دولي

مأزق بايدن.. هل تؤثر “الحرب الموسعة” على نتيجة الانتخابات الرئاسية؟

مأزق بايدن.. هل تؤثر “الحرب الموسعة” على نتيجة الانتخابات الرئاسية؟

بعد أيامٍ من التخبط الذي تلى الهجوم على قاعدة أمريكية في الأردن الأحد الماضي، وافقت الولايات المتحدة على خطط لسلسلة من الضربات على أهداف إيرانية في سوريا والعراق.

وكان ما يعرف بالمقاومة الإسلامية في العراق (كتائب حزب الله العراقية) المدعومة من إيران، قد تبنّت الهجوم الذي أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين، قبل أن تعلن تعليق عملياتها العسكرية ضد القوات الأمريكية “تجنباً لإحراج الحكومة العراقية”.

وجاء إعلان وزارة الدفاع الأمريكية أول أمس الجمعة، بعد أيامٍ من الجدل حول نية الولايات المتحدة الردّ أو عدمه، وتنامي الضغوط الداخلية على الرئيس جو بايدن للتحرّك من قبل من يرون أن مقتل مواطنين أمريكيين يجب أن يغيّر “قواعد اللعبة”.

وبينما قال مسؤولون أمريكيون إن الضربات “ستحدث على مدى عدة أيام، ومن المرجح أن تملي الظروف الجوية موعد إطلاقها”، لا تزال الإدارة الأمريكية تكرر عدم رغبتها في توسيع رقعة الحرب في الشرق الأوسط خصوصاً أنها قد تدخلت عسكرياً بالفعل من خلال ضرباتها للحوثيين في اليمن.

وسط هذه المعطيات، يجد بايدن نفسه أمام معضلة كبرى في سنةٍ انتخابية حسّاسة، بالتزامن مع مؤشرات إلى تراجع حظوظه بولاية ثانية في البيت الأبيض الذي قد يشهد عودةً صاخبة للرئيس السابق دونالد ترامب.

ما هو تأثير قرار بايدن على الانتخابات الرئاسية؟

بحسب تقارير، يفضّل الناخبون الأمريكيون اليوم عدم مشاركة الولايات المتحدة بالصراعات العسكرية في الخارج، كما أنهم يرفضون بشدّة “الزيادات في الأسعار المحلية الناتجة عن قرارات السياسة الخارجية”.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “يو غوف” (YouGov) في 25 يناير الماضي أن 23 في المئة من مؤيدي بايدن في انتخابات عام 2020 سيحمّلون الرئيس المسؤولية إذا ارتفعت أسعار البنزين إلى 5 دولارات للغالون أو أكثر، بسبب اتساع الحرب في الشرق الأوسط.

وبشكل عام، فإن 52 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع لديهم نفس الرأي. ووافق 71 في المئة من المشاركين على أن زيادة مماثلة في أسعار الغاز، بسبب الحرب الموسعة، قد تؤثّر على نتيجة الانتخابات الرئاسية في نونبر المقبل.

وقد برز أيضاً تخلّي عدد كبير من الأمريكيين العرب عن خيار بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وحث الأمريكيون العرب في ضاحية ديربورن في ديترويت الآخرين على “التخلي عن بايدن الداعم للإبادة” في غزة، بينما قالت إحدى المشاركات إنها ستنتخب “أي شخص” عدا بايدن، وذلك خلال حملته الانتخابية في ميشيغان، وهي ولاية متأرجحة حاسمة.

ويميل محلّلون إلى اعتبار أن المزيد من التورّط العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، أصبح بشكل أو بآخر يعني حتماً وصول دونالد ترامب إلى كرسي الرئاسة مرةً أخرى.

وترى مجلة التايم الأمريكية، أن ما يقطع الطريق على هذه النتيجة يكمن في سعي الولايات المتحدة إلى التوصل لوقف إطلاق نار في غزة على الفور، بدلاً من زيادة مشاركتها العسكرية في الشرق الأوسط.

واعتبرت أن وقف الحرب في غزة “لن ينقذ آلاف الأرواح ويمنع حرباً إقليمية موسعة وحسب، بل يمكن أن ينقذ رئاسة بايدن أيضاً”.

وتوضح المجلة أن “إيران والميليشيات الإقليمية المتحالفة معها تشنّ هجمات رداً على (حرب) غزة. وخلال وقف إطلاق النار الذي استمر ستة أيام بين إسرائيل وحماس في نونبر الماضي، توقفت هجمات الميليشيات على القوات الأمريكية إلى حد كبير”، ما يعني أن “وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس من شأنه أن يوقف أو يقلل بشكل كبير من الضربات على الشحن في البحر الأحمر والمنشآت العسكرية الأمريكية”.

كيف انقسم المسؤولون الأمريكيون بشأن الردّ الأمريكي؟

وعلى مسافة شهر من الانتخابات التمهيدية التي تحدّد هوية المرشحين عن الحزبين الرئيسيين، يتخذ دونالد ترامب، المرشح الأوفر حظاً عن الحزب الجمهوري، من “ضعف بايدن” حجته الأساسية في الحشد لحملته الانتخابية.

وقد سارع ترامب في أعقاب الهجوم الذي استهدف القوات الأمريكية في الأردن، إلى إلقاء اللوم على بايدن، قائلاً: “هذا الهجوم الوقح على الولايات المتحدة هو نتيجة مروعة ومأساوية أخرى لضعف جو بايدن واستسلامه”.

وكان مسؤولون جمهوريون آخرون قد طالبوا بايدن بردٍّ حاسم على هجوم يوم الأحد.

