حوادث وكوارث

من دفء العائلة إلى جحيم الوحدة.. قصص مغاربة فقدوا عائلاتهم بزلزال الحوز

ثوان قليلة من زلزال الحوز المدمر كانت كافية لتقلب حياة آلاف العائلات المغربية رأسا على عقب، بعد أن انهارت المباني وأُزهقت الأرواح تحت الركام، محولة دواويرا بأكملها إلى خراب ودمار، يستحيل بعده أن تعود الأمور إلى سابق عهدها.

غير أن حجم الألم يكون مضاعفا بالنسبة لهؤلاء الذي فقدوا جميع أفراد عائلاتهم خلال الزلزال، وانقلبت حياتهم من دفء الأسرة إلى جحيم العيش وحيدين، مفتقرين لكل سند، سوى الذكريات التي جمعتهم بأهلهم وذويهم من قبل.

قصص مؤلمة يحكيها متضررون من الزلزال فقدوا أهلهم وأحبابهم إلى الأبد، وانهارت منازلهم، وباتوا يفتقرون لكل المعاني التي تدفعهم إلى الاستمرار بالحياة، مسلحين فقط بصبرهم وإيمانهم.

وفي حديث مع جريدة “مدار21″، يكشف مغربي قاطن بإحدى الدواوير المتضررة من الزلزال، ذارفا الدموع، وفاة ثلاث من بناته تحت الأنقاض، مشيرا إلى أنه يريد من السلطات تسريع البحث عن زوجته وابنه لانتشالهما من تحت الركام والتأكد مما إن كانا ما يزالان على قيد الحياة أم أنهما التحقا بباقي بالأولاد.

فقدان ثمرة عمل حياة بأكملها جعل هذا الرجل، مكلوم القلب، يحمل المسوؤلية للسلطات العمومية، التي قال إنها تأخرت في الوصول لتقديم المساعدة، ما أدى إلى وفاة بناته، مؤكدا أن المسؤولين عليهم التحرك لأن فقدان 5 أفراد من العائلة الصغيرة ليس بالأمر الهين.

“أصبحت الأن مقطوعا من شجرة”، بهذا التعبير الذي اعتاد المغاربة استخدامه للتعبير عن عدم توفرهم على عائلة يختزل هذا المغربي المكلوم الانقلاب الذي حدث في حياته، مشددا على أنه لم يعد يهمه أن يتوصل بمساعدة مادية بعد انهيار منزله وفقدان أفراد عائلته، رغم أن السلطات سجلت رقم بطاقته الوطنية.

المنزل الذي بناه هذا الرجل بعرق جبينه دون أن يتلقى أي مساعدة من أحد تحول في ظرف أقل من 30 ثانية إلى ركام وأطلال تسدل الستار على حياة، كانت دافئة وسعيدة، فاستحالت إلى مأساة وجحيم أبدي لهذا المواطن “الدرويش”، على حد وصفه تعبيرا عن بساطته وقلة حيلته.

يؤكد المتحدث، متأثرا بهول الصدمة، أن ظنه خاب في بلاده التي كان يعتقد أنها متقدمة وقادرة، قبل أن يتضح له أنها عاجزة أمام انتشال زوجته وأطفاله الأربعة، رغم توفرها على الإمكانيات، مشيرا إلى أن إحدى بناته المتوفيات كان من الممكن إنقاذها لو أن الإسعاف جاء سريعا.

شاب من أبناء دوار تيكجت بإقليم شيشاوة، يقيم بالدار البيضاء حيث يعمل من أجل تأمين لقمة العيش ولمساعدة عائلته، لم يكد يستوعب وصول الاهتزازات إلى العاصمة الاقتصادية، حتى كان هاتفه يرن والاتصال وارد من بلدته، والخبر هذه المرة ثقيل وبعبارات باردة، مفاده: “الدوار قُلب أعلاه أسفله” و”عائلتك توفيت كلها”.

