رأي

بعد صفقات الأسلحة.. “بوتين” يسمح لنفسه بـ”الاستماع” لتفاهات “تبون”

بعد صفقات الأسلحة.. “بوتين” يسمح لنفسه بـ”الاستماع” لتفاهات “تبون”

في إطار الزيارة التي قام بها ممثل “النظام” في الجزائر السيد “عبد المجيد تبون” إلى روسيا (14/06/2023)  عقد الرئيس “الجزائري” مؤتمرا صحفيا مع السيد “فلاديمير بوتين”، يمكن أن نسجل بخصوصه الملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى: بداية يتحدث السيد “التبون” في المؤتمر الصحفي مع الرئيس الروسي “فلاديمير” بوتين عن “.. حرارة وحفاوة الاستقبال”! في حين أن وزير الفلاحة الروسي هو الذي كان في استقبال التبون!، وهو أمر لا يتطابق مع ما قاله “التبون”، ولا مع ما روج له النظام الجزائري قبل ذلك، بكون الأمر يتعلق بزيارة دولة، فهذه الأخيرة لو كانت كذلك ولو اعتبرها الروس أنها تدخل في نطاق “لقاءات القمة” لكانوا عبروا عمليا عن ذلك، ومن ثمة كان من المفترض أن تجرى وفق بروتوكولات احترام وتقديرٍ دبلوماسيةٍ تتناسب وصفة الضيف، أي “الرئيس”، الذي لم يكلف “بوتين” نفسه عناء استقبال “رئيس” من هذا القبيل خلال وصوله للمطار.

الملاحظة الثانية: الرئيس “الجزائري” تحدث عن “.. عمق الصداقة بين الجزائر وروسيا الفيدرالية وعلاقاتنا تمتد لأكثر من 60 عاما.. وروسيا ساندت الجزائر بمساعدة قوية للحصول على الاستقلال”، السيد التبون بالإضافة إلى أنه يجهل التاريخ، فإنه والمرافقون له ومستشاريه “نسوا” جميعا أن روسيا الفيدرالية لم تظهر سوى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أي في تسعينيات القرن العشرين، بمعنى أن العلاقات مع روسيا لا تمتد سوى لحوالي 22سنة وليس ل 60 سنة كما قال “التبون”!

الملاحظة الثالثة: “.. الجزائر وفيّة للعلاقات الروسية الجزائرية رغم أن هناك ضغوط دولية فإنها لن تؤثر على الصداقة الموجودة بيننا..” أكيد أن السيد “التبون” يقصد هنا الضغوطات الغربية؛ من فرنسا و و.م. الامريكية..)، فمن جهة “تبون” يعلن- عبر هذا التصريح وبشكل صريح أن مصيره، والنظام الجزائري، هو بيد “بوتين” ويتصرف فيه كما يشاء، ومن جهة أخرى السيد “التبون” واضح أنه يفتقد للحنكة الدبلوماسية والسياسية التي تؤهله بأن يقوم بتمرير موقفٍ معين دون أن يسقط في أخطاء قاتلة، تجعله في خانة شخص لايتقن فن السياسة، ولا هو بقادر على تجسيد رجل دولةٍ وممارسة كاريزما رئيس دولة.

الملاحظة الرابعة: “.. تدافع عن حريتنا (يقصد روسيا).. وصون استقلالنا..”، السيد التبون يعترف هنا بأن نظامه ليست له القدرة ولا الامكانية.. وأنه لا يمكنه أن يكون فعلا لا قوة “ضاربة” في المنطقة (كما يقدم نفسه وكما يروج لذلك إعلام النظام الجزائري، وهو كلام موجه، بطبيعة الحال، للاستهلاك الداخلي) فهو يؤكد بشكل صريح بأن هذا النظام لا يمتلك لا شعبية ولا ديمقراطية يمكنهما أن تحميه، كما هو الامر في البلدان الديمقراطية، بل كل ما يعتمده النظام الجزائري لحماية نفسه هو جبروت عسكريه وجنرالاته.

إن الذي لا يدركه السيد “التبون” ولا يفهمه هو أن المرتكز الذي تتأسس عليه العلاقات الجزائرية الروسية ليس فيه أية مصلحة للجزائر، وذلك عكس ما تعتقده “الجزائر”، فالأولوية والمتحكم في ذات العلاقة أساسا هو بالضرورة مستوى وعدد الصفقات والأرباح التي تجنيها روسيا من بيعها لأسلحة بالية وعتيقة للنظام الجزائري، سلاح يعود تصنيعه لحقبة الحرب الباردة. ففي الواقع روسيا لا تبدي أي اهتمام لمصلحة الجزائر كما يحاول أن يوهم بذلك الكابرانات.

الملاحظة الخامسة: “.. ظروف إقليمية صعبة..” يقول السيد “التبون”، وهذا اعتراف واضح وصريح على أن النظام الجزائري يعيش عزلة إقليمية ودولية خطيرة، بسبب الأخطاء الكارثية التي راكمها هذا النظام، سواء في تدبير علاقاته مع محيطه الإقليمي، أو في محاولاته الفاشلة في القيام بأدوار القيادة والوساطة لِلَمِّ “الشمل” أو حل بعد الأزمات الإقليمية والدولية، فحتى الزيارة إلى روسيا تدخل في نطاق التنفيس عن أزمة هذا النظام ومحاولة تجاوز الأوضاع الداخلية والإقليمية المتأزمة.

