فن

صمود “55” بالقاعات السينمائية يُعيد نقاش ضعف الإنتاجات التاريخية المغربية

صمود “55” بالقاعات السينمائية يُعيد نقاش ضعف الإنتاجات التاريخية المغربية

ينافس فيلم “55 خمسة وخمسين”، الذي ينتمي إلى خانة الأفلام التاريخية، ضمن قائمة الأفلام المعروضة بالقاعات السينمائية المغربية، ناقلا مرحلة مهمة من تاريخ المغرب، خلال سنوات الخمسينات، وبالضبط الفترة التي تم فيها نفي الملك الراحل محمد الخامس إلى مدغشقر، مترجما الظروف القاسية التي عاشها المغاربة آنذاك.

ويصمد فيلم “55 خمسة خمسين” بالقاعات السينمائية، ويخوض غمار المنافسة بشباك التذاكر وسط باقة من الأفلام الكوميدية، التي تجذب عادة اهتمام الجمهور إليها، بخلاف الدراما.

وبخصوص أهمية حضور الأفلام التاريخية في القاعات السينمائية، قال الناقد السينمائي عبد الكريم واكريم، إنه من الضروري أن تُخصَّصَ ميزانيات مهمة لإنتاج مسلسلات وأفلام تاريخية، “لأنك إن لم تستطع أن تُنتج صورتك فسيفعل ذلك الآخرون عوضا عنك وبشكل مشوه وسيء في أغلب الأحيان، وهنا لا أعني فقط الأجانب كهوليود والغرب فقط، بل حتى بعض الجهات الأخرى كما حدث مع مسلسل ‘فتح الأندلس’ الذي قَدَّم صورة مشوهة عن تاريخ الغزو الإسلامي لمنطقة شمال إفريقا من طرف المسلمين وصورة مغلوطة عن شخصية طارق ابن زياد، إضافة لكونه كان فنيا دون المتوسط ومتجاوزا من أعمال درامية تاريخية صنعت قبله بفترة طويلة”، مشيرا إلى أنه كان واحدا ممن نادوا بضرورة تخصيص هذه الميزانيات لإنتاج مسلسلات وأفلام تاريخية.

ويضيف الناقد السينمائي في تصريح لجريدة “مدار21” أنه “إذا كانت هنالك الآن نية لإنتاج أو الشروع في إنتاج مسلسلات تاريخية فلا يمكن لنا إلا أن نثمنها مع الإشارة إلى ضرورة توفرها على مستوى جيد في الكتابة والإخراج، وأن تُرصد لها ميزانيات محترمة، لأنه لا يمكن لعمل تاريخي أن يخرج بصورة جيدة بدون ذلك، وأن يُؤَطِّرها تصور ورؤية حتى لا تكون مجرد إعادة إنتاج لوقائع جرت في فترة زمنية ماضية فقط بل إحالة على ما يجري في الحاضر أيضا، ولنا في سلسلة الأعمال الدرامية التاريخة السورية التي شاهدناها خلال فترات مضت خير مثال على ذلك”.

وأكد أنه “عوض أن تلجأ القناتان التلفزيتان المغربيتان الأولى والثانية لشراء حقوق بث مسلسل تاريخي كما درجت على ذلك سابقا، عليها أن تساهم في إنتاج أو تنتج أعملا مثل هاته تتوفر فيها الشروط الفنية والتقنية من جهة وشروط تسويق صورة البلد وإشعاعها كما درجت على ذلك قنوات دول مثل تركيا ومصر على الخصوص وسوريا سابقا قبل الحرب”.

بدوره، الناقد السينمائي مصطفى العلواني يقول في حديث للجريدة إن “تاريخ السينما يؤكد أهمية الأعمال التاريخية في الفن والصناعة السينمائية، فأهم الميزانيات التي ترصد للإنتاج السينمائي تستفيد منها الأعمال السينمائية التاريخية”، مشيرا إلى أن “ذلك ليس وليد اليوم بل منذ فجر السينما وهذا الأمر مشهود”.

ويضيف العلواني: “يكفي أن نعود إلى بدايات السينما في زمنها الصامت لنجد أن أمريكا كانت الأبرز، ففي سنة 1915 جندت كل مقدراتها لصناعة فيلم ‘مولد أمة’، وقد ظل هذا الفيلم يتصدر الإيرادات إلى سنة 1939 وهي سنة خروج فيلم ذهب مع الريح”.

وفي سياق متصل، يوضح المتحدث ذاته أن “الأمر نفسه نلاحظه في روسيا، القوة العظمى العالمية الثانية، ويكفي أن نتذكر ‘الأم’ و’المدرعة بوتمكين’.. لندرك بالملموس حقيقة أهمية الأعمال التاريخية في السينما”.

وأشار العلواني إلى أن “الأمر ما يزال مستمرا إلى يومنا هذا، فيكفي أن نلاحظ أن أهم الأفلام التي استأثرت باهتمام النقاد والصحافيين في الآونة الأخيرة هما فيلما ‘أوبنهايمر’ وفيلم نابوليون”، مبرزا أن “هذا الأمر لا يقتصر على الدول العظمى بل حتى الدول الصغرى أو المستضعفة أو التي هي في طريق النمو حتى ولو لم تكن منتجة لأعمال سينمائية كثيرة، فإنها تعمل كل ما في وسعها لإنتاج أفلام قليلة تاريخية لفرض نفسها في التقسيم العالمي للهيمنة السمعية البصرية، أي هيمنة الصورة”.

واستشهد العلواني في هذا الإطار بالسينما الفلسطينية والليبية، واللتين إن كانت شبه منعدمة فإنهما على الأقل صنعت فيلم “عمر المختار”، منتقدا التجربة المغربية قائلا: “مع الأسف السينما المغربية، عدا بعض المحاولات المحتشمة، لم تفرد العناية اللازمة للفيلم التاريخي ولم تعره الاهتمام الكافي والمطلوب”.

ويحكي فيلم “55 خمس وخمسون” للمخرج عبد الحي العراقي، عن مرحلة مهمة من تاريخ المغرب، من خلال تسليط الضوء على مستويات عدة؛ من بينها الوضع الاجتماعي الذي يتجلى في العادات والتقاليد، واللباس والعلاقات الاجتماعية بالإضافة إلى التلاحم الأسري، وعلاقة الزوج بالزوجة، وكذا إلى الوضع الاقتصادي.

ويحتفي هذا العمل بسنوات الخمسينات، وبالضبط الفترة التي تم فيها نفي الملك الراحل محمد الخامس إلى مدغشقر، حيث تنقل مجيدة بنكيران في قلبه وضع المرأة في تلك الفترة، من خلال شخصية “لالة فاطمة”، زوجة “مولاي جعفر”، وهي أسرة تنتمي إلى أعيان المدينة، وتترجم الحس الوطني للأسر المغربية، وعلاقتها بالمغرب وملكه وقوة التلاحم بينهما.

ويترجم هذا الفيلم الظروف القاسية التي عاشها المغاربة في فترة نفي الملك الراحل محمد الخامس ورجوعه، وفي الوقت نفسه يركز على أحاسيس المواطنين وتطلعاتهم في التحرر من المستعمر، تأكيدا على إيمان المغاربة بعلاقتهم بملك البلاد، وتشبثهم باستقلالهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News