مفكرون يستعرضون تاريخ “نكسات” النهضة بالمغرب وعوامل “تعطل” مسار الإصلاح

ربط مفكرون وأكاديميون تأخر مسار الإصلاح والنهضة في المغرب بتحديات خارجية ارتبطت ب”تحرشات” و”ضغوطات” عاشها المغرب خلال فترة سابقة “عطلت عجلة تطوره ونهضته”، وأخرى داخلية تعلقت ب”خلافات وصراعات حول السلطة”.
وفي هذا الإطار، قال محمد أفاية، مفكر مغربي، وأستاذ الفلسفة المعاصرة والجماليات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وعضو سابق بالمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، في مداخلته في ندوة حول “الفلسفة.. كيف نفكر في العالم؟ سؤال النهضة في المغرب معالمها وعوائقها”، أمس الإثنين، بمعرض الكتاب بالرباط، إن “السياق التاريخي للإصلاح في المغرب ارتبط بالعديد من التحديات، ضمنها تحديين كبيرين أتيا من الشق العربي من خلال الإصلاحات التي شهدتها تركيا والمشرق العربي وتحدي آخر أكبر تمثل في أوروبا”.
ولفت أفاية إلى أنه “هناك تداخل بين مسألتي الإصلاح والنهضة وبين هزيمة اسلي سنة 1840 التي أخرت تنفيذ المساعي المرتبطة بهما، إلى جانب حرب تطوان في سنة 1860 وغيرهما”.
وتابع المتحدث ذاته إن “محاولات الإصلاحات بالمغرب تعرضت لجدلية تحرشات الخارج وضغوطاته وكمياء الداخل من عناصر الضعف والصراعات المختلفة من أجل الاستيلاء على السلطة إلى أن وصل إلى اتفاقية الحماية التي لم تكن استعمارا مباشرا، حيث دخلت فرنسا من باب الإصلاح”.
وذكَّر أفاية بدور النخبة التقليدية في مسار النهضة والإصلاح، والتي “لطالما دعت إلى الإصلاح رغم فشلها في هذا الجانب”، مبرزا في سياق متصل أنه لل”جيوش دورا هاما في نجاح وفشل الدول وفي صناعة الهزائم بسبب الجدلية بين أهمية إصلاح الجيش والإدارة والتعليم من أجل النهوض لمواجهة التحديات الكبرى”.
أفاية تحدث خلال هذه الندوة أيضا عن “حضور التحرر من الاستعمار وبناء الديمقراطية في قلب النخب قبل الاستقلال وبعده، غير أن الخلاف حول السلطة عطَّل عجلة الوصول إلى الإصلاح المنشود”.
“لم يكن مصطلح النهضة حاضرا خلال فترات سابقة بل كان التقدم عنوان المرحلة، وكانت تستعمله كل الجهات من الأحزاب والنقبات التي كانت تدعو إلى التغيير وتنسب نفسها إلى معسكر التقدم”، وفق ما جاء على لسان أفاية في مداخلته.
وانسحب مصطلح “التقدم” من التداول العام منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، ليتم اللجوء إلى استخدام مصطلحي الإصلاح والنهضة، يضيف أفاية في حديثه حول موضوع “النهضة في المغرب، معالمها وعوائقها”.
أفاية، أورد أنه خلال العهد الجديد، “كانت هناك محاولات عديدة للخروج من كل أشكال الانسداد الذي واجهها المغرب وإطلاق تصورات أخرى لتدارك مظاهر التأخر”، مشيرا إلى أن “الدولة تثق خلال هذه المرحلة لأول مرة في النخب بخلاف السنوات السابقة”.
