سياسة

عرقلة إسرائيل ووساطة الصين.. هل يمهد تقارب السعودية وإيران لعودة العلاقات بين الرباط وطهران؟

عرقلة إسرائيل ووساطة الصين.. هل يمهد تقارب السعودية وإيران لعودة العلاقات بين الرباط وطهران؟

في الثالث عشر من مارس الجاري، أعلنت السعودية وإيران عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما. دول عديدة رحبت بهذا التطور، منها الولايات المتحدة الأمريكية والجزائر وأيضا الاتحاد الأوروبي، لكن المغرب ولحد الساعة، لم يصدر موقفا رسميا، وهو ما خلف حالة ترقب بشأن تأثير هذه العودة على مستقبل العلاقات بين الرباط وطهران.

ويرى الباحث في العلاقات الدولية، خالد الشيات، أن المملكتين المغربية والسعودية، تشتركان في رفض التأثير المذهبي الإيراني والتدخل في سيادة الدول، وقد تختلفان في التعامل مع العلاقات الدبلوماسية، غير مستبعدٍ في الوقت نفسه أن يكون التقارب بينهما “مؤثرا” في العلاقات بين الرباط وطهران، “إذا عبرت الأخيرة عن رغبتها في طي خلافاتها والتوفف عن سياستها التوسعية والعدائية ضده”.

الرباط والرياض وطهران

المتحدث باسم الحكومة المغربية مصطفى بايتاس، في مؤتمر صحفي عقده عقب المجلس الحكومي الأسبوعي، وبعد أيام من عودة العلاقات بين السعودية وإيران برعاية صينية، قال إن أعضاء الحكومة لم يناقشوا استئناف العلاقات السعودية الإيرانية، وتأثير ذلك على علاقات الرباط مع طهران.

وقطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع طهران في 2018، بعد اتهامات لـ”حزب الله” اللبناني المدعوم إيرانيا بالانخراط في علاقة “عسكرية” مع جبهة البوليساريو عبر سفارة إيران بالجزائر، ما عدته الرباط تهديدا لأمنها، وقبلها تم اتخاذ قرار مشابه عام 2009 ردا على تصريحات إيرانية طالبت بضم مملكة البحرين إلى أراضيها، وهي القطيعة التي استمرت حتى 2016، بعدها عين المغرب سفيرا له في طهران.

وكانت كل من السعودية والإمارات والبحرين، قد أعلنت وقوفها مع المغرب في قطع علاقاته مع إيران عام 2009، معبرة عن وقوفها ضد “التدخلات الإيرانية في شؤون المغرب الداخلية”. مطلع 2016، قطعت الدول الخليجية الثلاث علاقاتها مع إيران واتهمتها آنذاك بامتلاك مشروع توسعي في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، وهو ما نفته طهران وفي أكثر من فرصة لتؤكد أنها ملتزمة بعلاقات حسن الجوار.

أستاذ القانون العام بجامعة محمد الأول بوجدة، خالد شيات، وصف “العلاقات المغربية السعودية بالمدينة والمتوازنة وكانت دائما في مستويات متقدمة ومتوافقة على المستوى الثنائي في أبعادها الإنسانية والسياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.

أما العلاقة بين الرباط وطهران فيتحكم فيها بدرجة أولى، وفق شيات، “سلوك السياسة الخارجية الإيرانية في العلاقة بالسيادة المغربية”، مستبعدا إمكانية تأثير التقارب السعودي الإيراني على العلاقة بين المغرب وإيران، بشكل مباشر.

وبرّر شيات ذلك كون العوامل التي دفعت إلى التقارب الإيراني السعودي هي عوامل خاصة أو ذاتية أكثر من أنها عوامل التي أدت إلى القطيعة الدبلوماسية بين البلدين، والتي ما زالت موجودة.

وقبل ستة أشهر، اتهم وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة، إيران بـ”تهديد السلم الإقليمي والدولي”، معتبراً أنها أضحت هي “الراعي الرسمي للانفصال ودعم الجماعات الإرهابية في عدد من الدول العربية”، وذلك بالتزامن مع تقارير استخباراتية قالت إن إيران سلمت جبهة “البوليساريو” الانفصالية طائرات “درون” مسيرة لضرب المغرب، بتمويل جزائري.

