المفكر المغربي طه عبد الرحمن: طوفان الأقصى انبعاث جديد للأمة

يرى المفكر المغربي طه عبد الرحمن أن طوفان الأقصى استئناف جديد للحضارة وانبعاث جديد للأمة وميلاد جديد للإنسان، من خلال قيم جديدة يكتشف فيها المرء ذاته فيغوص إلى أعماقها، ليتصل ظاهره بباطنه، وعاجله بآجله، ومفاهيم جديدة يتلمس فيها حريته في ظل شيوع قيم التعبيد للإرادة الإسرائيلية، وشروط جديدة يستعيد فيها فطرته في واقع شاعت فيه قيم الضلال.
ويضيف في حوار مع “مركز الحضارة للدراسات والبحوث”: “تكتب المقاومة الفلسطينية اليوم تاريخ الأمة، وتقود الإنسانية نحو النور بما ينفتح بصنيعها من عقول، وما يقع وسيقع جراء فعلها المبهر من مراجعات ذاتية: فردية وجماعية، وهي بحقٍ استئنافٌ راشدٌ للعطاء المتواصل، وتوريثٌ إبداعيٌّ للطاقة المتجددة في مسارات التاريخ الإسلامي والإنساني”.
وأشار إلى أنها وإن كانت قليلة العدد- إلا أنها عظيمة الأمانة، وشريفة الإرادة، لأنها تعيد تأسيس القيم على الصفات الإلهية، وتعيد تأسيس الإسلام على الصبغة المقدسية، وتعيد تأسيس الروح على القرب الإلهي، وإن بقاء الأمة اليوم وفي الغد مرهون ببقاء المقاومة، وهزيمتها لا قدر الله إيذان بفناء الأمة.
وشبه المفكر عبد الرحمن طوفان الأقصى بمعركة الأحزاب التي خاضها النبي وصحابته وواجهوا فيها جيوش المشركين واليهود الذين أحاطوا بالمدينة من الخارج، والمنافقين ومرضى القلوب الذين بثوا فيها الأراجيف من الداخل، حتى بلغت القلوبُ الحناجرَ.
وتابع: “لقد رأيت هذه المعركة من خلال ما قام به هؤلاء المجاهدون من حسن الاستعداد والتخطيط، وابتكار وسائل الهجوم والدفاع على الرغم من قلة الإمكانيات وعظيم التحديات”.
كما سجل أن المقاومة هي الفعل الذي يسهم في بناء الحضارة الإسلامية وتشييد الحضارات الإنسانية.
ويردف في هذا السياق أن الطريقة التي يمكن لأمتنا اليوم أن تسهم بها في البناء الحضاري والتجديد الإنساني هي “الجهاد”، وليس أي سبيل آخر، وحتى يرى هذا الإسهام النور لا بد أن تتحمل مسؤوليته فئة من الأمة.
وبحسب الفيلسوف، فإن المقاوم الفلسطيني اليقظ قد انتهض لحمل هذه الأمانة ببراعة، وتحمل هذه المسؤولية بإحسان، فحملها خير حمل، وقام بها خير قيام، بل إنه واحد لا ثاني له في هذا الزمان.
وأشار المقاومة ليست فعلاً جزئياً، بل هي فعل كلي، ويضيف “نظرت إلى المقاومة من ناحية كيانية، وأعني أنه لا معنى للوجود بدون مقاومة، ولا مغزى من الحياة بلا جهاد؛ لأن الوجود والحياة إنما يكتسب من فعل المقاومة نفسه”.
والفعل المقاوم يستفزّ ويستجمع كل القدرات الإنسانية: السمع والبصر والعقل، وجميع حواس الإنسان، فلا يتفرد عضوٌ محدَّدٌ ولا إدراكٌ معينٌ بالمقاومة. والجهاد ليس عملاً تقف أو تستبد به مَلكة من الملكات، بل هو استعداد يتوسل بجميع الملكات، وبها يتشكل الإنسان على الحقيقة.
والمقاومة والجهاد، حسبه، بهذا المعنى هي إكسير الحياة الذي وهبه الله للمقاومين، وبدونه لا يكون ثم إلا الموت والفناء، مستشهدا بقوله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال: 24]، مضيفا أن الخصيصة التي يمتاز فيه المقاومون الذين فارقوا مسوغات العجز ودواعي القعود وبواعث السلبية عن سائر المخلوقين من غيرهم ممن رضوا بالخيانة واعتادوا الخذلان، فكانوا أشبه بالأموات منهم بالأحياء.
ويعقتد أن أعظم مظهر للعقل العربي والإسلامي في العصر الحديث هو ما تجسد في طوفان الأقصى، “حيث تجلت لهذا المقاوم إمكانيات العقل الإسلامي فاكتشف سعته وقوته، وتجلت أمامه إمكانيات العقل الصهيوني فاكتشف محدوديته وهشاشته، فتحمل المسؤولية العملية تجاه هذه الحقائق، فتحققت معه هذه المنجزات الفارقة، وهذا هو معنى الاصطفاء من الله تعالى”.
يشار أن عبد الرحمن (79 عاما)، فيلسوف مغربي متخصص في المنطق وفلسفة الأخلاق، وألف كتبا عديدة تنوعت موضوعاتها بين المنطق والفلسفة وتجديد العقل ونقد الحداثة، وحصل على عدد من الجوائز، بينها “نجيب فاضل” للثقافة، نسخة 2020 ـ 2021 من تركيا.
ومنذ 38 يوما يشن الجيش الإسرائيلي حربا جوية وبرية وبحرية على غزة “دمر خلالها أحياء على رؤوس ساكنيها”، وقتل أكثر من 11180 فلسطينيا بينهم 4609 أطفال و3100 سيدة و678 مسنا وأصاب أكثر من 27490 بجراح مختلفة، بحسب مصادر رسمية، حتى صباح الاثنين.