انتشار الإسلام في إفريقيا على لسان مستشرقين غربيين (3/3)

3-سبنسر تريمنجهام وكتاب (اثر الإسلام في إفريقيا)
-الأثر الديني والثقافي على حياة الافارقة
سبنسر تريمنجهام Spencer Trimingham مستشرق بريطاني كان يعمل رئيسا لقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة كلاسكو بإسكتلندا نشر هذا الكتاب (اثر الإسلام في إفريقيا) سنة 1968 وكان غرضه من نشر هذا الكتاب هو إظهار اثر الإسلام كتراث ثقافي ديني خلف في نفوس الافارقة تغييرا ايجابيا في سلوكهم ومعاملاتهم ونظرتهم إلى الحياة والموت والبعث.
صاحب الكتاب قسم بلاد الإسلام في إفريقيا إلى ستة اقاليم ثقافية اعتمد في تحديدها على المظاهر الجغرافية والعرقية(الاثنية) والثقافية مركز في هذا الفصل على الجوانب التاريخية والثقافية حتى يتم فهم اليات وطريقة الاختراق “السلمي” للإسلام للحدود الجغرافية والبشرية وامتداده وانتشاره في كافة اقاليم القارة الإفريقية. وهذه الاقاليم الستة هي:
1-افريقية البحر الابيض المتوسط
هو اول اقليم افريقي دخله الإسلام عن طريق الفتوحات العربية التي جاءت من الشرق فاصبح الإسلام في هذا الاقليم متأصلا ومغروسا في كل مظهر من مظاهر حياة سكانه مع وجود بعض الفروقات والخصوصيات المحلية خصوصا بين كل من مصر من جهة وبلدان المغرب الكبير من جهة ثانية وهذا الاختلاف ناجم عن بعض الخصوصيات التاريخية لكل بلد من هذه البلدان قبل الإسلام، اذ كان دور مصر محدودا في نشر الإسلام في بلدان إفريقيا نظرا (لأنها تؤلف لوحدها عالما قائما بذاته حول نهر النيل كما ان اتصالاتها كانت مقصورة على بعض اقطار شمال إفريقيا وبعض الاجزاء من منطقة النوبة.)
عكس الوضع في المغرب الذي كان مختلفا عن مصر، فبعد اعتناق المغاربة للإسلام زادت حركته وقوته بفعل هجرة بعض القبائل العربية في القرن الحادي عشر مثل قبيلة بنو هلال وقبيلة بنو معقل، ثم بعده امتد انتشار الإسلام إلى الصحراء الكبرى جنوبا وغربا بفضل القبائل الامازيغية التي تقطن هذه المنطقة فتمدد الإسلام وانتشر مستفيدا من القوافل التجارية التي تخترق الصحراء الكبرى والساحل فاستطاع بذلك الإسلام ان يتقوى لذى طائفة الطوارق الذين كان لهم–بدورهم- الفضل في نشره في غربي السودان ووسطه ولعل اهم مظهر من مظاهر هذا الاقليم الدينية هو انتشار الصوفية التي يعتبر (احمد بن العريف ) من اقدم رجالها وهو من قبيلة صنهاجة الامازيغية.
2-السودان الغربي
اشار الكاتب س. تريمنجهام انه منذ القرن التاسع الميلادي زاد عدد امازيغ الصحراء فتقوت شوكتهم و ازدادت عصبيتهم فتحركوا نحو الجنوب في اتجاه الصحراء وبفضلهم انتشر الإسلام وسط وجنوب الصحراء كما ان هذه الاخيرة (الصحراء الكبرى) -في نظر الكاتب- لم تكن عامل فصل جغرافي او طوبوغرافي او بيئي يمنع وصول الإسلام إلى الساحل الغاني بل ان الصحراء كانت طريقا هاما لتجارة الملح والذهب حتى وصل التأثير الإسلامي في القرن الحادي عشر إلى اعالي السينغال، وعبرت القوافل التجارية هذه الصحراء إلى ساحل دولة غانا لتتبادل معها الملح والذهب والرقيق لكن التأثير الاهم هو ان هؤلاء التجار اوصلوا الإسلام إلى ابعد نقطة من هذا الاقليم الافريقي فخلف الإسلام اثرا في سلوك ومعاملات هذه الاقوام الإفريقية. وفي هذا الاطار اشار الكاتب ان الغانيين (خصصوا حيا خاصا للتجار المغاربة المسلمين وفيه شيدوا لهم مسجدا وبنوا مراكز اسلامية لترسيخ الشعائر والمعاملات الدينية مثل (كوغا) Kugha ونتيجة لهذا التأثير ظهرت طبقة من الزعماء السودانيين الروحيين انشغلت بالحفاظ على الإسلام واحواله وشؤونه.
