سياسة

المعارضة البرلمانية ترسم صورة قاتمة لحصيلة أداء الحكومة بـ2023

المعارضة البرلمانية ترسم صورة قاتمة لحصيلة أداء الحكومة بـ2023

رسمت المعارضة البرلمانية صورة قاتمة عن حصيلة الحكومة خلال السنة المنصرمة، في سياق مواجهة المملكة لصعوبات متعددة، من بينها تداعيات زلزال الحوز المدمر، والتقلبات الدولية، والجفاف الذي صار بنيويا، معتبرة أن أي حكومة من واجبها أن تتصدى للصعوبات، دون الاختباء وراءها، لأن الصعوبات يجب أن تكون مُحَفِّزا لإجراء الإصلاحات التي تحتاجُ إليها البلاد.

وترى المعارضة أن هذه الحكومة يتوفر لها ما لم يتوفر لغيرها من ظروف، وأساسا التوفر على أغلبية مريحة وطنيا وترابيا، والتوفر على خارطة طريق للإصلاحات الهيكلية التي هي وثيقة النموذج التنموي، وعلى مداخيل استثنائية مهمة وانتعاش عدد من القطاعات خلال السنة المنصرمة خاصة المداخيل الضريبية، وانتعاش القطاع السياحي وعائدات مغاربة العالم.

مبادرات محتشمة

وقال رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، إن أول الملاحظات المسجلة حول أداء الحكومة هي أنها لم تُرجِع لحد الآن إلى البرلمان مشاريع القوانين التي سحبتها في بداية ولايتها، كمشروع القانون المتعلق بالمناجم، ومشروع قانون احتلال الملك العمومي، ومشروع القانون الجنائي، فضلا عن إقبارها للمجلس الوطني للصحافة.

وأكد رئيس فريق “الكتاب” أن الحكومة لا تُعيرُ اهتماما كبيرا لتوصيات باقي المؤسسات والهيئات، كمجلس المنافسة والمندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الأعلى للحسابات، حيث تظل تقارير هذه المؤسسات وملاحظاتها في الرفوف من غير تنفيذٍ في معظم الأحيان.

وشدد حموني، ضمن حديثه لـ”مدار21″، على أنه باستثناء ورش إصلاح مدونة الأسرة الذي أطلقه الملك محمد السادس، فإن الحكومة لم تتخذ أي مبادرة سياسية من أجل تقوية فضاء الديمقراطية والحريات والمساواة، لاستعادة الثقة ومصالحة المغاربة مع الشأن العام.

وسجل حموني بعض الإيجابيات المعدودة على رؤوس الأصابع، كإنجاز الشطر الأول من تحويل المياه؛ وإخراج النصوص المؤطرة للتغطية الصحية ولإصلاح منظومة الصحة؛ وحذف الضريبة على القيمة المضافة على الأدوية ومستلزمات الدراسة، وإقرار الدعم الاجتماعي المباشر، ودعم السكن.

إضعاف القدرة الشرائية

وقال رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، ادريس السنتيسي، إن “الحكومة التي ترفع شعار الدولة الاجتماعية لا تجد أدنى حرج للزيادة في الضريبة على القيمة المضافة لاستهلاك الكهرباء وتغذية الرضع وصغار الأطفال والأجهزة الكهربائية للاستعمال المنزلي والهواتف الذكية وغيرها”.

وسجل السنتيسي أن العنوان الأساسي لما تقترحه الحكومة هو “الزيادة” في الضرائب ورسوم الاستيراد، في الضريبة الداخلية على الاستهلاك، في الضريبة على القيمة المضافة، في المديونية، في نفقات التسيير، في عجز الميزانية، لافتا إلى أنه من شأن ذلك أن يضعف القدرة الشرائية للمواطن، ويخنق الطبقة المتوسطة، ويجهز على ما تبقى من مطبخ المغاربة.

ويرى البرلماني الحركي أن الحكومة “لم تقدم خلال قانون مالية 2024 شيئا لا للمقاولات ولا الجماعات ولا الجهات، لأنه مشروع غير اجتماعي ولا يعكس ركائز الدولة الاجتماعية”، مردفا أنه “يزيد في إغناء الغني ويفقر الفقير، ولا يتضمن إجراءات لتوفير فرص الشغل، ويزيد في الضغط على القدرة الشرائية، ويزيد في تكريس التفاوتات المجالية والاجتماعية”.

وسجل رئيس فريق “السنبلة” أن تدابير الحكومة يغلب عليها الطابع التقني المحاسباتي، وهاجس التوازنات الاقتصادية أكثر من التوازنات الاجتماعية والتوازنات الإنسانية، مضيفا أن سياستها لا تلبي طموح المغاربة، ولم تترجم السياسات العامة إلى سياسات عمومية حقيقية.

إعلان النوايا

وتابع السنتيسي قائلا: “صوتنا ضد هذا القانون لأننا كنا ننتظر برنامج الأمل ومسار الثقة الذي تحول إلى انعدام الثقة في المسار، ولأنه عاجز عن خلق الثروة وسقف تنموي بدون طموح، اللهم إعلان النوايا”، معتبرا أن “سياسة الحكومة العمومية عاجزة عن تحصيل السلم الاجتماعي”.

وقال إن الحكومة تفتقد إلى الرؤية السياسية التي تضع هذه الإجراءات ضمن تصورٍ تنموي شامل ومتكامل وواضح، وأوضح أنه “حتى الإجراءات الاجتماعية، التي ندعمها لأنها تنسجم مع هويتنا ومرجعيتنا، تشوبها عدد من النقائص في التفعيل، والتي ننبه الحكومة إليها، من قبيل ضمان التوازنات المالية واستدامة تمويل الأوراش الاجتماعية”.

