رأي

كن عظيما وساعد دون مقابل

كن عظيما وساعد دون مقابل

في ظل الاحداث والكوارث الطبيعية التي تشهدها بعض الدول في هذه الأيام، ونذكر منها على سبيل المثال الزلزال الأليم الذي شهده إقليم الحوز بالمغرب، وكذلك فيضانات درنة بليبيا. كلها أحداث وكوارث زادت وبشكل واضح الاهتمام لدى فضول كل الناس عبر العالم التطرق لموضوع التلاحم والتكافل، ولم لا ايجاد السبل الكفيلة لتقديم المساعدة دون مقابل أو من، خاصة في المجتمعات التي تعرف بين مكوناتها تشابها في العادات والتقاليد واللغة والقيم، والتنوع الثقافي والفكري. وهذا ما جعل موضوع التكافل كذلك وبشكل لافت للانتباه حديث الساعة بين فئة صناع القرار والمفكرين والمنظرين وحتى المؤسسات المجتمعية الرسمية وغير الرسمية بجميع مكوناتها وفئاتها العمرية، سواء عبر الوسائل والمنابر الإعلامية أو الاجتماعية الخاصة.

ومما يثلج الصدر حقيقة هو المعدن الاصيل الذي أبان عنه الشعب والمجتمع المغربي بجميع مكوناته العمرية سواء داخل أو خارج المغرب في الشدائد، من تضامن وتآزر وكـرامة وأنفـة، وشعور بالانتماء لهذا الوطن للمساهمة في تحقيق أهدافه، واستجابته السريعة والفعالة عند المواقف الصعبة والأليمة، كأزمة فيروس كورونا مثلا أو من خلال المساس بوحدته الترابية أو مقدساتها، أو لتعرضه لهزة أرضية كالتي تعرض لها اقليم الحوز أو غيرها من الأزمات والمواقف الوطنية البارزة، كمساندته لفريقه الوطني أثناء كأس العالم الأخير بقطر، إضافة للثقة والاحترام المتبادل وقوة التلاحم والتكافل والتضامن، التي أبان عليها خلف ملكهم وقائدهم الفذ الممثل الأسمى للدولة المغربية الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وذلك من خلال تضامنهم ومساعدتهم لإخوانهم المتضررين، بغية التخفيف عنهم شيئا ما من الألام والأضرار، إضافة لاعباء الحياة ومتاعبها وهمومها وآلامها، ولما لا نشر نوع  من السعادة والتفاؤل بينهم، مما قد يدفعهم للمضي قدما لاستكمال مسيرتهم والفرحة تغمر قلوبهم ووجوههم، دون النظر لأي اعتبارات وانتقادات خارجية هدفها الوحيد المساس بهم والتقليل من شأنهم، واضعين أمامهم هدفا أسمي ونبيلا، وهو مساعدة إخوانهم المتضررين في محنهم، هذه الأهداف والحقائق اذا ما رجعنا لتاريخ وثقافة المغرب سوف نجدها ليست بوليدة اليوم، بل هي متجذرة فيهم منذ أقدم العصور سواء قيادة وشعبا.

فالصور التلقائية الرائعـة التي صنعها المغرب خلال أزمة زلزال الحوز، “ملكـاً وشعبا ومؤسسات” جعلت العالم يقف بكل احترام واجلال وتقدير لشعب شعاره أنه يشهد الدنيا والعالم بأجمع أنه هنا بأرض المغرب يحيا وبمائها يشرب وبحليبها يرضع، وأنها فعلا أمة لا تعيش فراغا في السلطة، بل تحت قيادة قوية ورشيدة وحكيمة هدفها الحقيقي هو إسعاد المواطن والرفع من مستواه بشتى الطرق.

حقيقة كذلك ومما لا شك فيه أنه لا يوجد هناك مجتمع إنساني مثالي، ولكن الالتزام بقيم التلاحم والتضامن الاجتماعي الذي أبان عنه قيادة وشعبا، جعله يضمن ويفتخر وأن يقول بصوت عال ” نحن فعلا مجتمع من المجتمعات الحضارية الأولى التي يغلب عليها رمز التضامن والتكافل والاعتزاز والفخر بالانتماء لوطن قوي ومتماسك تحت قيادة رشيدة وحكيمة”.

وهذا ما يجعلنا نرغب في تعديل شيئا ما تعريف التلاحم الذي أقرته منظمة التعاون والاقتصاد والتنمية OECD عام 2011، والذي يرى أن المجتمع المتلاحم هو: “المجتمع الذي يعمل على توفير الرفاهية للجميع ويحارب الاقصاء والتهميش. كما يتمتع أفراده بالانتماء للمجتمع والثقة المتبادلة والفرص المتساوية لتحقيق التقدم (في الحياة)”. بحيث يمكن إضافة على هذا التعريف عبارات مفادها أن المجتمع المتلاحم هو ” المجتمع المتضامن وطنيا والوفي لأرضه وشعبه الذي ينهض بدوره عند الحاجة والمتماسك والمتلاحم أسريا والذي يشعر بالانتماء للوطن والمتشبع بفكر التسامح والاحترام وقبول الطرف الآخر والمساواة والنهوض بروح الإنسانية والتراحم ومساعدة الاخر عند الحاجة بدون انتظار المقابل، على الرغم من المشاكل التي قد تحدث بينه ” لأننا فعلا قد نجد هناك دول متقدمة ومتطورة ولكن انسانيتها وعاطفتها الأسرية والمجتمعية متفككة ومنهارة على الرغم من القوة المالية والاقتصادية والتطور الذي قد تعيشها.

