تَحذِيرَات من تَبِِعات الاستهتار من الزلازل.. هل تتحرك “وزارة المنصوري” لتغيير معايير البناء؟

دق عدد من الفاعلين السياسيين والمهتمين ناقوس الخطر بشأن معايير البناء في المغرب، داعين وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة إلى صياغة قوانين استباقية، والقيام بتعديلات على قوانين التعمير للقطع مع العشوائية القائمة، من أجل تفادي كوارث إنسانية في قادم السنوات، قي حال حدوث زلازل بالمغرب.
وقبل الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وخلف آلاف الضحايا والخسائر المادية، عاشت مدن مغربية على وقع هزات طفيفة، لم يكن لها آثار مدمرة، تعيد للأذهان فواجع الحسيمة وأكادير، لكنها تمكنت من شد انتباه المغاربة إلى مدى قدرة البنية التحتية بالبلاد على الصمود ساعة الكارثة، الأمر الذي يسائل سياسة التعمير، التي لاتزال متأخرة في استيعاب أهمية الاستعداد القبلي للحوادث.
في هذا السياق، استحضر المهندس المعماري الموساوي عبد العزيز، في تصريح ل”مدار21″، أن الخطر كبير في حال حدوث ما لا يحمد عقباه، ذلك أن البنية التحتية المغربية، إضافة إلى معايير التعمير في أغلب المدن المغربية سيجعل الخسائر كبيرة، داعيا إلى ضرورة إقرار سياسة استباقية في المغرب لمواجهة أي زلازل مرتقبة، وتفادي كوارث إنسانية.
وأورد الموساوي عبد العزيز أن “بعض الطوابق في البناء المغربي، منها الطابق السفلي، لا تخضع لأدنى معايير السلامة من بعض الجوانب، إضافة إلى الرخام الذي يتم إلصاقه بواجهات المنازل، إذ يمكن أن يسقط بمجرد اهتزاز الأرض ما بين 3 و4 درجات، لأن إلصاقه يتم عن طريق “السونطوفير” وهو لصاق يتم استعماله لتثبيت الصباغة على السيارات، وهذا الأمر مخجل جدا لكن البعض لا يقوم بعمله”، مضيفا “يمكن إلصاق الرخام لكن بواسطة المسمار الملولب ويعتمد قواعد معينة”.
إضافة إلى أنه من بين المعايير التي يجب الاستعداد بها للزلازل، حسب الموساوي هو أن “تكون القناطر مشيدة على شكل قطع وليس قطعة واحدة، لأنه في حال تهدم جانب لا تسقط باقي الأجزاء، لأن الهزات الأرضية تتضمن الهزات العمودية والأفقية، ذلك أن الأولى تأتي من تحت إلى فوق وفي هذه الحالة يمكن أن تسقط القناطر بسهولة، وحتى الأرضيات للعمارات يمكن أن تشق، أما الأفقية فمرتبطة بهزات الصفائح التكتونية”.
في هذا السياق، يقدم الموساوي مثال النفق البحري الرابط بين فرنسا وإنجلترا، البالغ 42 كلم، مؤكدا أنه “أسهل من النفق الذي يعتزم كل من المغرب وإسبانيا تشييده، رغم المسافة القصيرة بين القارتين، ذلك أن القشرة التكتونية لكل من القارتين الإفريقية والأوروبية يتحركان قليلا فيما بينهما، وفي حال تزحزح كل من القارتين في اتجاهين مختلفين بسنتيمات يمكن للنفق أن يتهدم، لأن الأرض في حركة دائمة”.
وفيما يخص البناء المضاد للزلازل، أكد الموساوي أن “هناك في المغرب القانون الذي جاء إبان زلزال الحسيمة، لكنه غير كاف وغير شاف، لكن يمكن أن يكون درعا واقيا رغم عدم قوته، مشبها إياه بـ”خوذة الدراجة النارية”.
