مجتمع

“مجلس الشامي” يُعرّي أعطاب الوظيفة العمومية ويكشف أسباب نزيف هجرة الكفاءات

“مجلس الشامي” يُعرّي أعطاب الوظيفة العمومية ويكشف أسباب نزيف هجرة الكفاءات

أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن الرأسمال البشري الحالي المتواجد في الوسط المهني “تشوبه مجموعة من النواقص فيما يتعلق بالتأهيل والتكوين والتخصـص والقدرة على الابتكار، مسجلا أنه لا يساهم على النحو الأمثل في النمو الاقتصادي للمغرب وتعزيز تنافسيته الدولية في سلاسل القيمة العالية.

وضمن رأي حديث أعده في إطار إحالة ذاتية، تحت عنوان “تثمين الرأسمال البشري بالمغرب في الوسط المهني”، أقرّ المجلس الاقتصادي بغياب مناخ عمل تحفيزي للرأسمال البشري داخل الوظيفة العمومية، وقال إنه “بالرغم من الارتفاع النسبي لمتوسط الأجر الشهري في الوظيفة العمومية فإنها لا تتمكن من استقطاب الكفاءات العليا والاحتفاظ بها مقارنة مع القطاع الخاص”.

وعزا المجلس ذلك إلى وجود سياسة أجرية شبه جامدة لا تواكب العرض والطلب في سوق الشغل، وتعتمد بشكل كبير على نظام ترقية قائم على سنوات الأقدمية ولا يعترف بالمهارات والخبرات المتراكمة للموظف ومن جهة أخرى، تخلق منظومة الأجور التباين بين الأجور، حيث يضاعف الحد الأقصى من الأجور 21 مرة الحد الأدنى منها”.

وسجل المجلس الاقتصادي، في تقريره الذي يتوفر “مدار21” على نسخة منه، ضعف قدرة الاقتصاد الوطني على استيعاب الساكنة في سن الشغل، واعتبر أن هذا الضعف “يكاد يكون هيكليا بالرغم من عدة سياسات تستهدف الرفع من مناصب الشغل سواء منها السياسات النشيطة للتشغيل أو السياسات القطاعية والتي تسجل غياب تقييم الأثر على التشغيل وجودته”.

ووفق الأرقام التي كشفها تقرير المجلس الذي يرأسه أحمد رضا الشامي، فقد بلغ المعدل السنوي لاستحداث مناصب الشغل 112 ألف منصب بين سنتي 2001 و2019، في حين تزايد عدد الشباب الذي بلغوا سن الشغل 15 سنة وأكثر بمعدل 374 ألف شخص سنويا خلال الفترة نفسها.

كما سجل المجلس “ضعف إنتاجية العمل على الصعيد الوطني”، لافتا إلى “غياب انتقالية اليد العاملة من القطاعات ذات القيمة المضافة الضعيفة نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، حيث أوضح أن القطاعات الخدماتية التي تفوق حصتهـا 50 في المائة من الناتج الداخلي الخام سـجلت أدنى وتيرة لإنتاجية العمل، تقدر ب 1.3 في المئة في حين، سـجل القطاع الفلاحي أعلى وتيرة تقدر ب4.8 في المائة.

ويرى المجلس الاقتصادي، أن الوظيفة العمومية تشوبها نقائص تحول دون توفير ظروف العمل المحفزة على الإنتاجية والإبداع بالمقارنة مع الوظيفة العمومية في دول رائدة ككوريا الجنوبية وكندا وفرنسا”، مسجلا غياب ما أسماه “مبدأ التناوب في شغل مناصب المسؤولية”، ومعتبرا أن هذا الغياب يقلص بحدة من فرص الارتقاء الوظيفي.