في نفس الفصل من الكتاب اعاد المؤلف التأكيد على ان دولة المرابطين هي التي كان لها الفضل الكبير في انتشار الإسلام في هذا الاقليم وكان (للامازيغ اثر كبير في انتشار الإسلام في غرب إفريقيا حيث ساد في بدايته في اعالي السينغال في منطقة (التوكولور) وساحل(السوننكي) حتى اصبح المسلمون يشكلون طبقة التجار وبواسطتهم انتشر الإسلام في ساحل غانا وشماله. اما الزنوج الناطقون بلغة (الفلفلدي) في اعالي السينغال والذين يطلق عليهم (التكرور) فقد اعتنقوا الإسلام حتى أصبحوا من المتعصبين له.) نفس المصدر
3-السودان الاوسط
هذا الاقليم يشمل القسم السوداني الممتد من بلاد جماعات (السنغاي)في منتصف النيجر عبر اراضي (الهوسا) إلى منطقة دارفور. وطريقة توغل الإسلام في هذا الاقليم يرجع هو الاخر إلى نظام القوافل التجارية حيت كان التجار القادمين من الشمال الافريقي ينشطون في هذا المنطقة ويقر الكاتب ان (الإسلام لم ينتشر فقط بواسطة التجار وانما كذلك عن طريق رجال الدين الذين جاؤوا من (كانم) ومن السودان الغربي.
4-السودان الشرقي
هذا الاقليم يعتبر منطقة تفاعل بين الحاميين والزنوج وعرب وامازيغ إفريقيا الشمالية وان الاساس البشري لهذا الاقليم هم الاقوام الحامية الشرقية او (الكوشيين) وهو اقليم عصي على كل الاقوام وعلى كل المجموعات والطوائف الاجنبية لحد ان الإسلام والمسلمين لم يسيطروا عليه تماما الا بعد قيام الاسر الدينية التي نشرت تعاليم الشيخ الصوفي عبد القادر الجيلاني وهي طريقة صوفية منتشرة في كثير من البلاد الإسلامية بين الهند والمغرب وكان معلمو هذه الطريقة القادرية من اوائل المهاجرين مثل غلام الله ابن عبدي الذي استقر في دنقلة حوالي 1260-1280 وعلم القرءان والفقه واسس له اسرة دينية هناك كان لها الفضل في انتشار تعاليم الإسلامية الروحية.
5- إقليم شمال شرق الحبشة
هذا الإقليم يعرف بغنى وتنوع اثنياته ولغاته ومعتقداته مع وجود الكثير من التباين الجغرافي والثقافي والديني ويرتبط مصيريا بالقوى المتحكمة على سواحل البحر الاحمر ووادي النيل، وكثيرا من مؤثراته السامية جاءت من الجزيرة العربية ومن المهاجرين الذين جاؤوا عن طريق البحر الاحمر وكونوا مملكة (اكسوم) في اقليم (تيغراي) ونظرا لاتصال بلدان البحر الاحمر بجزيرة العرب –مهد الديانة الإسلامية – فقد دخلت الكثير من المدن والجزر والمراكز المتواجدة على ساحل البحر الاحمر في الإسلام مباشرة بعد ظهوره رغم ان المسيحية كانت متوغلة بقوة في هذه المنطقة حتى قيل (ظلت الحبشة دولة مسيحية في محيط مسلم).
إن التواجد الإسلامي في هذه الاقليم كان مرتبطا هو الاخر بالتجارة التي كانت في اوج نشاطها وعليه اقيمت دويلات اسلامية في هذا الاقليم منها(افات)و(ادال)و(مورا)و (هوبات) و(جدايا) اضافة إلى كثير من القبائل في جنوب نهر (هواش). و قد كان الإسلام في هذه المنطقة قوة كبيرة يقاوم توسع نفود الدولة الحبشية في الجنوب والجنوب الشرقي في القارة الإفريقية.
