سياسة

“انهيار التطبيع شعبيا” يسائل مستقبله الرسمي وتأثيره على قدرة المغرب التفاوضية حول فلسطين

“انهيار التطبيع شعبيا” يسائل مستقبله الرسمي وتأثيره على قدرة المغرب التفاوضية حول فلسطين

كشفت المسيرات والوقفات التضامنية المتواصلة من طرف المغاربة بمختلف المدن مع القضية الفلسطينية ضد الحرب التي تشنها إسرائيل علة قطاع غزة، عن تجدر هذه القضية بالوجدان الشعبي، إلى حد جعل البعض يذهب إلى “انهيار” مشروع التطبيع شعبيا، ما يسائل مستقبله على المستوى الرسمي والمؤسساتي.

ويرى خالد البكاري، الأكاديمي والناشط الحقوقي، أن المغرب تأخر في سحب القائم على أعمال مكتب اتصاله بتل أبيب، لافتا إلى تأثير التطبيع على قدرة المغرب على قيادة المفاوضات بين أطراف الصراع بالشرق الأوسط، عكس المكانة الدبلوماسية التي كان يحظى بها في السابق.

وذهب البكاري، في حديثه لجريدة “مدار21″، إلى أن مستقبل التطبيع بالمغرب مرتهن بشكل كبير بما ستسفر عنه هذه الحرب، داعيا الدولة المغربية إلى تكثيف تحركاتها واستثمار علاقاتها لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة والضغط لأجل إيقاف الحرب عليها.

رفض شعبي وإساءة للمغرب

وقال خالد البكاري إن “التطبيع كان مرفوضا منذ البداية فقط التعبير عن الرفض لم يكن ممكنا، بسبب وجود ماكينة إعلامية تشتغل بشكل ممنهج لربط قضية الصحراء المغربية، التي هي قضية كل المغاربة، وبين ضرورة التطبيع من أجل حسم هذا الملف، وتم تصوير رافضي التطبيع بأنهم ضد مصالح المغرب ووحدته الترابية ويخدمون أجندات أجنبية”.

وأفاد الناشط الحقوقي أن “التطبيع كان يحمل إساءة للدولة المغربية، باعتبار أن المغرب غير قادر على حسم ملف وحدته الترابية إلا باللجوء إلى دولة مصنفة في الأدبيات الحقوقية الدولية أنها دولة أبارتايد وخارجة عن القانون”، متسائلا: “كيف نحسم ملفا قانونيا عادلا موجودا أمام المتحدة، وحققنا فيه مجموعة من الانتصارات، باللجوء إلى دولة لا تطبق الالتزامات الدولية وقرارات الأمم المتحدة”.

وأشار إلى أن “هذا الجو من التخويف جعل كثيرا من الناس يصمتون، حتى ظن البعض أن مخطط التطبيع يمكن تنزيله شعبيا، إلى أن جاءت الأحداث الأخيرة لتظهر رفض المغاربة للتطبيع والتعامل مع دولة مجرمة حرب، وأن التامغرابيت الحقيقية لا يمكن أن تقبل التطبيع مع كيان يقتل من يشتركون مع المغاربة في الدين واللغة والتاريخ والثقافة”.

واستحضر البكاري أن من بين التقاليد التي دأب عليها المغاربة، أنهم عند حجهم إلى بيت الله الحرام في مكة كانوا يستبقونه بالحج إلى بيت المقدس، حين كان الذهاب إليه لا يحمل المخاطر الموجودة اليوم.

وشدد البكاري على أن الأحداث الأخيرة بينت فقط “ما هو موجود في الصدور”، مضيفا أنه “حتى بعض المغرر بهم، ممن تم إقناعهم من طرف البروباغندا بأن هذا الكيان المجرم يمكن أن يقدم شيئا إلى مصالح المغرب، جاءت الأحداث الأخيرة لتسقط الغشاوة عن أعينهم”.

وفي السياق نفسه، أورد البكاري أن المغاربة اكتشفوا عدم إمكانية المراهنة على كيان ينقض وعوده ولا ينظر إلا إلى مصالحه، ومن مصلحته تفتيت الدول والشعوب.

مستقبل التطبيع بالمغرب

وفيما يخص التطبيع الرسمي بين المؤسسات، أكد البكاري أن وتيرة التطبيع تسارعت منذ التوقيع على الاتفاق الثلاثي، ما تجلى في عقد اتفاقات من طرف قطاعات وزارية ورجال الأعمال، لكن هذه الوتيرة تراجعت، حتى ما قبل 7 أكتوبر، خاصة بالنسبة لمؤسسات الدولة في مقابل بقاء وتيرة التطبيع على مستوى رجال الأعمال وبعض المؤسسات التمثيلية”.

