فن

دعم على شكل “صدقة” وكراسٍ فارغة.. المسارح بالمغرب بين مطرقة أفول الشعبية وسندان المردودية الاقتصادية

دعم على شكل “صدقة” وكراسٍ فارغة.. المسارح بالمغرب بين مطرقة أفول الشعبية وسندان المردودية الاقتصادية

في ظل دعوات المسرحيين إلى بناء المسارح، التي تغيب بعدد من المدن المغربية مما يحول دون تقديم مسرحياتهم أمام عشاق “أبي الفنون” بمناطق عدة، يتساءل بعض المتتبعين عن جدوى هذه البنايات أمام “ضعف” الإقبال على هذا الفن من جهة، وكذا “قلة” العروض من جهة أخرى.

لكن، في المقابل، يعزو الفاعلون المسرحيون تراجع الحركة المسرحية بالمغرب إلى “سياسة الدعم” القائمة، إلى جانب “الفشل” في خلق جمهور مسرحي، مبرزين أن هذين الإشكالين يقفان حاجزا في طريق جعل المسارح، والفن المسرحي عموما، رافعة تنموية وصناعة ثقافية تحققان أهداف اقتصادية.

الدعم “الهزيل” يغيّب العروض الكبرى المدرة

في هذا الإطار، قال مسعود بوحسين، إن المسارح بنايات تسخر لتقديم العديد من العروض الفنية سواء في التمثيل، أو الموسيقى وغيرهما، مردفا: “لكن ما ينقصنا نحن هو تطوير المؤسسة المسرحية من بنيات الإنتاج والعرض، إذ مازلنا لا نستطيع تقديم العروض الكبرى ذات التوزيع الكبير من حيث عدد الممثلين والديكورات في المسرح المغربي أو المسرح الموسيقي”.

وتمنى بوحسين، في حديث إلى جريدة “مدار21″، أن تكون هذه الفضاءات الكبرى دافعا لإنتاج هاته العروض الضخمة، وأن تكون حافزا للدولة أو الفاعلين في المجال الفني، مشدّدا على أن التفكير في البنايات يجب أن “يوازي التفكير في العرض الفني”.

وتابع نقيب المسرحيين: “مخطئ من يعتقد أن المسرح المغربي ليس متطورا، رغم أنه يقدم عروضا بتوزيع قليل، والذي يعود بالأساس إلى التكلفة المنخفضة التي ترصد له، لذلك يجب تطوير آليات الدعم المسرحي، من خلال تخصيص حصة لمن ينتجون الأعمال الكبرى ذات التوزيع الكبير”.

ويرى بوحسين أن هناك “تباينا كبيرا” بين الدعم المخصص للسينما والتلفزيون، والدعم الموجه إلى المسرح الذي يعد، في نظره، “ضئيلا بالمقارنة مع الصنفين الآخرين”، مسترسلا بالقول: “للعمل المسرحي مردودية اقتصادية وثقافية، ثمة أعمال قد لا تحقق عوائد كبيرة، لكن لديها أهداف أخرى ذات طبيعة ثقافية موجهة إلى النخبة، وهذا النوع من المسرح يجب أن يكون، لأنه يعكس صورة البلد ويرفع نسبة الذوق”، حسب تعبيره.

أما بالنسبة للعروض الكبرى، يبرز المتحدث نفسه أهميتها في “استقطاب أعداد كبيرة من الجمهور من خلال تعدد الممثلين وتوظيف ديكورات متنوعة وعروض موسيقية تتخلل العرض المسرحي”، لافتا إلى أن لهذا النوع من المسارح جمهور عريض، وهي سياسة عمومية أيضا مرتبطة باستمرارية هذا الجنس وتشجيع التعددية”.

المسارح.. محرك لدينامية الاقتصاد، ولكن!

ويضيف النقيب مسعود بوحسين أن المحيط الخارجي للمسارح يؤدي دورا مهما في تحقيق العائد من الفن المسرحي، بجذب الجمهور عبر توفير خدمات جانبية، يجعله ذا طبيعة تجارية، مثل المطاعم والأماكن المخصصة للأطفال، مشيرا إلى ضرورة التفكير في المسرح في الوقت الحالي من باب أنه محرك لدينامية الاقتصاد”.

وفي ما يخص الدعم المخصص للعروض المسرحية، سجل النقيب عينه أنه “مازلنا نفكر في الدعم بالمنطق البدائي ونحسبه مساعدة لبعض الممثلين المسرحين العاطلين عن العمل”، موضحا أن وظيفة الدعم تتمثل في المساهمة في إنتاج أعمال الهدف منها تحقيق عائدات ثقافية واقتصادية، وتشكيل صورة الدولة وثقافتها”.

واستطرد قائلا: “في الدول الأخرى يسخر المسرح لتحقيق عائدات مادية بشكل مباشر أو غير مباشر لتحريك عجلة الاقتصاد، لكون الموضوع مرتبط بالنموذج الاقتصادي، لكننا لم نع بعد في دولتنا بميكنزمات الدعم، إذ ننظر إليه مثل مساعدة، وليس استثمارا، والفنانين بدورهم يتعاملون معه كحصة مالية لتغطية حاجياتهم”.