وهناك مقولة تعجبني للمفكر  Pierre-Jules Renard مفادها “Si l’argent ne fait pas le bonheur, rendez-le”. أنه إذا كان المال لا يوفر السعادة بمعنها الحقيقي “الراحة النفسية والذاتية والمعنوية وليس الشكلية فقط ” فلسنا بحاجة إليه.

كما ان هناك قصة على الرغم من ضعف مصدرها لكن مغزاها قوي وغير خفي على صاحبها، لعلنا نستخلص منها بعض العبر وهي لسيدنا أبوبكر مع العجوز العمياء ” حيث يحكى أن عمر بن الخطاب كان يراقب أبو بكر الصديق ولديه علم بكل أعماله الخيرية وفي فجر يوم من الأيام لاحظه يخرج بعد صلاة الفجر الى أطراف المدينة ويمر بكوخ صغير يدخله لساعات ثم يغادر إلى بيته. دون أدنى فكرة عما يحدث وما يفعله داخله، فتوالت الأيام والليالي واستمر الخليفة أبو بكر الصديق في زيارة هذا المنزل، وظل عمر غير مدرك لما يفعله صديقه في الداخل حتى قرر عمر زيارة المنزل، فاكتشف به امرأة مسنة كانت عاجزة عن الحركة وكانت عمياء كسيرة من الرعية، ولم يجد في منزلها أي شيء آخر، فاندهش ابن الخطاب بما رآه. كما أنه كان فضوليًا بشأن صداقة صديقه مع هذا العجوز الأعمى، وسألها عما يصنعه هذا الرجل في بيتها؟ فأجابته المرأة العجوز، والله لا أعلم يا بني، كل صباح يأتي هذا الرجل ولا اعرف اسمه، وينظف المنزل ويكنسه لي، ثم يطبخ لي الطعام ويذهب دون أن يقول ويسترسل معي في الكلام، فلما مات أبو بكر قام عُمر باستكمال رعاية العجوز الضريرة، فقالت له أمات صاحبك؟ فأجابها وما أدراك؟ فقالت له جئتني بالتمر ولم تنزع منه النوى؟ فجلس عمر على ركبته وبكى وقال عبارته الشهرة، لقد اتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر”.

ولعلنا نستخلص مما سبق أن التلاحم والمساعدة والتضامن الاجتماعي، هو المظلة التي يستظل بها المجتمع، والميثاق الرابط الذي يجمع شمل الأمة، من خلال الروابط التي تلتقط كل المعاني الإنسانية في بذل المعروف، والكشف عن السجايا الإيجابية لتفعيلها في تسليط الضوء على الزوايا الخفية، التي من الأرجح أن تساعد على الالتفاف حول المبادئ الوطنية، والتآخي والتراحم، و تعزيز الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين بشكلٍ فردي، للحفاظ على المصلحة العامة، كما أنه يقرب أفراد المجتمع من بعضهم البعض، ويقلل من النزاعات، ويشجع الأفراد على مشاركة أوقاتهم الخاصة في مساعدة بعضهم البعض عند الحاجة، حتى يستفيدوا جميعًا على اختلاف أعمارهم وأجناسهم، لكونهم جزءًا لا يتجزأ من نفس المجتمع، بحيث يمنح أفراد المجتمع شعوراً يُسمى بالوحدة العاطفية، من خلال دعمهم لبعضهم البعض دون ادنى مقابل أو من. مثل ما قام به المغرب أيـام جائحة كورونا حيث قـدم مساعدات إنسانية مهمة لبعض الدول، ومنها “اللقاحات والكمامات الطبية” ولم تكن له أجندة معينة أو غنيمة سياسية أو اقتصادية من وراء ذلك، أو خرق لقرار سيادي، ولا شيء سوى المساعدة من أجل المساعدة والوقوف بجانب الطرف الاخر، وهذا عكس ما نلاحظه في يومنا هذا، لذا علينا أن نسارع بصدق في التضامن ومد يد المساعدة من جميع أبوابها الإنسانية والمادية والفكرية والثقافية والأخلاقية والتربوية والعاطفية دون كلل أومن، كالتمنن الذي اصبح ينتشر بكثرة داخل بيتونا وأسرنا وأزواجنا واطفالنا، لكي نبقى عظماء وقدوة لأجيالنا القادمة. مصداقا لقوله تعالي في صورة الحجرات ” يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News