ثقافة

برادة: الأدب يعبر عن ما تعجز عنه السياسة وبنياته بالمغرب “هشة” تحتاج دعم القراء

برادة: الأدب يعبر عن ما تعجز عنه السياسة وبنياته بالمغرب “هشة” تحتاج دعم القراء

على هامش إصدار مجلد الأعمال الروائية للأديب والناقد المغربي محمد برادة، واستعراض حصيلة تجربته الروائية الممتدة لعقود، كان لزوار المعرض الدولي للنشر والكتاب لمقام بالرباط، أمس الجمعة، موعدا خاصا لملاقاة الكاتب عن قرب والتعرف على أبراز سمات الكتابة الأدبية عنده.

ويرى محمد برادة أن الإصدار بمثابة فرصة لملاقاة الأجيال القارئة التي تتغير في المغرب، وهذا شيء إيجابي، “على الرغم من أن بنيات الحقل الأدبي في المغرب هشة وتحتاج إلى دعم من القراء ليكتسب الكتاب والمبدعون حريتهم تجاه مختلف أنواع السلطات”، مؤكدا أن محاولة إعادة رواياته الثمان جاءت لتراهن على “قراء محتملين من جيل جديد”، وأن الإصدار “وسيلة للتأريخ لتطور الرواية بالمغرب، التي عرفت مراحل متعددة واجتهادات متنوعة، على مستوى الشكل والمضامين”.

“لعبة النسيان”، أولى روايات برادة، كان لها تأثير وصدى جعله يواصل رحلته مع حياة الكتابة الروائية، التي يلخص بدايتها قائلا “جئت إلى كتابة الرواية في مرحلة نفسية واجتماعية وسياسية أصبحت فيها الكتابة بمعناها العميق العنصر الذي يستطيع أن يبرر استمرار الحياة ومحاولة المراهنة على المستقبل ضمن شروط كانت كلها مطبوعة بالتشاؤم والطمع في التسلط”.

ومع ذلك، يستدرك برادة “كان هناك جيل أنتمي إليه أنذاك يراهن على وضع لبنات لأدب جديد، لأن الأدب يستطع التعبير عما تعجز عنه السياسية، وعما نعجز عن التعبير عنه بالمصطلحات والكلمات الجاهزة”، مسترجعا تأثير مغامرة “لعبة النسيان”، التي استغرقت سبع سنوات في كتابتها، بتذكره لأول حوار صحفي أجراه بعنوان “لعبة النسيان.. الرغبة كامنة دائما وراء الكتابة”.

من بين ما ألح عليه الحوار المذكور، وفق كلمة ألقاها الكاتب والروائي محمد برادة أمام الحضور بقاعة رباط الفتح “وظيفة الأم في هذه الرواية ليست بوصفها المادي كأم لي، لكن الأم كرمز أساسي يقوم ويطلع بدور صامت لكنه إيجابي يسند الأبناء والبنات على السواء”، مردفا “دور الأم هو جزء من دور الذاكرة، ولعبة النسيان هي لعبة التذكر، لأن الذاكرة عندما نحاول استعادتها تصبح عنصرا أساسيا في الإبداع”.

“الكتابة والحياة.. علاقة ملتبسة”

وفي حديثه عن تجربته الأدبية يصفها برادة  بأنها “متدرجة ومعقدة”، مشيرا في كلمة عنونها بـ”الكتابة والحياة.. علاقة ملتبسة” إلى أنه يميل إلى الظن بعد تجربة طويلة في الكتابة بأن العنصر الأساس وراء خوض مغامرة الكتابة هو رغبة لدى المبدع في “القبض على علاقته بالحياة”.

ووسائل التعبير وأشكاله المختلفة، وفق برادة، تغذو عند المبدع “واسطة لتجلية العلاقة القائمة بين الفرد والعالم، بينه وبين الآخرين، وبينه وبين نفسه بالأخص”، مستنتجا من ذلك أن “كل واحد منا هو كاتب بالقوة يحتاج إلى التعبير عن هذه العلاقة بشكل أو بآخر”.

وحول دوافع الكتابة، التي تتباين طرق تجليتها وتبقى مندرجة ضمن التخييل، يوضح برادة أنه “لا يهم ما نقوله عن جذور علاقتنا الكتابة لأن ما يعني القارئ هو النصوص المكتوبة في شروط وسياقات معينة، إلا أنها تتعالى عن تلك الشروط لتخاطب وتتفاعل مع المتلقي على رغم اختلافه شروطه عن المبدع”.

نبش ذاكرة الكتابة عند برادة يفضي به إلى تذكر لحظة سعيدة ربطته بالكتابة عندما كانت أمه تطلب منه كتابة رسائل إلى خاله بفاس، في مرحلة دراسته بالسلك الابتدائي، يسترجع مع هذه الذكرى التحدي الذي كان أمامه المتجلي في “تعويض اللقاء والصوت بالكلمات التي كان زادي منها قليلا”، ليتحول التحدي إلى اجتهاد لاختزان كلمات جديدة ينافس بها زملاء الفصل ويبهر بها أمه وهو يقرأ عليها ما كتبه.

الطفولة.. العلبة السوداء للكتابة

وعن دور الطفولة كمصدر أساس للكتابة، يعتبر برادة أنها “معين يمنحنا الوهم بالقدرة على مجابهة الزمن، سواء كانت الطفولة سعيدة أو شقية، فإنها تلوح كنجمة جاذبة في سماء المخيلة لإعادة تملك المسار الحياتي والانتماء إلى هوية متعالية على تقلبات الوقت، تلوح الطفولة نقطة بدء ومرفأ انطلاق نحو ما عشناه مشتبكا وعصيا على الفهم”.

ويردف برادة في السياق ذاته أن مخزونات الطفولة تغدو “علبة سرية سوداء نرجع إليها لنتأمل وننفض غبار السفر عن رحلة الحياة”، غير أن العلاقة بالطفولة لا تظل ثابتة وواضحة من غير خبايا وأوهام، ولهذا لا يتردد برادة في أن يضع مقابل ذخيرة الطفولة عند الكاتب تجربته وهو على مشارف الوعي يتطلع إلى امتلاك مقولات يصوغ من خلالها رؤيته إلى العالم.

“تنتمي الكتابة إلى المعيش وإلى ما تستوعبه الذاكرة” وفق برادة الذي يردف “من يكتب يمشي على بسيطة متحركة ولا يستطيع أن يطمئن إلى وصفة جاهزة حتى ولو بعد طول تجربة”، وأنه “دائما يكتب محفوفا بالقلق والترقب واللايقين لأن الكتابة تظل مفتوحة على المجهول وتظل متطلبة بشكل مخصوص ولغة تنقل ما يتلبد في ثنايا الذاكرة والوجدان”.

ويعود الأديب والناقد المغربي محمد برادة إلى سلطة المكان على الكتابة، مستحضرا مدنا ثلاث رعت حروفه وأسبلت عليها عبقا من طيبها وبخورها، وهي فاس والرباط والقاهرة، مضيفا عن فاس “ترتبط عندي بالطفولة الأولى، ترتبط بلغة الأم، وبمتاهة الأزقة الصاعدة الهابطة، بالعيون الغنج تطل من وراء لتام، وباللثغة المتميزة تتلفظها نساء فتقوات مدلالات”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News