هذه المبادرات، يشرح البكاري، كانت “فردية وبها الهاجس الانتهازي المصلحي أكثر مما أنها مدفوعة من طرف الدولة”، مضيفا أنه على المستوى الرسمي كان هناك تخفيف من حدة التطبيع، مما أدى إلى اتصال نتنياهو بالملك لطرح ورقة الاعتراف بمغربية الصحراء، وهو ما لم يتم بسبب عدم المصادقة بالكنيست وعدم توصل الأمم المتحدة بأي وثيقة في هذا الصدد”.

وبخصوص مستقبل التطبيع بين الرباط وتل أبيب، لفت البكاري إلى أن “المغرب تأخر كثيرا في استدعاء القائم بأعمال مكتب الاتصال المغربي في إسرائيل، على الأقل، رغم أن المطلوب هو تجميد التطبيع وإيقافه”.

واستحضر المتحدث صعوبة القرار دبلوماسيا وسياسيا، بحكم أن التطبيع تم في إطار اتفاق ثلاثي، مضيفا أن استدعاء القائم بأعمال مكتب الاتصال المغربي بتل أبيب مطلوب كخطوة احتجاجية، وهذا ما لم يقم به المغرب إلى حد الآن، خاصة وأن الاعتداءات تهم أيضا الضفة الغربية والقدس، التي يرأس المغرب لجنتها.

واعتبر أن المغرب اليوم يوجد في وضع “مُحرج” يتطلب منه اتخاذ موقف ينسجم مع المرحلة، مضيفا بخصوص المستقبل أن “عودة التطبيع بقوة أو تجميده مرتهن بنتائج الحرب”.

وتابع أنه داخل الدولة المغربية “يوجد تيار ما يزال لديه نفوذ، لن نتهمه بخدمة مصلحة إسرائيل أو الإمارات، ولكن يتماهى كثيرا مع التوجه الإسرائيلي والإماراتي فيما يخص الصراع بالشرق الأوسط”، مضيفا أن مستقبل هذا التوجه رهين بنهاية هذه الحرب.

موقع المغرب التفاوضي

وحول التحركات الدبلوماسية التي قام بها المغرب منذ اندلاع الحرب، أورد البكاري أن خطوات الرباط تبقى “خجولة ودون المستوى المطلوب”، مشيرا إلى أن تقديم المساعدات تم حتى من طرف دول فقيرة.

وتساءل الأكاديمي حول جدوى العلاقات مع إسرائيل إن كانت هذه العلاقات لا تستطيع إدخال حتى لتر من الوقود إلى المحاصرين في غزة، مستفهما حول ما إن كان المغرب قد تحرك بالفعل بهذا الاتجاه وقوبل برفض إسرائيلي أم أنه لم يقم أصلا بهذه الخطوة، مضيفا أن المساعدات متكدسة بمعبر رفح، والأساس هو إدخالها للقطاع.

وتابع أن دعوة المغرب لاجتماع وزراء الخارجية العرب أمر طبيعي لأنه يرأس الدورة بجامعة الدول العربية، واللقاء في نهاية المطاف لم يتمخض عنه شيء، مفيدا أن تصويت المغرب لصالح قرار الهدنة ووقف إطلاق النار بالجمعية العامة للأمم المتحدة، بمبادرة عربية، هو قرار لا يسمن ولا يغني لأنه قرار غير ملزم.

وخلص إلى أن تحركات المغرب عموما “لم تقدم شيئا ذا قيمة تذكر”، مشيرا إلى أن المملكة غائبة أيضا عن الموائد والاجتماعات التي تقودها أمريكا لتدبير المرحلة، ذلك أنها تجتمع مع تركيا وقطر والسعودية ومصر والأردن، في حين أن المغرب مقصي من هذه الاجتماعات رغم حضوره بها تاريخيا.

وتابع أن كل التسويات والمفاوضات سابقا وعمليات البحث عن هدنة كانت تنطلق من المغرب، ذلك أن له حضور دبلوماسي قوي في هذه القضية، لكن اليوم يتم استبعاده تماما، إلى جانب باقي الدول التي انخرطت في مسار التطبيع، بسبب فقدان الثقة من المقاومة وعدم القدرة على تقديم شيء لإسرائيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News