اقتصاد

المنافسة الشرسة تدفع الأبناك الفرنسية لـ”الهروب” من السوق المغربي

المنافسة الشرسة تدفع الأبناك الفرنسية لـ”الهروب” من السوق المغربي

أعاد إعلان مجموعة “سهام” لمالكها رجل الأعمال والوزير السابق مولاي حفيظ العلمي، الاستحواذ على 57.67 بالمئة من رأسمال الشركة العامة المغربية للأبناك مع فروعها، وقبلها إعلان مجموعة “هولماركوم” المغربية، لعائلة بنصالح، عن الاستحواذ على “مصرف المغرب” التابع للمجموعة المصرفية الفرنسية “القرض الفلاحي”، الحديث عن مَغرَبة القطاع البنكي بالمغرب وإنهاء السيطرة الفرنسية، وأسبابه للواجهة، وما إذا كانت اقتصادية مرتبطة بعوامل متغيرة بالسوق وتقلباته وخططه أم أنها سياسية، وتتداخل فيها “عوامل خفية” مرتبطة بحسابات دبلوماسية.

قوانين أوروبية

زكرياء ݣارتي، الخبير المالي والإطار في مؤسسة مالية دولية، أكد أن مغادرة الأبناك الفرنسية للمغرب ليس مرتبطا بتدهور أو رغبة الرباط في تقليل العلاقات مع فرنسا، بل إن السبب الرئيسي هو رغبة هذه المؤسسات الأجنبية بمغادرة القارة الإفريقية بشكل عام.

وأفاد ݣارتي، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن مغادرة الأبناك لا تقتصر على الأبناك الفرنسية “بل حتى بنوك دولية أخرى باعت حصصها في عدد من الدول الإفريقية، لأسباب عديدة أولها مرتبط بالقوانين التنظيمية الخاصة بالقطاع المصرفي في أوروبا والتي أصبحت معقدة أكثر”.

وأردف الخبير المالي أن هذه القوانين ملزمة للبنوك لجميع فروع الأبناك الأوروبية في كافة دول العالم، بما في ذلك الفروع الإفريقية، لأنها موضوعة من طرف البنك المركزي الأوروبي، ومن الصعب أن تجد هذه القوانين كلها محترمة في دول إفريقيا، وأيضا وفي حالة وقوع أزمات بهذه البلدان يكون البنك ملزما بإبلاغ البنك المركزي الأوروبي والبورصة (بما أنها مدرجة جميعها في البورصة)، وبالتالي أضحت تواجه مشاكل.

كما نبه إلى أن هذه الأبناك الأوروبية تواجه في إفريقيا “مشاكلا أكثر من الأرباح”، إذ إن أرباحها تظل متواضعة بالقارة السمراء مقارنة بأرباح أوروبا الغربية وأمريكا، مستدركا “ربما يكون هامش الربح في إفريقيا أفضل ولكن القيمة الإجمالية مقارنة بحجم السوق الأوروبية تبقى ضعيفة”.

من جهة أخرى، وبحسب الخبير المالي والإطار في مؤسسة مالية دولية، فأحد عوامل مغادرة الأبناك الفرنسية يتمثل في (kyc (know your client، والذي يعني أن فتح حساب معين في أوروبا يخضع لقوانين صارمة جدا مرتبطة بنزاهة الزبون ومحاربة الإرهاب وتهريب الأموال وتبييضها.

وفي هذا الصدد، قال الخبير المالي، إن بعض الأبناك في الدول الإفريقية لا تحترم هذه القوانين، “وإذا وقعت مشكلة أو فضيحة يظهر أن هذا كان تاجر مخدرات وله حساب في هذا البنك ويخلق ذلك مشاكل كبيرة للفرع الرئيسي إما في باريس أو لندن أو برلين.. وبالتالي تفضل بعضها الخروج من السوق الإفريقي”.

منافسة مغربية

وأبرز زكرياء ݣارتي، من جهة أخرى، أن عاملا آخر يتدخل في مغادرة الأبناك الفرنسية، وهي المنافسة القوية من البنوك المغربية في إفريقيا “والتي أثبتت قدرتها ومعرفتها بأسواق القارة السمراء بشكل أفضل، إضافة إلى أنها تمتلك حصة بالسوق أفضل بكثير”، لافتا إلى أن 3 أبناك (التجاري وفا بنك وبنك إفريقيا والبنك الشعبي) تهيمن على ما يتراوح بين 50 و60 في المئة من السوق المغربي.

وأشار الخبير المالي إلى أن حصة السوق بالنسبة للأبناك الفرنسية تبقى ضعيفة، ومناقشة الأبناك المغربية دفعها للخروج بأقل خسائر “وهذا ما قامت به الشركة العامة، لا في المملكة ولا في دول إفريقية أخرى، إذ إن حصتها بالسوق المغربي كانت صغيرة”.

ويرى ݣارتي أن صفقة الشركة العامة مع العلمي لن يكون لها أي أثر سوى أنه يمكن اعتبارها خطوة أخرى نحو مغربة القطاع البنكي، مضيفا “اليوم بعد مغادرة الشركة العامة، سيبقى البنك الفرنسي الحاضر بقوة هو ‘BNP Paribas’ عبر ‘bmci’ وذلك في انتظار بيع ‘crédit mutuel’، وهو بنك فرنسي لديه تقريبا 20 في المئة من ‘BMCE’ والذي لا شك أنه سيكون حدثا مهما وبارزا”.