ونبه المجلس في مجال الصحة والسلامة في العمل، إلى أن الإطار التشريعي في هذا المجال يبقى “متجاوزا وغير كاف”، مشيرا إلى أن القطاع الحكومي المكلف بإصلاح الإدارة يعكف منذ سنوات على إعداد مشروعي قانونين، يتعلق الأول بالصحة والسلامة المهنية في الوظيفة العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، والثاني بالأمراض والحوادث التي يتعرض لها المنخرطون في نظام المعاشات المدنية.

وأكد “مجلس الشامي”، أن طموح المغرب في أن يصبح بلدا صاعدا وتنافسيا ويعزز مكانته في سلاسل قيمة ذات القيمة المضافة العالية على الصعيد العالمي، ويضمن تموقعه على المستوى الإقليمي، ويحافظ على ريادته على الصعيد الإفريقي، وينجح فى انتقاله الأخضر والرقمي “يتطلب مواكبة وتأهيل الرأسمال البشري حتى يرقى بمستوى مهاراته وكفاءاته وقدرته على الإبداع وقابليته للتلاؤم مـع متطلبات سوق الشغل، والتكيف مـع سرعة التغيرات المطردة”.

ولتجاوز النواقص التي تحد من قدرات الرأسمال البشري المتواجد في الوسط المهني، دعا المجلس الاقتصادي إلى “وضع منظومة متكاملة لتطوير الكفاءات والتعلم مدى الحياة تمنح للأفراد إمكانية استدراك مسارهم التعليمي الأساسي واكتساب مهارات وكفاءات جديدة في تخصصات واعدة وتجديد رصيدهم المعرفي والمهني والانخراط في مسلسل التطوير والابتكار”.

وأوصى المجلس بـ”إجراء إصلاح شامل لمنظومة التكوين المستمر تعزز ثقافة التعلم لدى المشغل وتحمي حق الأجير والموظف في الولوج إلى هذا النوع من التكوين”، و”تفعيل مقتضيات القانون 60.17 المتعلق بالتكوين المستمر، لا سيما فيما يخص تمكين الأجراء من الاستفادة من التكوين بمبادرة شخصية”، فضلا عن “مراجعة مساطر اعتماد مكاتب الاستشارة في التكوين المستمر بما يضمن فعالية وجودة التكوينات المقترحة”.

كما دعا إلى توحيد المنهجية في تدبير الموارد البشرية في القطاع العام بشأن ظروف التوظيف والترقية وسياسة الأجور، وذلك من أجل ضمان تكافؤ فرص الولوج للقطاع العام تدبير المسارات المهنية للموظفين، مطالبا بمراجعة “شاملة وعميقة لمنظومة الوظيفة العمومية من أجل تقريب الأنظمة الأساسية فيما بينها وتقليص الهوة بين القطاعات العمومية مع مراعاة الإكراهات والخصوصيات التي يكتسيها كل قطاع”.

وشدد المصدر ذاته، على ضرورة تحيين التشريع الاجتماعي وملاءمته مع المبادئ التي أقرها الدستور الجديد ومع الالتزامات الدولية للمغرب، وضمان احترام القواعد والالتزامات التي تقرها عبر توسيع صلاحيات مفتشي الشغل ومراقبي الضمان الاجتماعي وتعزيز إمكانياتهم، لا سيما فيما يخص التصريح في الأنظمة الإجبارية للحماية الاجتماعية واحترام شروط العمل الليلي، وساعات العمل والعطلة الأسبوعية، والعطل السنوية، والصحة والسلامة في العمل مع التركيز على المجالات التي تسجل نسب مرتفعة من العمل غير المنظم.

وأكد المجلس كذلك، على ضرورة تعزيز وقاية العمال والعاملات من مختلف أنواع العنف والتحرش التي يتعرضون لها أثناء قيامهم بمهامهم، لاسيما العنف والتحرش والاستغلال الجنسي والتحرش المعنوي والمصادقة على الاتفاقية 190 لمنظمة العمل الدولية الخاصة بشأن القضاء على العنف والتحرش في أماكن العمل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News