رأي

دور المسيد في القرية المغربية

دور المسيد في القرية المغربية

المجتمع الأمازيغي منذ القدم كان يعيش التنظيم في تدبير شؤونه العامة والخاصة، في ما كان يسمى ” إنفگورن” “الجماعت”.

ومع دخول الإسلام، إلى القرى المغربية، واعتباره دين الأمة، كان لمؤسسة المسيد في كل قرية مغربية مكانة مهمة ورمزية كبيرة، تجسد الانتماء إلى الإسلام، ومؤسسة اجتماعية تدبر شؤون أهل القرية.

وأول ما كان يشيد في القرى بعد دخول الإسلام، المسيد، في مكان غالبا وسط القرية، أو في مقربة من الساكنة، يشيدوه المهارة في البناء من أبناء الدوار أو المنطقة، وتتكفل القرية بكل المواد الأساسية في بناء وتشييد البناية من البداية إلى النهاية.

ثم يتم الاحتفال بإنهاء البناء، والتعاقد مع إمام لجمع الصلوات، وتحفيظ الأبناء القرآن الكريم، وصلاة على الجنائز والاشراف على الدفن، وحضور الولائم الدينية، والوعظ والإرشاد للساكنة، والتداوي بالأعشاب والرقية الشرعية، وتوثيق الأعراس، والبيوع، وكتابة وقراءة الرسائل العائلية، بينما تتكلف الساكنة بالتناوب في توفير الوجبات اليومية بالتناوب، والاحسان إلى الإمام في المناسبات الدينية، والشرط السنوي كل عيد أضحى.

ويسكن الإمام عادة في المسيد، في غرفة خاصة، بينما تخصص غرفة كبيرة في المسيد للجماعت، حيث يجتمع كبار السن والعقلاء من أهل القرية، يتناقشون في أمور الدوار وقضاياه، ولا يحضر الإمام إلا نادرا وعند الضرورة وبطلب منهم، للاستعانة به في معرفة موقف الشرع وتجنبا لأي انفلات أو الوقوع في الخطأ والخطئة.

وبذلك تكون مؤسسة المسيد قد جمعت بين الدور الديني، والدنيوي، محافظة على تماسك الساكنة، وارتباطهم بالدين السمح المعتدل، وتجنبا لأي انقسام أو تشتت.

ومع أزمة الإرهاب الدولي، وتأثر المغرب بذلك، وانخراط الدولة في إعادة هيكلة الحقل الديني، بما فيه المسيد، تراجع دور هذه المؤسسة ليقتصر فقط في الصلوات الخمس، وقراءة الحزب الراتب، بينما لم يعد يسمح باللقاءات والاجتماعات الخاصة بمناقشة أمور الدوار وقضاياه، وذلك بتفريق أمور الدين عن الدنيا، ومحاولة ممارسة العلمانية بطريقة أخرى.

ومع تراجع دور المسيد في تحفيظ القران الكريم بالقرى المغربية نكون قد خسرنا جيل من الأطفال حرموا من حفظ القرآن الكريم، وتقلصت علاقة الساكنة بالمسيد، يصل أحيانا إلى درجة النفور في بعض القرى.

وتجاوزا لهذا الوضع الجديد الذي حاولت الدولة أن تعالج به إشكالية أزمة الإرهاب لتقع في أزمة مؤسساتية اجتماعية ذات جدور وانتماء تزكي التماسك الاجتماعي والعائلي بالقرى، يبقى من الضروري إعادة النظر في أدوار مؤسسة المسيد بالقرى المغربية من أجل الحفاظ على الخصوصية المغربية في التدين الوسطي المعتدل والمناخ الاجتماعي المبني على التفاعل بين الديني والدنيوي من أجل السلم الاجتماعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News