مَغْرَبَةٌ ليست وليدة اللحظة

بدوره، يؤكد الخبير والمحلل الاقتصادي، رشيد ساري، أن طموح المغرب لمغربة القطاع البنكي مرتبط بالتزاماته على المستوى الخارجي، خاصة في ما يتعلق بالعلاقات مع العمق الإفريقي، لافتا إلى أن المملكة، ووفق معطيات حديثة، تعد ثاني أكبر مستثمر إفريقي في القارة، بعد جنوب إفريقيا والمستثمر الأكبر في غرب القارة.

وبحسب ما جاء على لسان ساري في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، فإن الأبناك المغربية اليوم تتوفر على استثمارات كبرى تقدر بـ5 ملايير درهم “ولكن هذه فقط الأبناك المغربية 100 بالمئة، بينما مجموعة من الأبناك لم تخضع للمغربة لحد الساعة لا تسير في نفس التوجه”.

وسجل المتحدث أن “مغربة” القطاع البنكي ليست وليدة اللحظة، مبرزا أن المغرب يخضع لهذا التمرين منذ 1991، حين تم شراء حصة مما كان يسمى البنك المغربي للتجارة ليصبح فيما بعد التجاري وفا بنك، وأيضا تم شراء ما يقارب 78 في المئة من حصة من القرض الفلاحي الفرنسي من طرف القرض الفلاحي المغربي.

وقال الخبير الاقتصادي إن المغرب يطمح لإطلاق مجموعة من الاستثمارات على المستوى الخارجية، وبالتالي تحمل مجموعة من الأخطار، على اعتبار أن الاستثمار في العمق الإفريقي يكون بتكلفة، خاصة تزامن ذلك على تقلبات على المستوى السياسي ومستويات أخرى.

ويسترسل موضحا “في الوقت الذي يقود فيه المغرب هذه التجربة (الاستثمار في العمق الإفريقي)، مجموعة من المقاولات أو الأبناك الخارجية التي تمتلك رأس مال أجنبي لا تريد أن تتحمل هذه الأخطار وتختار فقط الاستمرار في الاستثمار بمنطقة الراحة حيث تنعدم الأخطار والأرباح مضمونة”.

ولفت رشيد ساري إلى أن هذه الأبناك الأجنبية في بلدانها الأصلية تتحمل أعباء الخسارة والربح، “ولكن للأسف بالمغرب تحاول الاقتصار على الأرباح فقط”، مشيرا إلى أن التوجه الجديد للمجال المالي للمغرب، والذي يؤطره بنك المغرب، مخالف لذلك ويرفض الاعتماد على الاستثمارات المحلية المحلية المضمونة، ويدعم “اقتحام الأبناك المغربية لإفريقيا ولما لا توسيع خدماتها في أي قارة أخرى”.

ليس نتيجة غياب الثقة

ونفى أن يكون “غياب الثقة في السوق المغربي” عاملا في مغادرة الأبناك الفرنسية، مبرزا أن المغرب كان يعاني فيما قبل من خصاص في المجال المعلوماتي والمجال التقني على مستوى الأبناك، لكن اليوم تدارك ذلك، بل تفوقت الأبناك المحلية على الأبناك الخارجية، إذ أضحت أكثر تميزا فيما يتعلق بالخدمات.

وعزا ساري ذلك لعدم استثمار الأبناك الأجنبية في مجال الخدمات والنظم المعلوماتية، “وظلت دائما تحافظ على الجانب الكلاسيكي والتقليدي في التعامل مع الزبناء ومع الشركات، ولم تعد تجتهد ولا تواكب الركب. بالمقابل الأبناك المغربية تبذل مجهودا كبيرا، وهذا ما يتم تسجيله بوضوح”.

وسجل أن المجال المالي المغربي تتوفر فيه جميع العوامل لاكتساب ثقة الأبناك، إذ يحظى بثقة المؤسسات الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) ويحصل على قروض بشكل مريح ولا يخضع لإملاءات هذه المؤسسات البنكية، لأنه يتوفر على سيادة مالية وليس لديه ركود في المعاملات البنكية، بل بالعكس المعاملات التجارية تثبت أن الاقتصاد المغربي يتحرك.

وأقر المحلل الاقتصادي بوجود “بعض الإكراهات”، لكنه في نفس الوقت أكد “أنها بجميع الدول والمملكة ليست استثناء”، لذلك لا يمكن وصف مغادرة الأبناك الفرنسية المغرب بـ”الهروب”، والذي كان نتيجة تداخل عدة عوامل، أبرزها نقص هامش الربح.

وأوضح أن الشركة العامة وقبل عشرين سنة مثلا كانت تحصد الملايير في الأرباح “أما الآن فالمنافسة أصبحت كبيرة ولم يستطيعوا مجاراتها”، معتبرا أن مغربة القطاع البنكي “مسألة إيجابية والرباط تسير في المسار الصحيح”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News