تداعيات الحرب الفلسطينية الإسرائيلية على منطقة الشرق الأوسط
بعد التراجع الملحوظ للقضية الفلسطينية على الصعيد الإقليمي والدولي، تأتي عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر التي قادتها حركة المقاومة حماس، لتحيي القضية الفلسطينية من جديد لدى أذهان نخب وحكام وشعوب الأمة العربية والإسلامية. حيث أن العملية أثبتت أن نظرية الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر الذي صورت لها العديد من أبواق الإعلام الغربية والعربية، لم تكن إلا “بروباغاندا إعلامية واهية”، ليظهر للعالم بذلك ضعف القدرات العسكرية والأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية.
سيما وأن العملية جاءت في وقت يشهد فيه الكيان الصهيوني نوعا من الإرتباك في المشهد السياسي الداخلي، بعد سلسلة من تهم الفساد التي تلاحق رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو”، الذي يأبى إلى إضعاف صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية التي لها صلاحيات أوسع في متابعة مخترقي القوانين الداخلية الإسرائيلية أيا كانت رتبتهم.
تأتي عملية طوفان الأقصى في ظل العديد من المعطيات التي تؤكد زوال الكيان الصهيوني خلال السنين القليلة القادمة، وذلك بشهادة أوساط داخل الكيان الصهيوني (عقدة العقد الثامن)، حيث أن المشهد الإسرائيلي يبرهن ذلك، بيد أن جماعات دينية (الحريديم وغيرها) تؤكد أن دولة إسرائيل زائلة لا محال لأنها أسست فوق المشيئة والإرادة الإلهية. بالإضافة أن هذه الجماعات الدينية لا تنخرط في المجتمع الإسرائيلي (اجتماعيا، ثقافيا، سياسيا، عسكريا)، الأمر الذي يزيد من تأجيج الأوضاع الداخلية في إسرائيل بين اليمين المتطرف الذي يرفض الحوار مع الجانب الفلسطيني واليسار المتعطش للعودة للمشهد السياسي بغية فتح باب الحوار من جديد مع الجانب الفلسطيني (اليسار الإسرائيلي يقبل فكرة حل الدولتين، عكس اليمين المتطرف الذي يوسع المستوطنات…)
إن القضية الفلسطينية بعد هذه الأحداث (7 أكتوبر) أظهرت معطيات جديدة في الميدان أهمها:
الموقف الإيراني من عملية طوفان الأقصى
على الرغم من الدعم الملحوظ الذي تقدمه الحكومة الإيرانية لحركة حماس علنا، إلا أن (الحكومة الإيرانية) ترى في عملية طوفان الأقصى نوعا من التسرع، وذلك في ظل الضغط الغربي عليها من أجل العودة للمفاوضات بخصوص الملف النووي، وذلك بعد التطور الملحوظ الذي عرفه الملف عقب انسحاب أمريكا منه سنة 2015، بالإضافة إلى علاقات إيران ودعمها لمحور المقاومة ضد التواجد الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة، سواء في اليمن أو سوريا، لبنان، العراق… فحركة حماس بهذه العملية إذن تعطي للولايات المتحدة الأمريكية وأروبا وإسرائيل صورة واضحة أن هناك تواطئ وتنسيق بين حركة المقاومة الفلسطينية وإيران. الأمر الذي يزيد من حدة العداء الغربي للمصالح الإيرانية في المنطقة سواء أكانت اقتصادية، ديبلوماسية أو جيوسياسية…
الموقف الأمريكي من الحرب الفلسطينية الإسرائيلية
أتبتت عملية طوفان الأقصى تناقض واسع بين السياسة الإسرائيلية والأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، حيث أن أمريكا لا تأبى في تكرار المأساة التي عاشتها في أفغانستان والعراق بعد الإنسحاب المهين لها بدون تحقيق أي أهداف واضحة المعالم. ففي الوقت الذي تخوض فيه الولايات المتحدة الأمريكية حربا وجودية مع روسيا والصين، تجرها إسرائيل إلى حربا لا تريدها أبدا، بحيث أن التركيز الأمريكي قبل العملية كان منصبا على منطقة بحر الصين الجنوبي والشمالي من أجل تضييق الخناق على المصالح الإستراتيجية للصين في المنطقة، وتقديم الدعم (وإن كان نسبيا) لأوكرانيا من أجل وقف الزحف الروسي على الأراضي التابعة لحلف الشمال الأطلسي.
يمكن القول، أن العملية وإن خلفت من ورائها خسائر فادحة في الجانب الفلسطيني من قتل للمدنيين العزل غالبيتهم أطفال ونساء وشيوخ، إلا أنها أعطت صورة واضحة للعديد من الدول العربية أن مسألة تحرير الأراضي الفلسطينية ممكنا، شريطة وجود إرادة صريحة وحقيقية من قبل رؤساء البلدان العربية والإسلامية. وأن مسألة تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء المصرية والضفة الغربية إلى الأردن هي مجرد سياسة خبيثة لن تربح من ورائها إسرائيل أي مكسب سياسي في ظل الرفض المصري والأردني.
باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس الرباط