مهني من خلال توجيهه للقيام بعدة وظائف، وهناك من يعاني من ضعف التوازن في الحركة والمشي وهنا يوصف لهم العلاج الطبيعي والحسي والحركي للتواصل وبعض الأدوية لبعض الأعراض كفرط النشاط أو الحركة، و نتدخل من أجل إعطائه أدوية تساعده على تخفيف حدة الحركة لديه ليستطيع أن يستجيب والخطة العلاجية.

ومن  لديه اضطرابات خطيرة في السلوك نمده بعلاج مؤقت ريثما يعود إلى اتزانه، علاوة على من يعاني من القلق يتناول بعض المكملات الغذائية التي تساعده لكن مع  الحرص على عدم مزجها مع أدوية أخرى تسبب في آثار جانبية سلبية وعادة ما ننصح بالاهتمام بالأكل الصحي للطفل  وان يكون في محيط غير سام، ويبتعد عن المواد الحافظة والملونة ، ويتجنب  أكل الشارع لأن جسمه بحاجة إلى الاستفادة من شتى أصناف الأكل بالإضافة إلى أن يكون الماء مصفى  ونقي وغسل ملابسه بمواد طبيعية، ناهيك عن استعمال أواني الطين والاينوكس مع تفادي الألومينيوم لأنها تسمم خلايا الدماغ، ومن اللازم البحث عن ما يزيد من مناعته، والتوقف الفوري لاستعمال الأجهزة الالكترونية وإن قام بردات فعل عنيفة وهو ما أشارت إليه الوكالة الأمريكية لرعاية الطفولة  إذ منعت هذه الشاشات نهائيا قبل سنتين من عمر الطفل، أما بعد العامين أقصى حد للاستخدام لا يتجاوز ساعتين.

وبمجرد إبعاد الأطفال عن الشاشات تظهر النتيجة إيجابية بنسبة جيدة في التحسن في غضون أسابيع، ويفضل التعامل مع الطفل المصاب باضطراب طيف التوحد بشكل طبيعي، لكن أحيانا الآباء لا يدركون تماما الكيفية الملائمة للتعامل مع أطفالهم، فيتراطمون أحيانا بين العنف والسلاسة، ومن يساعدهم في ذلك هو المعالج النفسي إذ من بين نصائحه أن يتجاهلوه عندما يلقي نفسه على الأرض ويشرع في البكاء فينصح بتركه هكذا حتى ينهض بمفرده وهنا يسجل دماغه أن اللجوء إلى العنف لم يؤد إلى أي نتيجة.

حري بالآباء بكونهم في وسط الحلبة أن يلجؤوا إلى كوكبة من المختصين لإخضاع الطفل إلى برنامج علاجي متكامل وذلك عن طريق استشارة المعالج النفسي لإعطائهم نصائح حول كيفية التعامل معه ولا بد من زيارة طبيب أمراض الدماغ والأعصاب عند الأطفال لتجنب كل ما يتعلق بمرض عضوي، بالإضافة إلى أخصائي الطب النفسي للأطفال ومعالج النطق مع أخذ بعين الاعتبار أن كل حالة لها علاج خاص وبرنامج علاجي منفرد لا يشبه حالات أخرى قد تكون مشابهة في المرض لكن طرق العلاج تختلف.

وعندما تتكاثف كل هذه الجهود بالموازاة مع تناوله لغذاء صحي وإزالة الأجهزة وتكثف عملية تواصل الآباء مع أبنائهم لا بد إذن لهذه العناصر مجتمعة أن تؤت ثمارها لا على مستوى الاضطراب الشديد فيقل معدل النوبات، ويستغرق في النوم لوقت أكبر، ولا على مستوى ذوي الاضطراب الطفيف فيصبحون أقرب للأطفال العاديين، ويواكبون حياتهم الدراسية مع وجود صعوبات بسيطة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News