اقتصاد

الريع والتوافق والاحتكار.. أقصبي يُشرِّح أسباب فشل الاقتصاد المغربي

الريع والتوافق والاحتكار.. أقصبي يُشرِّح أسباب فشل الاقتصاد المغربي

صدر لنجيب أقصبي، الباحث في الاقتصاد والسياسات المالية، مؤلف جديد بعنوان “الاقتصاد المغربي تحت سقف من زجاج-من البدايات إلى أزمة كوفيد 19، يرصد فيه الصدمة الاقتصادية والاجتماعية في زمن كورونا والسياسات التي تم اعتمادها على مدار العقود الستة الماضية وحصيلتها، زيادة على وتقويم مفصل لنتائجها.

وكرّس أقصبي الفصل الأول من كتابه لأزمة كوفيد-19 في المغرب، بـ “حقائقها” ودروسها، إذ يرى أنها أحدثت “أزمة عرض وطلب في آن واحد؛ بانهيار للإنتاج والتشغيل من جهة، وانخفاض في القدرة الشرائية بشكل حاد وغير متكافئ، مصحوب بانخفاض قوي في الاستهلاك والاستثمار، من جهة أخرى”.

واستنادا إلى ذلك، أكد أقصبي، وفق الملخص التحليلي للكتاب الذي توصلت “مدار21” بنسخة، أن “الحقيقة الأولى التي كشفتها الأزمة هي مدى الهشاشة التي يعيش فيها جزء كبير من السكان، ومدى تعرض المواطنين بشكل غير متساوٍ لانعكاسات هذه الأزمة”، لافتا إلى أن “الحقيقة الأخرى التي سرعان ما اضطر كل واحد منا إلى الإقرار بها، هي واقع الصحة العمومية، وبالتالي الخدمات العمومية”، إضافة إلى أنه “عندما أُغلقت الحدود، كان على كل واحد أن يدرك حجم التبعية التي أصبحت البلاد تقبع فيها، وما يمثل ذلك من مخاطر على سيادتها”.

وشدد الباحث الاقتصادي أن المحنة الجماعية لفيروس كورونا أبانت “حاجة مزدوجة للخدمات العمومية من جهة، والأمن الاجتماعي والوطني من جهة أخرى”.

واستخلص الباحث درسين من أزمة كورونا “يتعلق الدرس الأول بضرورة إعادة تأهيل الخدمات العمومية، وتزويدها بالموارد المناسبة لتمكينها من تلبية الحاجيات المشروعة للسكان. ويهم الدرس الثاني العلاقات مع الخارج، وتجسد حول مفهوم السيادة الوطنية، التي تم تفريعها إلى الأمن الصحي والغذائي والطاقي…، كما تم تفعيلها بشكل ملموس في تدابير “الأفضلية الوطنية”، والدعوات إلى تشجيع “استهلاك المنتوج المغربي”، بل ذهبت إلى حد الميول إلى طرح مراجعة اتفاقيات التبادل الحر”.

وسلط أقصبي، الحاصل على الدكتوراه من جامعة باريس-دوفين، الضوء في الفصل الثاني التاريخ الاقتصادي للمغرب بعد الاستقلال والذي اتبعت فيه “الملكية التنفيذية، خلال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، خيارات قوية، بتعاون وثيق مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ظلت على جدول الأعمال إلى يومنا هذا، من خلال خيار اقتصاد السوق مع القطاع الخاص كفاعل رئيسي، بينما تجلى الثاني في النمو الذي تقوده الصادرات والاندماج في الاقتصاد العالمي”.

وقال بهذا الصدد إن “عهد محمد السادس لا يشكل قطيعة، بل منعطفا في مسار توجهات خمسينية، بمعنى أنه يتم الحفاظ على الاختيارات الأساسية، وسيتم اتخاذ مبادرات جديدة لتسريع أو إبراز دينامية معينة، وإعادة تركيب إطار عمل استراتيجي قائم، أو بالأحرى إقحام حكامة جديدة أكثر انسجامًا مع روح العصر”.

وقام مؤلف الكتاب في الفصل الثالث بإجراء تحليل يقظ وحاسم لـ”الأوراش الهيكلية” في محاولة لتسليط الضوء على “وفائها” للاختيارات التي تكمن وراءها، وترسيخها في الاقتصاد السياسي، والعجز الديمقراطي الذي يميز حكامتها ومن هنا ثغراتها وإخفاقاتها وذلك بعد تحديد محاور خطط العمل الإستراتيجية الرئيسة التي مازالت تهيكل الاقتصاد المغربي اليوم على رأسها “الخطط القطاعية؛ و”الأوراش الكبرى” للبنيات التحتية؛ واتفاقيات التبادل الحر الدولية، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية (في طور التجاوز من قبل الدولة الاجتماعية)”.