وقال وزير الخارجية المغربي، في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره اليمني أحمد عوض بن مبارك، إن “طهران، بتبنيها لفاعلين غير حكوميين مسلحين، أصبحت تهدد السلم الإقليمي والدولي، عن طريق حصول هؤلاء الفاعلين على أسلحة وتقنيات متطورة، على غرار الطائرات المسيرة”.

وحمّل بوريطة المجتمع الدولي مسؤولية تطور الأوضاع في حال عدم تصديه للجانب الإيراني، معتبراً أن إيران “هي الممول والداعم الرسمي للانفصال والجماعات الإرهابية عبر تسهيل حصولهم على أسلحة متطورة، فضلاً عن تدخل طهران في الشؤون الداخلية للدول العربية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق جماعات إرهابية مسلحة”.

وأضاف: “المغرب بدوره يعاني مما تقوم به إيران من هذا التدخل، لذلك فنحن نعتبر أن إيران هي الراعي الرسمي للانفصال والإرهاب في الدول العربية”، مشيراً إلى أن “الدول التي تُمكِّن طهران من هذا النوع من الأسلحة عليها أن تتحمل مسؤوليتها لما تشكله من خطورة على سلامة وأمن عدد من الدول، خاصة أن هؤلاء الفاعلين غير الحكوميين لا يتوفرون على مسؤولية قانونية”.

خالد شيات قال أيضا إن إيران تهدف لإيجاد قدم لها في منطقة شمال إفريقيا “لديها أيضا أدوات وتصورات للتواجد في إفريقيا وأدواتها كثيرة منها الأداة الاقتصادية والعلمية وأدوات ذات طبيعة مؤثرة على المستوى العسكري، كحزب الله وفيلق القدس وغيرها”.

واعتبر أن وجودها بالمنطقة وعلاقتها مع البوليساريو تدخل في إطار الاستراتيجية الإيرانية ومادام هناك تهديد إيراني مباشر للوحدة الترابية للمغرب والترابط الكبير والعلاقة المتميزة التي تجمع بين طهران والجزائر ومن خلالها تبعاتها وصنيعتها البوليساريو سيكون من الصعب أن تتصور أن هناك تأثير التقارب السعودي الإيراني على العلاقات بين الرباط وطهران.

لكنه في المقابل، يرى أن الصدام السياسي بين المغرب وإيران في السنوات الأخيرة “ليس قدرا كما يقال، يمكن تصحيح الأوضاع في العلاقات الدبلوماسية”.

عدو مشترك

وعن إمكانية عرقلة التقارب غير المسبوق بين المغرب وإسرائيل، واللذين يعتبران إيران عدوا مشتركا، ترميم العلاقات بين المغرب وإيران، سجل شيات أن هذه العلاقات تحكمها أنساق جيو سياسية كبرى، ووجودها في إطار الاتفاق الثلاثي مع الولايات المتحدة الأمريكية يوفر لها ضمانات كثيرة الاستمرار.

وأوضح أن العلاقات بين الرباط وتل أبيب اختيار مغربي لاعتبارات ذات طبيعة جيوسياسية أكثر ما هو اختيار ذات طبيعة أخرى، ومكاسب الرباط واضحة وبينة، ويتأثر بعاملين أولهما المكاسب المتعلقة بقضية الوحدة الترابية وثانيا قيام الدولة الفلسطينية وحل الدولتين.

وقال إن الوضع الداخلي لإسرائيل لاسيما التحول الذي حدث من خلال هذه الحكومة الأخيرة وهذا التحالف الحكومي الذي يحكم في إسرائيل والذي أصبح لديه توجهات شوفينية وتوجهات عنصرية أكثر مما كان موجودا سابقا، وهو توجه يضرب مسار التقارب، يمكن له أن يتسبب في توتر العلاقات بين الرباط وتل أبيب وربما قطيعة.

وأردف في السياق ذاته “اذا لم يتم تحقق المكسبين، فالقطيعة ستكون أمرا طبيعيا وقد يخدم ذلك العلاقات المغربية في مستويات وأبعاد أخرى، ليست بالضرورة مع إيران ولكن مع دول أخرى أيضا”.