6-شرقي إفريقيا
كان اقليما سهل الاختراق دخله التجار المسلمون منذ عهد بعيد مكملين مسيرة اجدادهم قبل الإسلام ويتألف من اربعة اقاليم وهي اقليم (باربرا) و(بلاد الزنج) واقليم (سوفالا) وأراضي (واق الواق). يقول الادريسي (1145م) (ان الإسلام دخل مناطق ساحل باربرا وجزيرة زنجبار وفي الشمال وصل الإسلام إلى ساحل كوش فكسب الطبقة الحاكمة لدولة (سيداما)
واجمالا فان انتشار الإسلام في الشرق الافريقي (يختلف عنه في النطاق السوداني ذلك ان الإسلام لم يدخل إلى المجتمعات القائمة آنذاك بالتدريج ولكن انشا في المرحلة الاولى مجتمعات اسلامية سواحلية نمت بعد ان دخل الإسلام اقوام من (البانتو).
-الأثر الديني والثقافي في حياة الأفارقة
يقدم الكاتب س. تريمنجهام الكثير من الوقائع والمعطيات التي تبين ان الإسلام قد غير الاسس الدينية التي كان يقوم عليها الاساس الاجتماعي في الاقاليم الإفريقية المختلفة الا ان هذا التغيير لم يحدث انقلابا او تغييرا اجتماعيا شاملا عند بعض الاقوام الإفريقية، ولم يقبر او يمحو عاداتها وتقاليدها قبل دخولها الإسلام فبقيت هذه القبائل والاسر محتفظة بعاداتها المميزة عن غيرها، ويبدو في نظر الكاتب (ان عملية التغيير الاجتماعي في إفريقيا الزنجية لم تتم على النحو الذي حدث في البلاد التي دخلها الإسلام في اسيا او في الشمال الافريقي ولعل سبب ذلك يعود إلى ان الزنوج الافارقة لم يخالطوا ولم يتمازجوا مع المجتمعات الإسلامية في الشمال الافريقي لوجود الحاجز الصحراوي، لذا فان التغيير إلى نمط الحياة الإسلامية قد مر عبر سلسلة من الخطوات والمرحل لكن حينما تعرف الافارقة على قواعد وقوانين الشرع الإسلامي استطاع المسلمون الافارقة ان يكونوا لهم نمطا خاصا من الحياة بفضل الوعي والنمط الديني الذي زرعه العلماء والفقهاء المغاربة وهو النمط الديني الذي انتشر على نطاق واسع في السودان الغربي) نفس المصدر
اذا كانت التغيرات الاجتماعية تستغرق مدة اطول حتى يتقبلها الناس على عكس التعاليم الدينية التي يمكن اعتناقها بسرعة لما لها من صفة القداسة والاحترام فان النواهي والمحرمات المتعلقة بالحياة الخاصة كالطعام والعادات وذبح الحيوانات او اداء الصلوات نجدها متحققة عند الافارقة في حين ان الامور الخاصة بالعلاقات العائلية او الارث فإنها وجدت صعوبة كبيرة في تطبيقها ولم تصل هذه الاقوام التي دخلت الإسلام حديثا في تطبيق كافة الشعائر والشرائع الدينية الا بعد مدة طويلة، فمثلا نجد الطوارق الذين يسكنون الصحراء مازالوا رغم انهم اسلموا منذ مدة لم يطبقوا بشكل تام هذا الجانب الاجتماعي الإسلامي(الارث) الذي ينظم علاقات الناس بعضهم ببعض. اما الاقوام الذين يعيشون في منطقة النيجر وفي الساحل الافريقي والمتأثرين اكثر بالإسلام (نجد ان زعماء جماعاتهم حاولوا احلال الدية بدلا من الثأر من الاقارب، كما نجد العرف الخاص بتوريث الارامل شائعا بين جماعات (ديولا ) وهم تجار في إفريقيا الغربية وان لم ينجح الإسلام في تغيير عاداتهم وتقاليدهم تغييرا كبيرا) المصدر نفسه
لاحظ الكاتب تريمنجهام (ان البلاد التي اعتنقت الإسلام وهاجر اليها العرب اخذت من عادات العرب وتقاليدهم الإسلامية والمحلية كما حدث في المغرب ومصر اما البلاد التي اسلمت ولم يدخلها العرب المشارقة فظلت محتفظة بكثير من عاداتها وتقاليدها الشائعة قبل اسلامها)
ومن التأثيرات الإسلامية التي لاحظها كذلك المؤلف في الحواضر والمراكز اكثر من القرى والبوادي ان مدن السودان الغربي والسودان الاوسط مثل (تومبوكتو) و(جني) و(سوكونو) كلها مدن معالمها اسلامية واضحة وظاهرة لا تختلف كثيرا عن ام درمان في السودان وفاس في المغرب والقيروان في تونس.