وشدد حموني على ضرورة تفادي الشروط والمعايير والعتبة الإقصائية في إسناد الدعم الاجتماعي المباشر، حتى لا نكون أمام خلق انتظارات كبيرة “دون أثر واقعي” بنفس الحجم والمستوى، منهبا إلى ضرورة حماية الفئات الدنيا للطبقة المتوسطة، وإلى أن التغطية الصحية “ليست هي فقط تسجيل الناس في حواسيب”، بقدر ما يتطلب الأمر إصلاح المستشفى العمومي، ومراقبة ومواكبة حقيقية للمستشفى الخصوصي.

ودعا رئيس الفريق التقدمي بالبرلمان إلى خفض أسعار العلاج والأدوية، وضمان استفادة الجميع من عرضٍ صحي وخدمات صحية على قدم المساواة اجتماعيا ومجاليا، داعيا في المقابل الحكومة إلى مواكبة إجراء الدعم الاجتماعي لاقتناء السكن بتدابير لمراقبة وزجر المضاربات.

تبخر وعود الحكومة

ونبهت المعارضة إلى أن الحكومة وعدت بتقليص الفوارق المجالية إلى أقل من 39 بالمئة حسب مؤشر جيني، لكن الأرقام تبرهن على أن ثلاث الجهات ما تزال تساهم بنحو 60 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، مسجلة أن تفعيل الميثاق الجديد للاستثمار  على أرض الواقع “لا يزالُ محتشماً”، لا سيما على مستوى دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تُفلسُ بالآلاف، وأيضا على مستوى التوزيع الترابي للاستثمار الخصوصي الذي ما زالت الأقاليم النائية لا تستفيد منه بالشكل المطلوب.

وأوضح حموني أن الحكومة التي وعدت بإحداث مليون منصب شغل لم تنجح في ذلك، بل على العكس وصلنا إلى نسبة قياسية للبطالة تناهز 13.5 بالمئة، وفي أوساط الشباب إلى 38.2 بالمئة، ليبلغ عدد العاطلين مليون و625 ألف شخصا، مع ارتفاع معدل الشغل الناقص، وفقدان 297 ألف منصب شغل، مشيرا إلى أن برامج التشغيل المعتمدة من طرف الحكومة، كأوراش وفرصة، أبانت عن محدودية أثرها مع سوءٍ في الأجرأة والتنزيل.

وأكد حموني أنه رغم التزام الحكومة بتحقيق معدل نمو سنوي 4 بالمئة، فقد انتهت سنة 2022 بتسجيل نمو 1.3 بالمئة، بينما انتهت سنة 2023 بواقع 3.2 بالمئة كنسبة نمو، معتبرا أن هذه النسب المسجلة “غير قادرة على أن تشكل انطلاقة اقتصادية جديدة، ولا أن تستوعب نحو 300 ألف ملتحق سنويا بسوق الشغل”.

وأشار السنتيسي إلى أن الحكومة وعدت بإخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة، في حين أن آخر الأرقام الرسمية تؤكد أن مستوى عيش جميع الفئات الاجتماعية عرف تراجعاً بنسب متباينة، وأن حوالي 3.2 ملايين شخص مغربي تدهورت أوضاعهم المعيشية، ومؤشر ثقة الأسر المغربية خلال سنة 2023 واصَل منحاه التنازلي مُسجِّلًا أدنى مستوى له منذ بداية سنة 2008، واندحرت ملايين الأسر من الطبقة المتوسطة إلى وضعية الفقر أو الهشاشة.

ولفت إلى أن الحكومة التزمت بمأسسة الحوار الاجتماعي، لكن يتتبع الرأي العام الوطني كيف أن الحكومة تنكَّرت لأهم اتفاق مع النقابات، وهو الاتفاق على الزيادة العامة في الأجور، مسجلا أن الحكومة لا تتحاور اجتماعيا إلا تحت ضغط الاحتقان القطاعي، وليس انطلاقاً من رؤية شمولية واستباقية لحفظ السلم الاجتماعي.

سوء التقدير السياسي

ويرى السنتيسي أن تدبير الحكومة للتوتر في الحقل التعليمي “يتسم بكثير من الارتباك وسوء التقدير السياسي”، لافتا إلى أنها التزمت بتعبئة المنظومة التعليمية بكل مكوناتها لكن الواقع يُبين أننا لم نتقدم كثيراً لا في معالجة الهدر المدرسي الذي لا يزال يسجل سنويا مئات الآلاف من المغادرين لحجرات الدراسة، ولا في إصلاح المناهج والبرامج التي لا تزال هي دون تغيير.

وسجل السنتيسي أن الظرفية فعلا صعبة، لكن الحكومة التي تدعي الكفاءة والقوة وتمتلك الأغلبية المريحة، والمستفيدة من إيجابيات تمويلية عديدة، والتي تستفيد من الاستقرار والسلم الاجتماعي، والتي تتوفر على مرجعيات الإصلاح، كان لا بد لها من القيام بأفضل مما كان في كل المجالات.

وخلص السنتيسي إلى أن الحكومة “صامتة، مترددة، ومن دون حسٍّ سياسي قوي، ولا تمتلك رؤية شاملة، وقراراتها تجزيئية، وتتنكر لأغلب التزاماتها وتعاقداتها مع المواطنين”، معتبرا أنه “حتى إذا كان تبريرها لعدم دعمها للقدرة الشرائية بقرارات قوية مبررا بالتقلبات الدولية، فإنه كان الأجدر بها تغيير أولوياتها وتعهداتها ببرنامج حكومي جديد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News