سياسة

الاتفاق الإيراني السعودي.. جبل جليدي ما يظهر منه أقل بكثير مما يخفيه

الاتفاق الإيراني السعودي.. جبل جليدي ما يظهر منه أقل بكثير مما يخفيه

يحدد بيان إعادة استئناف العلاقات السعودية-الإيرانية، الذي أعلن عنه نهاية الأسبوع الفارط بشكل مفاجئ، وصدر بعد محادثات مباشرة في بكين، فترة شهرين للجانبين السعودي والإيراني، لاستئناف العلاقات رسميا وإعادة فتح البعثات الدبلوماسية.

وينهي الاتفاق قطيعة دبلوماسية مستمرة منذ سبع سنوات بين الغريمين التقليدين أدت لإشعال فتيل الاضطرابات في الشرق الأوسط. لكن عدا ذلك، أتت لغة البيان مبهمة إلى حد ما، بما في ذلك “تعهد كل جانب احترام سيادة الطرف الآخر وعدم التدخل في الشؤون الداخلية” له.

واعتبر أحمد نورالدين، خبير في العلاقات الدولية، أن الإعلان من العاصمة الصينية عن استئناف العلاقات بين السعودية وإيران يوم 11 مارس، ظاهريا يمكن اعتباره تحولا في الدبلوماسية السعودية في إطار بحثها عن توازنات جيوسياسية واقتصادية ردا على ما تعتبره الرياض تراجعاً من واشنطن في عهد إدارة جو بايدن عن التزاماتها السابقة بتأمين حماية دول الخليج في مواجهة الخطر الإيراني.

ومن جهة أخرى، يرى نور الدين، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن الاتفاق يمكن اعتباره أيضا تعبيرا عن تغيير استراتيجي أملته حسابات الربح والخسارة مع إيران بالذات، خاصة بعد أن برهنت طهران عن قدرتها ضرب الأهداف الحيوية السعودية بالمٌسيّرات التي تمد بها “تنظيم الحوثيين” في اليمن.

وتابع الخبير في العلاقات الدولية شارحا: “وقد رأينا استعراضا خطيرا للقوة في شتنبر 2019 حين تمكن الحوثيون من شل نصف الإنتاج السعودي من النفط في أكبر حقل بترولي في العالم، مما تسبب في رفع سعر البرميل بنسبة 19% في ليلة واحدة. ووقفت السعودية عاجزة عن حماية حقولها ومطاراتها”.

وقال المتحدث إن طبيعة الصراع الأيديولوجي بين نظام الملالي الطائفي في طهران وبين نظام يتبنى الوهابية في الرياض، يجعلنا نتريث في القبول بفرضية التغير الاستراتيجي، وما يؤيد ذلك هي الطبيعة المعقدة للعلاقات الأمريكية السعودية، وقد صرح البيت الأبيض بأن السعودية أطلعته على تطور المحادثات مع إيران، أي أن محادثات بكين وإن لم تشارك فيها واشنطن فإنها كانت تجري تحت مراقبتها.

ووصف نور الدين الاتفاق بـ”الجبل الجليدي، ما يظهر منه أقل بكثير مما يخفيه”، مبرزا في السياق ذاته أن الولايات المتحدة تريد التركيز على هزم روسيا في الحرب الأوكرانية، وكل ما يخدم هذا الهدف قد تقبل به ولو على مضض، والتقارب الإيراني السعودي قد يؤدي إلى التخفيف من العقوبات الأمريكية على النفط والغاز الإيراني، وهو ما تسعى إليه إيران بكل قوة، وفي المقابل قد تأخذ طهران مسافة من موسكو كما تفعل الصين.

وأوضح أن تخفيف الحظر على إيران في مجال الطاقة يخدم أيضا الأهداف الأوروبية الأمريكية في بحثها عن بدائل للغاز الروسي، مضيفا :”كما يخدم بالتأكيد مصالح الصين التي تريد تأمين طريق الحرير والحزام البحري الذي يعبر منطقة الخليج العربي، بالإضافة إلى أن نجاح وساطتها يؤشر على تحولها من مجرد عملاق اقتصادي إلى قوة دبلوماسية وسياسية في الساحة الدولية”.

وأعلنت السعودية وإيران، الجمعة الماضي، الاتفاق على إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بينهما منذ عام 2016، وفقا لبيان مشترك صدر عن البلدين.

وقال البيان المشترك الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية السعودية “واس” إنه وبعد محادثات في الصين “تعلن الدول الثلاث أنه تم توصل السعودية وإيران إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثليهما خلال مدة أقصاها شهران”.

وأضاف أن “الاتفاق جاء استجابة لمبادرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ وبدعم من الصين لتطوير علاقات حسن الجوار”، بالإضافة إلى تأكيد البلدين “على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”.

وتحدث المصالحة فيما تجد إيران نفسها معزولة بشكل متزايد على المسرح العالمي وتغير السعودية مسار سياستها الخارجية لصالح الدبلوماسية بدلا عن المواجهة. ومع التركيز على التنمية الاقتصادية، تحركت السعودية وجارتها الإمارات في السنوات الأخيرة لإصلاح العلاقات مع معظم خصومهما الإقليميين.

وتراجعت الرياض عن السياسة الخارجية المتشددة التي تبنتها عندما دخل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى المشهد بعد أن تولى والده الملك سلمان العرش في عام 2015. وقد تصالحت مع تركيا، وانخرطت مجددا مع سوريا، ودعمت وقف إطلاق النار في اليمن.

وقطعت السعودية العلاقات مع إيران، في عام 2016، بعد اقتحام سفارتها في طهران في أثناء خلاف بين البلدين بشأن إعدام الرياض رجل دين شيعي، كما أنها جاءت بعد عام على بدء العمليات العسكرية من “التحالف العربي بقيادة السعودية” ضد الحوثيين في اليمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News