الشاب ذو الـ22 ربيعا يسرد أسماء من فقدهم خلال هذا الزلزال مقاوما انقطاع أنفاسه جراء الألم، مشيرا إلى وفاة عمته وزوجها، وأمه وأخته ذات الـ13 سنة وأخيه ذو الـ17 سنة وجده، مؤكدا أنه نجى فقط لأنه يعمل بالمدينة ولا يعود إلى بلدته إلا خلال كل عيد أضحى.

“لم أر والدتي منذ مناسبة العيد الكبير إلى أن أخبروني بوافاتها” يصف الشاب حجم الصدمة، قبل أن يضيف بصوت مبحوح بالدموع “لم يعد لنا مكان لنعود إليه الأن، لأننا كنا نشتغل طيلة السنة لنعود لنفرح مع عائلاتنا في المناسبات، واليوم لم يعد هناك داع للعودة”.

تختزل كلمات هذا الشاب المفجوع رغبة في الذهاب بدون عودة، هربا من الركام والأطلال ورائحة الموت التي عمّت الدوار، لتطرد كل الصور الجميلة التي اختزنها عن البلدة وعن دفء عناق الأم والإخوة بعد طول شوق وانتظار.

من دوار تيكخت نفسه، يحكي مواطن آخر أن جل أهل الدوار توفوا في الزلزال بينما نجا هو وبعض أبناء الدوار بعدما كانوا خارج المنازل، مضيفا أن 24 فردا من عائلته الصغيرة والكبيرة وافتهم المنية تحت الأنقاض، منهم والده وأخته وعمه وابنة عمه وزوجة عمه والأبناء.

ويشير المتحدث نفسه، في حديث لجريدة “مدار21″، بعبارات تملؤها الحسرة والألم أن “الدوار أصبح فارغا ولم يعد لدينا شيئ، وكل ما شقينا من أجله ضاع، وبقينا الأن ربنا خلقتنا”.

بهذه العبارات يلخص هذا الرجل مقدار الخراب الذي حلّ ببلدته، التي انتقلت من رحابة الحياة إلى ضيق القبور والموت والفناء، بعدها انهارت جل المنازل وفُقد الأهل والأحباب، خلال ساعات من الزمن، دون أن تفصل بينهم سوى التباين في قدرة أجسادهم على مقاومة الركام.

وإن كان هؤلاء المتضررون قد دفنوا عائلاتهم، ليحملوا ذكراهم في قلوبهم ما تبقى من الحياة ويدعون لهم، فإن عائلة أخرى بأحد دواوير ورزازت دفنت كاملة، في مشاهد من الوداع والصدمة التي عمّت بين أهل الدوار، الذين سيصير التحقيب الزمني عنده مستقبلا يحدد بما قبل الزلزال وما بعده.

وكأنه “العشاء الأخير” مواطنة أخرى تقطن بأحد دواوير ورزازات تحكي عن لحظة الزلزال، إذ كانوا حينها يتناولون وجبة العشاء قبل أن يبدأ آجور المنزل في التساقط عليهم لتنهار كل المنازل وتنقطع شبكة الكهرباء، مضيفة أن جل أفراد عائلتها وأهل الدوار قضوا خلال هذا الزلزال.

وشددت المواطنة نفسها، التي تحدثت بالأمازيغية لعدم اتقانها العربية، عن انهيار منزلها وضياع كل ما تملك، طالبة من السلطات العمومية وملك البلاد مساعدتها وأهل الدوار على تخطي هذه المحنة.

ويضيف مواطن آخر متضرر من الزلزال أنه لم يعد لديهم أي سكن، وأن معظم الساكنة خائفين من الهزات الارتدادية، مشددا على أن العائلة كلها توفيت، وأن حجم الضرر عندهم بالدوار كان كبيرا، مطالبا هو الآخر بتوجيه المساعدات للعائلات، التي لم تعد تملك شيئا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *