مهرجان موازين وإشكالات إبراز الهوية المغربية

على مدار عشرين سنة متتالية من تنظيم مهرجان موازين الذي أصبح يوصف بالعالمي، والمتتبع المغربي المهتم بالشأن الثقافي ينتظر أن يلعب هذا المهرجان أدواره الحقيقية التي أُسِّس لأجلها والمتمثلة في تعزيز الثقافة المحلية وتعريف الجمهور الدولي بها، بالموازاة مع تعريف الجمهور المغربي بمختلف التجارب الموسيقية العالمية الفريدة. فإلى أي مدى نجح هذا المهرجان في تحقيق الأهداف المتوخاة من تأسيسه؟
لا شك أن المهرجانات من أهم الفعاليات التي تعزز الهوية الثقافية، كما أنها تلعب دورًا بارزًا في تنشيط السياحة والاقتصاد المحلي ودعم الفنانين من خلال تسليط الضوء على مواهبهم، مما يعزز الحركة الفنية بالبلاد. وبلغة الأرقام، فموازين من الفعاليات التي حققت رقمًا قياسيًا من الحضور الجماهيري الذي بلغ ما يقرب من ثلاثة ملايين متفرج في الدورة الأخيرة، وهذا ما يعتبره القائمون على المهرجان نجاحًا كبيرا. كما أنه تمكن من جلب فنانين عالميين – إذا تحققت لجميعهم هذه الصفة – لتنشيط فقراته وإحيائه. لكن لنلقي نظرة عن كثب على واقع حال هذا المهرجان. هل الحضور الجماهيري المكثف وحده كافٍ للحكم بنجاح أي تظاهرة فنية؟
الشيء الوحيد الذي نجح فيه موازين هو إثارة الجدل. فإشعاع المهرجان ونجاحه لا يكون إلا بإبراز الهوية الثقافية المغربية، وليس بتهميش الفنانين المغاربة والفرق الفلكلورية المحلية التي نمتلك منها الكثير، والتي تعكس التنوع الثقافي لبلادنا. وبالنظر للوجوه الفنية المغربية التي نشاهدها في المهرجان، فهي تتكرر كل سنة، وفي الغالب فهي لا تقدم إلا الغناء الشعبي، علمًا أننا نملك من تنوع الأعمال والأشكال الفنية واختلاف الأهازيج ما يجعلنا من أعرق البلدان موسيقيًا. كما أن المهرجان لا يخصص لها إلا منصة وحيدة، وهي سلا لاحتضان حفلاتها، وهذا ما يعد فرزًا مكانيًا يضع الفنان المغربي دائمًا في مرتبة رمزية أدنى.
كل هذا يعني أن أول بند من اتفاقية التبادل الثقافي ينتفي ويسقط، فإذا كنت لا أعزز هويتي الثقافية وأبرزها وألمعها، فلن أساهم في هذا التبادل.
الأدهى والأمر أنه عندما فكر المهرجان في إعطاء فرصة لفنان شاب مغربي لإبراز موهبته وسمح له بتقديم عرضه على منصة السويسي بالرباط، وقع الاختيار على مغني راب أثار الجدل والسخط بعرضه الذي يشعرك للوهلة الأولى أنك داخل طقس شيطاني، إذا ما نظرت إلى شكل الفنان والراقصين ناهيك عن الإضاءة المستخدمة والأصوات الصاخبة التي لا تسمح لك بسماع كلمات الأغاني إلى أن تفاجأ بكلمات نابية غير لائقة بالمشاهد، وذلك تحت ذريعة حرية التعبير. العرض بُثَّ على القناة العمومية الثانية في غياب تام لدور الرقابة، والغريب أن عدد حضور هذا الحفل وصل لنصف المليون، معظمهم من الأطفال والشباب الذين رصدتهم الكاميرات وهم في حالة غريبة نتيجة تناول أقراص مخدرة، أتوا لمشاهدة مغني يفتخر دائمًا في تصريحاته بإدمانه الحشيش. مما يطرح تساؤلات عدة حول مستقبل شبابنا وأطفالنا، قدوتهم، ومدى قدرتهم على التذوق الفني. هل هذه هي الصورة الإيجابية التي يحاول المهرجان تعزيزها وإعطائها للجمهور الدولي؟
لننتقل للحديث عن دور المهرجان في التعريف بالموسيقى العالمية، فموازين ولسنوات عديدة، وحتى من خلال الوصلة الإشهارية التي تعلن عن بدء دورته، وهو يحمل شعار موازين – إيقاعات العالم، وقد أخذ على عاتقه دور التعريف بها. فما الذي قدمه المهرجان لجمهور مغربي يتمتع بأذن موسيقية ويتميز بانفتاح كبير وتقبل للفن العالمي الجيد؟
موازين استقطب فنانين استعراضيين أجانب لا يقدمون سوى الرقص الفاضح والعري المستفز المقصود، وهم أبعد ما يكون من أن يعرّفوا بثقافة وتراث بلدانهم الموسيقي والفني. وبهذا ينتفي ويسقط البند الثاني من اتفاقية التبادل الثقافي، فلا نحن أبرزنا هويتنا الثقافية وعززنا صورة إيجابية عنها، ولا نحن تعرفنا على إيقاعات العالم وطورنا ثقافة شعبنا الموسيقية. فما الغرض من مهرجان لا يحقق الأدوار المنوطة به، بل يقضي على الذوق الفني عوض أن يساهم في تنميته؟
في الختام، لابد أنه على القائمين على الشأن الثقافي بالبلاد وعلى المهرجان مراجعة أهداف موازين وغاياته، لأننا على يقين أنه يحقق نتائج عكسية لما روج كثيرًا بأنه أُسِّس لأجله. وذلك من خلال تعزيز الثقافة المحلية والعالمية بإعطاء مساحات أكبر ومنصات عرض أكثر وفرص متساوية للفرق المحلية والفنانين المغاربة، روادًا وشبابًا، مع ضرورة جلب فنانين عالميين يمثلون ثقافتهم الأم ويقدمونها بشكل يراعي الذوق العام للجمهور المغربي المحافظ. كما أنه من الممكن تعزيز فقرات المهرجان بندوات ومحاضرات تساعد في مناقشة وتقييم البرامج المقدمة، وأيضًا التواصل والتفاعل مع الجمهور لإعطائه فرصة إبداء الرأي، دون أن ننسى ضرورة تعزيز دور الرقابة على المحتوى المقدم ليناسب الجمهور المغربي.
فنحن في حاجة لفعاليات تعزز هويتنا الثقافية، لا أن تساهم في طمسها والقضاء عليها.