اما الازدواجية في التقاليد والعادات والاعراف والمعتقدات تبدو واضحة في المجتمع الافريقي المسلم بمجرد ان يتحرك المرء خارج هذه المدن
انه يرى ان التأثير الاول للإسلام في هذه المجتمعات ظهر على الاسرة التي غير الإسلام من خلال بعض تعاليمه بعض مظاهرها الخاصة كالزواج والطلاق ورعاية الاطفال وكفالتهم وكذلك العلاقات المتبادلة بين الزوجين ونظام الزوجات الرقيقات او ما يتعلق بأمور توريثهن واكد ان اقتناع وانضباط والتزام المسلمون الافارقة بما اسسه بنيان الدين الإسلامي في موضوع الزواج والتعدد ساعد على تحرر المجتمع الافريقي من العادات التي لا تقيم وزنا للنساء ولا للزواج ولا لكفالة الابناء فحدد لهم الإسلام مفهوم نواة الاسرة فأصبحت مقصورة على الزوجين وابنائهما كما جعل الإسلام لرب الاسرة مكانة مرموقة وكلمة مسموعة (المصدر نفسه).
فيما يخص الزواج من الاقارب كانت كثير من الجماعات الإفريقية تحرم الزواج من نفس العشيرة او البطن فجاء الإسلام وغير هذه الانماط واباح الزواج من ابناء وبنات الاعمام والعمات والخالات.
وفي المجتمعات الإفريقية الزراعية كان تأثير الإسلام ضئيلا حيث نظام الوقف لم يعمل به لان معظم المسلمين كانوا تجارا بينما اشتغل الوثنيون بالزراعة.
ومن الامور التي يراها الكاتب انه يحمد عليها الإسلام انه نهى عن اظهار العورات ونص على ستر الاجسام والزم الافارقة الذين كان بعضهم عراة بارتداء الملابس ولذلك يميز المسلمون عن سواهم في بعض المناطق الإفريقية بملابسهم الطويلة الفضفاضة كما نهى الإسلام باختلاط النساء بالأغراب من الرجال حتى اصبحت دور المسلمين تتميز عن سواها بأسوارها العالية.
من خلال ما اوردناه من معطيات واحداث وحقائق تاريخية يلاحظ ان المستشرقين الثلاث هيسكيت ومونتاي و تريمنجهام ركزوا على العوامل التاريخية التي تشمل الروابط التجارية والهجرة وان مسالة انتشار الإسلام والاندماج الثقافي لساكنة الاقاليم الإفريقية الكبرى كانت بفضل القبائل العربية والامازيغة وبفضل التجار المتنقلين عبر الاقاليم الإفريقية لكن الدور الحاسم في ترسيخ الإسلام السني بمفهومه الروحي تم بفضل الطرق الصوفية
هكذا فمن خلال هذه القراءات الثلاث للمستشرقين تريمنجهام وهيسكيت ومونتاي يلاحظ ان هؤلاء الكتاب الغربيين استطاعوا ان يقوموا بأعمال جليلة حين تناولوا تاريخ الإسلام في إفريقيا بالجمع والكشف والتقويم والفهرسة وعمدوا إلى دراسته ونشره والتصنيف فيه في منشئه وتطوره واتره واقتربوا كثيرا من الكتب والمؤلفات التي الفها العديد من المؤرخين والجغرافيين العرب والمسلمين بل لولا هؤلاء وغيرهم ما كان لباحث او دارس ان يعرف اثار الإسلام على الافارقة في اقاليمه ومناطقه المختلفة والمتنوعة وميزتهم العلمية والمعرفية انهم لم يلبسوا عباءة المستشرقين المبشرين الحاقدين على الإسلام والمسلمين بل ان هناك بعض المستشرقين الذين اعتنقوا الإسلام.