الملاحظة السادسة: “.. بفضل مساعدة روسيا تحصلت الجزائر على منصب غير دائم في مجلس الامن..” إن “التبون” يحاول عبر هذا القول التسويق للداخل الجزائري بأن روسيا تقوم بعمل جبار كـ”حليف” للجزائر، وهذه محاولة يائسة لتضليل الشعب الجزائري والذي، دون شك، لن تنطل عليه هذه الكذبة لماذا؟ أولا: لأن الحصول على مقعد غير دائم داخل مجلس الامن أمر عادي ولا يحتاج إلى دعم ولا لتأييد ولا مساندة، باعتباره(المقعد) غير مؤثر في صياغة القرار داخل مجلس الأمن، وثانيا: بإمكان أي دولة مهما كان وزنها على الصعيد الدولي الحصول على هذا المنصب- لكون تقلده يفترض تقريبا، كمعيار التوزيع الجغرافي فقط- لذلك نجد إلى جانب الجزائر أيضا كل من “غيانا” وكوريا وسيراليون، دون أن يكون هناك أي منافس لها،و سلوفينيا- فالجزائر وسيراليون هما مقعدان للمجموعة الأفريقية واللذان تشغلهما في الوقت الراهن الغابون وغانا اللتان تنتهي عضويتهما في المجلس آخر العام الحالي. ثالثا: هذا النوع من العضوية بطبيعتها مؤقتة (سنتين فقط)، ورابعا: سبق للجزائر أن تقلدت هذا المنصب أكثر من مرة (1968 و1988 و2004) ولم يغير ذلك من وجودها الإقليمي، أو وزنها الدولي..، خامسا: الحصول على هذا المقعد لا يرقى إلى حدث يمكن الإشادة به، في لقاء يفترض أنه لقاء “قمة”، كما أنه ليس بأي نجاح أو نصر دبلوماسي، كما حاول أن يقدمه بيان للرئاسة الجزائرية تم إصداره سابقا.

الملاحظة السابعة: إن تطرق “التبون” من عدمه لملف الصحراء، في خطاباته بروسيا، لا يزيد ولا ينقص شيئا من تصور روسيا وموقفها اتجاه قضية الصحراء المغربية، على اعتبار أن هناك معطيات ومحددات أخرى أصبحت تتحكم في صياغة العلاقات المغربية الروسية، في السنوات الأخيرة.

فالسيد “بوتين” أصبح ينسجم، شيئا فشيئا، مع الموقف الجديد لروسيا اتجاه موضوع الصحراء المغربية، حيث بات يتخذ فيه (بوتين) نوع من الحياد، وهذا ما أصبح يظهر من تعاطي روسيا داخل مجلس الأمن، حيث أضحت تسلك مسلك الامتناع عن التصويت فيه (مجلس الامن)، حين يتعلق الامر بمناقشة قرارات تتعلق بقضية الصحراء المغربية، وهو موقف إيجابي ويخدم ملف الوحدة الترابية للملكة المغربية. أضف إلى ذلك أن روسيا بدأت تقتنع، في السنوات الأخيرة، بأن مصلحتها الاستراتيجية تفترض احترام المغرب ووحدته الترابية، خاصة في ظل توازنات إقليمية ودولية أصبح المغرب يشكل فيها لاعبا مهما لا يمكن الاستهانة بمكانته الإقليمية وبمساهمته في صناعة القرار الإقليمي والدولي، كما أن انغماس روسيا في حرب طاحنة مع الغرب في المستنقع الأوكراني يضعها في موقف لا يسمح لها بفتح توترات جديدة مع دول أخرى، كالمغرب، والتي تتموقع في حياد تجاه الصراع الدائر في أوكرانيا.

“التبون” بعدما كذب خلال زيارته للبرتغال، حين قال بأن وجهة نظر البرتغال “تتطابق” مع الجزائر بخصوص قضية الصحراء، وانفضح أمره بعد ذلك، واضح مرة أخرى أن السيد “التبون”لم يستوعب الدرس بعد، بخصوص هذا الموضوع، ف”التطابق” نظريا يبقى مجرد خطاب وكلام فراغ ينكشف مباشرة عندما نتفحص ممارسة روسيا داخل مجلس الأمن، وهي ممارسة في واقع الأمر تروم تأييد المنظور المغربي (الامتناع عن التصويت يفيد الايجاب في تصويت مجلس الامن) ، أضف إلى ذلك أن السيد “بوتين” لم يصرح بأي كلام يفيد تغير موقف بلادة تجاه ملف الصحراء، وهذا إن دل على شيئ فإنما  يدل على أن “التبون” خرج خاوي الوفاض، ولم يحصل على أي “مكتسبات”، فيما يرتبط بموضوع الصحراء المغربية، خلال زيارته هذه إلى روسيا، وهذا يعد فشل ذريع وخيبة أمل كبيرة، وضربة موجعة تلقاها النظام الجزائري من “حليفه” الروسي وذلك في سياق حرج  يمر منه ذات النظام في الوقت الراهن.

الملاحظة الثامنة:”.. نبارك اليوم العلاقات الموجودة بين روسيا ومالي.. إذا أمكن نتشاور في تسيير الملف المالي”: إن السيد “التبون” لم يدرك بأنه يكشف- بكلامه هذا- وبشكل رسمي، صريح ومباشر من جانب؛ عن فشل الجزائر في القيام بأي دور في حل الأزمات المجاورة لها، خاصة الملف اللبي والمالي..، ومن جانب آخر يبرز حجم التواطؤ الذي يمارسه النظام الجزائري مع روسيا قصد التدخل في الشأن المالي، و هذا المعطى له تداعيات خطيرة على المنطقة، والأخطر في ذلك أن “التبون” بموقفه هذا يكون قد تبنى و وافق على ما تقوم به مرتزقة “الفاغنر” في الدول الافريقية التي تعيش حروب وأزمات حادة، وهي سلوكيات تفضح بشكل واضح زيف الشعارات التي يرفعها النظام الجزائري تجاه الدول والشعوب الافريقية.

تعليقات الزوار ( 1 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News