وأكد بوحسين، في حديثه إلى الجريدة، أنه في المغرب “تولى أهمية كبيرة للتلفزيون، الذي بات يحظى بإقبال واسع من قبل الجمهور، رغم أنه بسيط في معالجته للمواضيع الفنية بوصفه موجها إلى العموم، لأن مساحة الإبداع تكون أكثر في المسرح والسينما لأنهما موجهان بالأساس إلى النخبة”، على حد قوله.

والحل حسب المتحدث عينه يكمن في “سياسة ثقافية قوية فيها المؤسسة والبنايات والتنوع والدعم المرتفع والدعم المتوسط، الذي يُنظر إليه، وفقه، منذ “حكومة التناوب” إلى الآن مثل “معاونة”، في حين، يواصل بوحسين، أن “الدعم موجه للمجتمع، وليس للفنان لكي تكون له إمكانية الولوج ومتابعة العروض الثقافية مثل أي خدمة عمومية تقدمها الدولة للمواطنين، لتنمية وعيه الثقافي”.

“لم نصنع جمهورا مسرحيا”

من جهته، قال الفنان المسرحي جناح التامي إن الجمهور المغربي “ذكي جدا ومدرك لكل الظروف التي يعانيها الفنان المغربي ولا يمكن استغباؤه، إذ ينشغل بكل ما يقربه إلى الواقع المغربي”، لافتا إلى أن مساحة الحظوظ كلها “يغتالها المشهد البصري من تلفزة وسينما ومواقع التواصل اجتماعي وحريات التنقل الإلكتروني، لذلك يبقى المسرح ممزقا بين جماهير متعددة”، وفق تعبيره.

ويرى التامي، في حديث إلى جريدة “مدار21″، أن هذه العملية نتيجة سياسة تربوية “لم نقدرها ولم نعطها أهمية لنصنع جمهورا مسرحيا مثل جمهور كرة القدم الذي يشعر بلذة الفرجة، لأنه يعرف قواعد اللعبة جميعها من لمسة يد وضربة جزاء وأخطاء واضحة، وهي عناصر لغة خاصة تضيف لذة الفرجة ومن أجلها يدخل الجمهور الملاعب ويتابعها مباشرة”، كاشفا أن هذه اللذة يفتقدها المسرح، لأن الجمهور أحيانا يرفض النموذج الذي لا يعرف قواعده.

وأوضح المسرحي ذاته أن المسرح متعدد المدارس، لكن ما يجذب الجمهور اليوم، بحسبه، هو “الترفيه والكوميديا وهذا ما جعل مسرح “الفودفيل” ينجح عبر القنوات التلفزية، بخلاف المسرح الراقص أو المسرح الكوريغرافي الجسدي، أو العبثي والحديث أو ما بعد الحداثة وحتى المسرح الإيكولوجي الذي يشق طريقه.. ينبغي له متابعات وشروح كثيرة وتوجيهات تنطلق من المدارس والإعداديات والجامعات”.

وتساءل جناح التامي حول فائدة “تدريس المسرح في الجامعات المتخصصة والأكاديميات والمعاهد دون تطوير عملية الاشتغال، وتطبيقه داخل المسارح التي تظل مغلقة لا تستقبل عروضا ولا تجارب ولا تؤسس جمهورها”، مبرزا أن هناك جماعات “لا تبرمج أنشطة مسرحية ولا تدعمها حتى في ظل توفرها على قاعات مجهزة بخشبات، لكنها فقط بنايات لا تشتغل إلا موسميا وبشروط تجعل الفنانين ينفرون منها ويفضلون البحث عن مساحات أرحب وأوسع للانتشار، مثل المواقع والقنوات والاشتغال في المسلسلات لكسب قوتهم اليومي رغم عدم توفير كل الفرص المتكافئة.

وواصل حديثه قائلا: “خاصة أن هؤلاء الفنانين يعانون العطالة لولا بعض الدعم الذي تفتح دوراته وزارة الشباب والثقافة والتواصل أو التلفزة المغربية ومسرح محمد الخامس باقتناء عروض لتقديمها عبر جهات المملكة من حين لآخر، مع العلم أن هناك ضرورة تقديم البطاقة المهنية والإدلاء بالتصريح الضريبي وهذا نقاش آخر”.

ولفت المتحدث ذاته إلى أن هناك مسارح توجد في كل الوزارات الأخرى مثل السياحة والخارجية والبيئة والصحة والتعليم بكل مراحله والجماعات، لكنها “بدون دعم يذكر فقط ثمة بعض الاستثناءات المحتشمة”.

وزاد بالقول: “طموحنا في شباب جديد ينقذ المسار الطويل للمسرح و للرواد، خاصة أن المغرب اليوم بقوة الرؤية السديدة للملك محمد السادس يركز على الموروث الثقافي والشعبي والثروة غير المادية، والنموذج التنموي الهادف إلى خلق مقومات تنموية وقيم إنسانية خلاقة ومبدعة لتطوير جودة عيش مواطن متجدد فاعل ومتفاعل وحاضر في كل المجالات بقوة الاعتراف باستراتيجية الانفتاح على العالم باعتبار المغرب منارة وبوصلة العالم الجديد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News