الجزائر لا تؤثر

واستبعد المحلل السياسي أن يكون للجزائر “دور” في التأثير سلبا على عودة العلاقات بين المغرب وإيران، على اعتبار أن الجارة الشرقية “موضوع سياسة” لإيران وليست عاملا من عوامل التأثير وليست حليفا رئيسيا بالمفهوم التقليدي.

وأشار إلى أن طهران اختارت الجزائر لاعتبارات متعددة، أبرزها حاجة النظام الجزائري لبهرجة سياسية، وخاصة فيما يتعلق بالمقاومة على المستوى الصوري والشكلي، وأيضا قابلية المستوى السياسي الداخلي ليكون ملعبا للتحول على المستوى المذهبي والديني وعلى مستوى التشييع.

وتنظر إيران، حسب تحليل شيات، للجزائر منطلقا لمفهوم الدولة أو الحكومة العالمية التي تتبناه إيران مع مجيء آية الله الخميني والثورة الإيرانية والتي تعتبر الفضاء والمجال في العالم الإسلامي فضاء لتصدير الثورة، مشيرا إلى أن هناك نقاط أساسية ترتكز عليها طهران، منها مستويات ثقافية وفكرية وأيضا على المستوى الجغرافي.

وتابع شارحا “إيجاد قدم في شمال إفريقيا سيكون مناسبا لإيران، خاصة أن عقلية الجزائر الانتحارية إما أن تربح كل شيء أو تحول المنطقة لجحيم حتى لو كان ذلك على حساب تحويلها لمنطقة صراع شيعي سني أو مذهبي، تدعم أهداف الدولة الفارسية”.

الصين.. وسيط محتمل

وعن الصين التي كانت راعية لنهاية للأزمة التي نشبت بين إيران والمملكة العربية السعودية، قال المحلل السياسي الشيات، إنها قررت وإضافة إلى الدور الاقتصادي التقليدي، التدخل على مستوى الفعل السياسي، خاصة أنه يخدم أجندتها الاقتصادية والتجارية.

واعتبر أن هذا منطق بكين أصبح موجودا في محاولاتها لإيجاد حل، ليس فقط كما فعلت مع الرياض وطهران، ولكن أيضا مع أوكرانيا وروسيا وهو ما سيجلب لها مكاسب على مستوى التأثير العالمي.

وسجل المتحدث أن الصين دولة قوية وحاضرة على مستويات استثمارية كبيرة في إفريقيا بحوالي 160 مليار دولار السنة الفارطة ولديها تأثير على مستوى البنيات التحتية ولديها حضور على مستوى تطور ونمو الدول الإفريقية وهو ما تتقاطع فيه مع المغرب.

وأردف :”يمكن للصين أن تفكر أيضا أن يكون لها دور في شمال إفريقيا باعتبار أن المغرب لديه أيضا تصور على المستوى الاقتصادي والتنمية بالقارة السمراء، وبالتالي يمكن أن يكون فاعلا في استقرار المنطقة وبالتالي مساعدة بكين في إيجاد مكاسب أخرى اقتصاديا وتجاريا”.

وتوقع أن تلعب الصين دور الوسيط بين الطرفين، “حتى لو كانت الجزائر تعارض ذلك ورئيسها يشير لقطيعة أبدية ولا عودة، ولكن هي إشارة لا يمكن أن تقدمها للحلفاء الاستراتيجيين بمن فيهم الصين وروسيا اللتين يمكن أن تكونا من العوامل العليا الفوقية التي تجبر الجزائر على اختيارات أكثر عقلانية”.

وخلص إلى أن تحويل منظومة التحالفات على المستوى الدولي في منطقة شمال إفريقيا، والذي يتفاعل معها المغرب، يساعد على بناء عالم متوازن ويخدم المصالح، “ليس فقط للدول التي تسعى لإيجاد قدم على مستوى العلاقات الدولية بما فيها روسيا والصين، بل حتى مصالح الدول التي تطمح لتكون متقدمة ومتطورة في المستقبل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News