وقد طالب السناتور ليندسي غراهام من ولاية كارولينا الجنوبية المعروف بآرائه الحادة، بمهاجمة “أهداف ذات أهمية داخل الأراضي الإيرانية”.

كما رأت المرشحة الجمهورية للانتخابات الرئاسية نيكي هايلي أنه يجب استهداف الحرس الثوري الإيراني، قائلةً “ابحث عن واحد أو اثنين منهم يتخذون القرارات. سوف يخاف الجميع عندما تفعل ذلك”.

وقال السناتور الجمهوري توم كوتون إن “الرد الوحيد على هذه الهجمات يجب أن يكون انتقاماً عسكرياً مدمراً”، مضيفاً أن أي شيء أقل من ذلك سيؤكد أن الرئيس “جبان”.

من جهته، دعا الجمهوري البارز في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، إلى “تكلفة خطيرة ومعوّقة لإيران”.

وكتب النائب دانيال كرينشو من تكساس، حان الوقت لقتل جنرال إيراني آخر، “ربما قد يبعث ذلك بالرسالة الصحيحة”، مذكراً بالهجوم الأمريكي الذي أدى إلى مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.

أما الديمقراطيون، فقد دعا معظمهم إلى محاسبة المسؤولين عن الهجوم الأخير وإلى استهداف الولايات المتحدة للجماعات المدعومة من إيران بدلاً من إيران نفسها.

وقد عبّر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور بن كاردين عن تأييده بايدن “في رد متعمد ومتناسب”.

واستخدم السناتور ريتشارد بلومنتال لغة مماثلة، عندما قال عبر موقع أكس (تويتر سابقاً) إن “الرد الجراحي القوي أمر حيوي ضد القوات المدعومة من إيران”.

ويعلّق محللون أمريكيون على دعوات الجمهوريين إلى التصعيد باعتبارها “دعوات سهلة عندما لا تكون في السلطة”، في حين أن المسؤول الوحيد عن أي تداعيات لضربة إيران هو بايدن فقط، خصوصاً عند وقوع خسائر فادحة بين القوات الأمريكية في المنطقة.

بينما يرى آخرون أنه على الرغم من خطورة النشاط العسكري المتصاعد، فإن بايدن لا يزال “مسيطَراً عليه ولم يكتسب بعد زخمه التدميري”. إذ إن بعض “أسوأ السيناريوهات لم تحدث بعد” مثل “هجوم صاروخي هائل من قبل حزب الله ضد المدن الإسرائيلية. ولدى الحركة قدرة أكبر بكثير على إيذاء إسرائيل من حماس”.

هل نحن أمام استراتيجية جديدة تُسمّى “عقيدة بايدن”؟

يجد بايدن نفسه أمام معضلة: الانتقام للجنود الأمريكيين الذين قتلوا من جهة، وعدم خروج الأمور مع إيران عن السيطرة من جهة أخرى.

يقول الكاتب الأمريكي توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز إننا “على وشك رؤية استراتيجية جديدة لإدارة بايدن لمعالجة هذه الحرب متعددة الجبهات التي تشمل غزة وإيران وإسرائيل والمنطقة”، آملاً أن نشهد “عقيدة بايدن التي تلبّي خطورة وتعقيد هذه اللحظة الخطيرة”.

واعتبر فريدمان أنه إذا تمكنت الإدارة الأمريكية من جمع هذه الأمور، فقد تصبح “عقيدة بايدن” أكبر إعادة تنظيم استراتيجي في المنطقة منذ معاهدة كامب ديفيد عام 1979.

وقال: “لقد تسامحنا مع تدمير إيران لكل مبادرة بنّاءة كنا نحاول بناءها في الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، تسامحنا مع حكومة نتنياهو التي تسعى إلى منع أي شكل من أشكال إقامة الدولة الفلسطينية بشكل دائم، حتى إلى حد دعم حماس ضد السلطة الفلسطينية لسنوات عديدة لضمان عدم وجود شريك فلسطيني موحد”.

ورأى فريدمان أن إسرائيل تخسر الآن على ثلاث جبهات: لقد خسرت حرب السردية حول غزة بعدما تمت إحالتها إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي بسبب الخسائر المدنية التي تسببت فيها في غزة.

كما تفقد إسرائيل، برأيه، القدرة على الحفاظ على أمنها من دون أن تفرط في التوسع على المدى الطويل من خلال غزو غزة، من دون أي خطة لكيفية العثور على شريك فلسطيني شرعي من غير حماس للحكم الفعال هناك حتى تتمكن إسرائيل من الانسحاب.

وهي تخسر كذلك على جبهة الاستقرار الإقليمي، إذا يوضح أن إسرائيل الآن هدف لهجوم إيراني على أربع جبهات – من قبل حماس وحزب الله والحوثيين والميليشيات الشيعية في العراق – لكنها لا تستطيع الوصول إلى الحلفاء العرب أو الناتو الذين تحتاجهم لكسب تلك الحرب، لأنها ترفض فعل أي شيء لرعاية شريك فلسطيني شرعي ذي مصداقية.

وخلص إلى القول إن “عقيدة بايدن” المرجوة “يمكن أن تردع إيران عسكرياً وسياسياً من خلال انتزاع الورقة الفلسطينية من طهران. ويمكنها أن تعزز إقامة دولة فلسطينية بشروط تتفق مع الأمن الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه، تهيّئ الظروف لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية بشروط يمكن للفلسطينيين تبنّيها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News