وتابع أنه منذ زلزال أكادير تم منع البناء فوق علو معين، وفي حال كان ذلك يجب أن يكون سُمك الأعمدة عريضا، لكن السُمك وحده غير كاف، بل يجب أن تكون المكونات الداخلية للعمارات مرنة، وأن تضمن إمكانية تحرك البناية دون سقوطها، مشيرا إلى أن “التعامل مع الزلازل في اليابان يكون بطريقة عادية ذلك أن الناس لا يجزعون أبدا”.
وأوضح المهندس المعماري أن “اليابان التي تعرف تعاقب الزلازل بكثرة وضعت قانونا حقيقيا للزلازل يضمن تشييد المباني بليونة كبيرة، وغير خشنة، ذلك أن العمارات الطويلة في حال تسجيل الزلزال تتحرك بشكل غير مرئي للعين المجردة أحيانا، لتعود إلى مكانها”.
وكان هذا الموضوع قد استرعى انتباه فاعلين سياسيين، لا سيما بعد تسجيل هزات أرضية بأكادير، منهم النائب البرلماني عن حزب التقدم والاشتراكية، حسن اومريبط، الذي وجه سؤالين منفصلين، وضعهما بعد تسجيل هزات أرضية، خاصة بأكادير، حيث أشار إلى أن الهزة الأرضية التي شهدتها مدينة أكادير أحيت “الذكرى الأليمة لزلزال سنة 1960 وزلزال الحسيمة 2004، فاختلجت في نفوس الساكنة مشاعر الحزن والتوجس من المستقبل. كما أيقظت ضمير العديد من الفاعلين المحليين الغيورين على مدينة أكادير ومستقبلها، لتبدأ الأسئلة والمخاوف تتناسل بخصوص واقع التعمير بالمدينة، ومدى صمود المباني ومقرات السكنى، أمام الزلازل المحتملة”.
وساءل النائب البرلماني عن دائرة أكادير-إدا وتنان، الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، عن التدابير التي تعتزم وزارتيهما اتخاذها على مستوى المراقبة والتشريع والتهيئة والبنية التحتية والتعمير في المدن الزلزالية، قصد بث الطمأنينة والسكينة بين الساكنة.
وأشار النائب البرلماني عن حزب الكتاب إلى “افتقار تصميم التهيئة لضوابط البناء في المناطق الزلزالية، وظهور عمارات شاهقة بمختلف أحياء المدينة تتجاوز غالبيتها سبعة طوابق، وتصل في بعض الأحياء إلى أزيد من عشرة طوابق، بل إن توطين عمارات للسكن الاجتماعي والاقتصادي على شكل تجمعات سكنية كبيرة جدا ومتلاصقة، تضم الآلاف من المواطنين الذين يشتكون باستمرار من وجود اختلالات في بناء شققهم خلق الرعب مؤخرا في العديد من الأحياء بمدينة أكادير، وينذر بكارثة بشرية ومادية مستقبلا، لا قدر الله”.
وأكد النائب البرلماني أن “العديد من المدن المغربية تُصنَّف جيولوجيا ضمن المناطق الزلزالية، بفعل تعرضها على مر التاريخ للعديد من الهزات الأرضية المتباينة في قوتها وحِدَّة أضرارها”، مضيفا “لكن للأسف الشديد يبدو أن معظم مواطنات ومواطني هذه الحواضر ومدبريها المحليين لا يستحضرون القوانين المنظمة للبناء المضاد للزلازل”.
وتأسف اومريبط على عدم اعتبار “تردد الزلازل مُعطىً بنيويا يلزم أخذه بعين الاعتبار، لا سيما خلال عمليات إعداد وثائق التعمير ومختلف تصاميم التهيئة الحضرية. وهي أمور محورية أثبتت التجربة أن من شأنها مقاومة الزلازل والحد من أضرارها، سواء المادية منها أو البشرية”.
هذا وتطرح العديد من الأسئلة بشأن التوجه المستقبلي لسياسة التعمير بالمغرب وما إن كانت ستستوعب الخطر المتربص بالبلاد، لتستبقه بمعايير صارمة تنقذ الأرواح، أم أن التفكير في هذه الأمور سيكون آخر الأولويات بالنسبة للوزارة والحكومة.