ثقافة | حوارات

البوعبيدي: واقع الرواية المغربية “ملتبس” كمستقبلها والنقد لم يستطع استيعاب الحركة الإبداعية

البوعبيدي: واقع الرواية المغربية “ملتبس” كمستقبلها والنقد لم يستطع استيعاب الحركة الإبداعية

ولج حديثا الكاتب والشاعر المغربي محمد البوعبيدي إلى ميدان الأدب الرقمي والقصة التفاعلية، اللذين أفرزتهما الثورة التكنولوجية، برواية “مذكرات فتاة زُهرية”، الصادرة عن دار ببلومانيا للنشر والتوزيع بالقاهرة، سنة 2022.

وجاءت هذه الرواية على شكل محادثات “واتساب”، إذ استعان البوعبيدي في كتابته بكل مقومات برامج المحادثات، من “ستيكر” و”إيموجي” وصورة وكتابة وغيرها.

وفي حوار مع جريدة “مدار21″، يتحدث البوعبيدي عن مولوده الأدبي الجديد، ويكشف عن الظواهر والمواضيع التي يُناقشها بين دفتيه، والأسباب التي دفعته إلى اختيار النمط الرقمي قالبا له، ثم يعرج على التطرق إلى واقع الرواية المغربية، ومشاريعه المرتقبة في الساحة.

وفي ما يلي نص الحوار:

بداية، لماذا الأدب الرقمي؟

لأمور ثلاثة؛ أولها، لابد أن نجزم بأن الرواية الجديدة، أو لنقل الكتابة الجديدة، تضع في الحسبان وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لما تتميز به من مكانة في نسق الحياة اليومية والفردية والجماعية.

ثانيها، أن التجريب الروائي اليوم يجد نفسه مستغرقا في كل ما يتعلق بتأثير شبكات التواصل الاجتماعي في حياة الإنسان.

ثالثها، أن استثمار برنامج المحادثات “واتساب” هو مثل اللعب على تقنيات جديدة في الكتابة، فالزمن زمنان، والمكان مكانان، والشخصية ملتبسة لا نعرف عنها إلا ما تبوح به من خلال خطابها المباشر.

رابعا، الإشارة إلى سطوة الرسالة النصية لبرنامج “واتساب”، والتي تتراوح بين الرسالة المكتوبة والرسالة المسموعة، وبين الكتابة والصورة و”الإيموجي” و”الستيكر” وغيرها، وذلك في إطار بداية ظهور لغة جديدة تمزج بين الصوت والكتابة والتعبيرات الموازية.

وأخيرا علينا أن نعرف أن “واتساب” وغيره من برامج المحادثة، قد أسست لطريقة جديدة في التواصل، من أهم خصائصها حساب الوقت بالدقائق، والاطلاع على الرسالة في الوقت الذي يختاره المتلقي، مما يجعلنا نجزم بأن الشخصية تعيش زمنين وحياتين، حياتها العادية الحقيقية، وحياتها داخل برنامج المحادثة، ومن هنا أهمية الرواية الرقمية كما أسلفت.

من أين استقيت موضوع الرواية؟

إننا نكتب التاريخ حتى إن حاولنا أن ننكر ذلك، كل واحد منا يكتب تاريخه، ويستقصي واقعه لكي يكتب إبداعا، ومن هنا فإن “مذكرات فتاة زهرية” رواية مستنبطة بشكل كبير من المحادثات التي أعيشها في واقعي اليومي، إذ لا ننكر أن برنامج المحادثات يتيح لنا فرصة أن نعيش حيوات إلى جانب حياتنا.

قصة المحادثة التي بين يديك مكتوبة في الرواية منذ البداية، وأنت بصفتك قارئة، قادرة على المعرفة أو الإحساس بواقعية الأحداث والحوارات.. هكذا يهجم المبدعون على واقعهم من أجل استلهام أفكار وقصص تستحق أن تتحول إلى إبداع.

ما المواضيع التي تُناقشها رواية “مذكرات فتاة زهرية”؟

تُناقش هذه الرواية مواضيع قديمة جديدة، ومنها الحاضر الغائب، كموضوع الزُّهريين مثلا، والذي نجده متفشيا بين أوساط المتخصصين في استخراج الكنوز، ويتعرض الأطفال بسببه للاختطاف والقتل في معظم الأحيان. إنها قصص مؤلمة حقا، أن يتم تقديمك قربانا لمخلوقات أخرى حسب ادعائهم.