ويرى أقصبي في كتابه الجديد أنه “يمكن أن يتم تقويم تجربة الاقتصاد المغربي باعتماد منهجية “عبر الأهداف”، وهي منهجية تتمسك بالمواجهة الباردة للوقائع، وتضع وجهاً لوجه الأهداف مثلما خَطَّط لها “النموذج” نفسه من جهة، كما تضع إنجازاته من جهة أخرى، وذلك على مستويين، يتعلق أولهما بالأهداف العملية، والثاني بالأهداف الوظيفية، وهما المستويان اللذان تطرق إليهما على التوالي في الفصلين الرابع والخامس.

وانتقل الباحث الاقتصادي إلى تحليل الحصيلة العامة للتجربة الاقتصادية للمغرب طوال العقود الماضي، من خلال أربعة محاور تتجلى في “الإنتاج والتوزيع والانفتاح والتمويل”.

وبناء على ذلك “صار من الممكن فهم لماذا وكيف يظل الاقتصاد المغربي اقتصادًا تحت سقف زجاجي: نمو ضعيف ومتقلب مازال يعتمد بشكل مفرط على تقلبات الطقس؛ وإنتاجية منخفضة، وهياكل قطاعية راكدة وأقل اندماجا، ناهيك عن وجود  تراجعات، مثلما يتضح من تراجع التصنيع، وارتفاع البطالة الحقيقية أو المقنعة والنمو القوي للقطاع غير المهيكل، وتفاقم الفوارق الاجتماعية والمجالية (المحينة ببيانات جديدة وغير مسبوقة)؛ والتبعية المستمرة التي راكمت عجزًا مزمنًا، وزادت من تبعية البلاد مع استمرار زيادة معدل تغلغل المنتجات الأجنبية المستوردة؛ والتنويع غير الكافي للمنتجات وأسواق التصدير، وخطة للمناولة الدولية غير مُرضية من حيث معدلات اندماجها وآثارها على الاقتصاد الوطني؛ ونظام تمويل يُنهك تعبئة الموارد الداخلية، لا سيما من خلال نظام ضريبي غير فعال بقدر ما هو غير عادل، لا يؤدي إلا إلى عجز مزمن في الميزانية، مصحوب بمديونية مقلقة بشكل متزايد”، وفق أقصبي.

ولتقويم النتائج المحصل عليها بناء على الأهداف التي حددها صانعو القرار بأنفسهم لإستراتيجيتهم، يختبر كتاب نجيب أقصبي “وظيفية” النموذج وقدرته على الانخراط في الرؤية العامة لمصمميه من خلال ثلاثة مستويات من الأهداف تعود إلى ثلاثة رهانات “اقتصاد سوق منفتح وشفاف، وقطاع خاص فعال وجريء، واندماج في الاقتصاد العالمي من شأنه أن يؤدي إلى الحرية والازدهار”، منتهيا إلى أنه “استنادا إلى الحقائق والأرقام والشهادات، استطاع تحليلنا تسليط الضوء على هذا الاستنتاج المؤسف والذي لا مفر منه: إجمالا، خسرنا الرهانات”.

وأبرز الكاتب أن “الحصيلة مخيبة للأمل؛ لقد أردنا السوق، فحصلنا على الريع والتوافق والاحتكار؛ وفتحنا ذراعينا للقطاع الخاص فاحتضنا القطاع العام، ثم حلمنا بـ “تنينات” التصدير، فإذا بنا أصبحنا “قاعدة” لاستقبال كل الواردات”.

وحاول أقصبي في “خاتمة عامة” من ثلاثين صفحة التأمل في سبب وكيفية حدوث مثل هذه النكسة بالاقتصاد المغربي أظهر فيها مقاربة أكثر تجذرًا في الاقتصاد السياسي سعيا لتقديم إجابات متكاملة للأسئلة أساسية: “لماذا هذا العناد في الحفاظ على نفس الاختيارات التي أدت إلى نفس الانتكاسات؟ كيف أدت نفس الأسباب إلى نفس العواقب؟ لماذا فشلت الدولة؟ لماذا أفضى “القطاع الخاص” إلى خيبة أمل؟ لماذا لم تكن “البرجوازية” “برجوازية” فعلا؟ ما مسؤولية الفاعلين الرئيسيين في هذه “الحكاية” المؤسفة؟ ما مسؤولية المؤسسات المالية الدولية التي “رافقت” هذه التجربة المغربية الطويلة بشكل دائم؟ كيف ارتبط الاقتصادي بالسياسي ليفضي إلى اقتصاد أصبحت “حكامته” عائقا أمام إقلاعه وارتقائه؟”، إضافة إلى السؤال الجوري “ما مسؤولية النظام السياسي في تعثر المسار التنموي للبلاد؟”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News