وعدَّدَ المفكر المغربي، محمد نور الدين أفاية، مداخل تحقيق نهضة وإصلاح في المغرب بالإشارة إلى أنه “لابد من أن تكون لدينا رافعة سياسية لبناء حكومة ديمقراطية، ورافعة اقتصادية حقيقية تعتمد على اقتصاد إنتاجي وليس اقتصادا ريعيا، ورافعة أخرى اجتماعية لا ترتبط فقط بالحماية الاجتماعية التي نحن في حاجة إليها، لأننا في حاجة أيضا إلى عدالة اجتماعية، إضافة إلى رافعة ثقافية التي لا يمكن أن تكون في غياب التعليم، ثم رافعة دينية لأهمية الدين في المجتمع، إذ إن إعادة تهيئة هذا الشأن ينبني على التسامح والمحبة والتي في غيابها يصعب الحديث عن مجتمع ناهض”.
من جهته، قال حسن حفيظي علوي، أستاذ متخصص في تاريخ المغرب بكلية الآداب بالرباط، إن “محاولات الإصلاح لم تتوقف في المغرب منذ استقاله، لكننا في حاجة إلى تثمين الفكر، للارتقاء إلى مرحلة النهضة”.
وتحدث علوي عن “ارتباط احتلال سبتة من قبل البرتغاليين، وما أحدثه من هزة عنيفة في الوجدان المغربي”، مردفا: “إذ لم نكن مستعدين لرد الهجوم الأوروبي، مما أثار انتباهنا إلى أننا أصبحنا متجاوزين، ونعيش تأخرا بخلاف أوروبا التي قطعت أشواطا في الإصلاح والتغيير”.
وأضاف أن “النخب كان لا بد عليها أن تتفاعل مع هذا الوضع، غير أنها لم تكن هناك ردة فعل قوية ملموسة وحققنا في الأحلام ما لم نحققه في الواقع”.
واسترسل علوي “فرضت تلك المرحلة التفكير في حلول جذرية، غير أن المغرب اصطدم المغرب بتحولات عالمية أثرت في مسار الوصول إلى حلول حقيقة”.
وأشار المتخصص في في تاريخ المغرب إلى أن “القرن السادس عشر، كان قرنا تحوليا، وشكل منعطفا مهما ظهرت فيه إصلاحات، طغى عليها جانب التصوف الذي كان سائدا وطبعت هذه المرحلة أيضا تملك الفشل فكر الناس”.
وتابع في السياق ذاته: “أوروبا كانت تبني الحداثة ونحن بقينا نحاول تدارك الأمر، لكن مسافات طويلة ظلت بيننا وبينهم في التطور، فصار لها النجاح ولنا الانكسار، ما بين الإحساس والواقع وبين شعورنا بأننا تجاوزنا وتوقيع معاهدة الحماية كانت هناك إصلاحات كثيرة”.
وفي تصريح لجريدة “مدار21″، قال الأستاذ حسن حفيظي علوي إن “هذه الندوة عالجت موضوع الإصلاحات منذ بداياتها، أي منذ القرن الـ19 إلى اليوم وتوقفت عند مسلسل الإصلاح الذي انخرط فيه المغرب في الآونة الأخيرة، وبينت المنجزات، إضاف إلى وقوفها عند الصعوبات التي تفرض نفسها اليوم”.
وواصل حديثه في السياق ذاته: “وعلى المغرب أن يواجهها، وفي مقدمة ذلك إيلاء أهمية كبيرة للتعليم وكذلك للاستقرار اللغوي بالإضافة إلى العناية بالحد من الفوارق الاقتصادية وتعزيز المسلسل الديمقراطي في بلدنا بما يخدم مستقبل هذا البلد الذي حقق بدون شك كما هو ملاحظ منجزات كبيرة إن قورن مع دول الجوار ودول في القارة الإفريقية”.
وتابع في السياق ذاته: “إن التجربة في المغرب تجربة رائدة ومهمة وجب أن نقر بأهميتها ومنجزاتها، ولكن يجب ألا نتوقف عند هذا المستوى، وأن نعمل جاهدين كل من موقعه من أجل أن نعزز هذه الإصلاحات التي انخرط فيها المغرب منذ مدة ليست بالهينة، وبدأت تعطي أكلها وستعطي أكلات أخرى في المستقبل”.