تعالج كذلك مواضيع منتشرة في مجتمعنا الحالي من قبيل الإلحاد، استخراج الكنوز، الحمل خارج إطار الزواج، القتل، السحر، الجنون والوسواس القهري وغيرها. وهي ظواهر نفسية تتوغل في مجتمعنا الحالي بصمت، وقد وجب علينا، بصفتنا مبدعين، إماطة اللثام عنها، وذلك حين صرنا نشهد تخلي المؤسسات المعنية عن دورها في هذا الشأن.

إلا أننا يجب أن نعرف أن الطريقة التي يطرح بها الكاتب مواضيعه هي أكثر جرأة وتمثيلا للواقع من الجداول التي قد تنشرها المصالح المختصة في وزارة الصحة مثلا.

كيف ترى واقع الرواية المغربية؟

سؤال يبدو ملتبسا، لأن واقع الرواية المغربية لا يمكن أن يُعرف بمنأى عن سياقات أخرى من أهمها المؤسسات المسؤولة عن الشأن الثقافي في البلاد، هل هي مهتمة بواقع الكتابة في المغرب؟ وما الذي تمنحه بالمقابل للكاتب حتى يستمر؟ وهل تقوم بالدور المنوط بها أم أنها هي الأخرى تستغرق في لعبة السياسة والمحسوبية والزبونية والإقصاء؟

بالمختصر المفيد، هناك سقف لا ندري من وضعه فوق رؤوسنا، ولا أحد منا يستطيع أن يتجاوزه إلا من أذنت له أياد لا نعرفها كذلك، وهو لا يؤمن بالأحقية، ولكن يخضع لأجندات معينة يتبناها أشخاص يتحكمون في الشأن الثقافي في البلاد، وانظروا إلى الجوائز إن شئتم، من يفوز بها؟ كيف يتم تنظيمها؟

إن الأمر يتعلق بأسماء تتكرر في كل عام، تقتسم كعكة ولا يهمها إلا الإعلان عن النتيجة لكي يُعلم أن الأمر تم.

ومن هنا، فإن واقع الرواية المغربية غير واضح، تماما كالتباس مستقبلها، فالأمر يتعلق بأدب رسمي يخضع لمعايير محددة ويقع في دائرة اهتمام المؤسسات موضوعا وطريقة، وأدب هامشي، أو لنقل مهمش، يدفعك إلى الاعتقاد جازما بأنك لا تكتب إلا لنفسك، وهنا يتبادر سؤال مهم إلى الذهن: ألا يصير الأدب أدبا إذا لم ينل اعتراف المؤسسة الرسمية؟ وهل سنعيش أبد الدهر تحت رحمة أعمال أدبية تغشى المدارس حتى إن عفى عنها الزمن؟

الرواية المغربية اليوم تسير برجل واحدة، هي المبدع الذي يبذل مجهودات شخصية، وحتى النقد اليوم، فهو لم يستطع استيعاب الحركة الإبداعية، على الأقل على مستوى الببليوغرافيا.

هل تحضر مشاريع روائية جديدة؟

لم تعد الأعمال الراهنة سرا، بل صار البوح بها ضربا من الإعلان الذي يعد القارئ بالجديد، خصوصا مع ما نعيشه من هيمنة الرقميات وظهور منصات كبرى تحكم الدنيا والناس.

أشتغل على روايتين تاريخيتين تنتميان إلى المرحلة نفسها، وهي العقد الثاني من القرن العشرين؛ الأولى بعنوان “الرصاصة والسيل” تحكي عن رجل كان أول من أطلق رصاصة على المستعمر الفرنسي، ويندرج هذا في إطار سياق تاريخي معين، والثانية “البحث عن رأس زوجي” تنقل قصة حب بين جندي فرنسي ومقاومة مغربية، انتهت بمأساة انتصر على إثرها الحب.

كلمة أخيرة؟

نطلب من الله الصحة والعافية كي نستمر في الكتابة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News