مجتمع

“النواب” يكشف النقاب عن أول دراسة برلمانية تتقصى ميولات المغاربة وانتماءاتهم

“النواب” يكشف النقاب عن أول دراسة برلمانية تتقصى ميولات المغاربة وانتماءاتهم

كشفت دراسة ميدانية أعدها مجلس النواب حول موضوع “القيم وتفعيلها المؤسسي: تغيرات وانتظارات لدى المغاربة”، تشبث المغاربة بمرجعيتهم القيمية ومميزاتهم الثقافية، مع طموحهم نحو الاستفادة من القيم الكونية.

وأظهرت الدراسة التي جرى تقديم نتائجها اليوم الأربعاء بمقر المجلس، أن المكون التقليدي المتمثل في استمرار تثمين تنشئة الأطفال على قيمة طاعة الوالدين وفي علاقات التضامن بين أفراد الأسرة وواجب تضحية الآباء من أجل أطفالهم ما زال حاضرا بقوة في التربية الأسرية، مبرزة في المقابل، تنامي بعض مؤشرات الفردانية في نطاق الأسرة المغربية، والناتجة عن انفتاح المجتمع المغربي على الحداثة في العديد من الميادين.

ويتمثل موضوع هذه الدراسة في تحديد أهم التغيرات القيمية التي حصلت في المجتمع المغربي الراهن، إضافة إلى اتجاهات وانتظارات المواطنات والمواطنين بخصوص مدى تفعيل القيم في المؤسسات العمومية والخاصة والمدنية من قبيل الأسرة، والمستشفى، والمدرسة، والمقاولة، والإدارة، والمحكمة، والجامعة، والإعلام، والجمعية.

وتشمل عينة الدراسة كافة جهات المملكة، وقد تم تقسيمها على خمسة مجالات بحثية يتضمن أربعة منها جهتين، ومجال بحثي خامس بجنوب المغرب يتضمن أربع جهات، مع مراعاة متغيرات الجنس، والوسط وفئة السن، كما تم توزيع أفراد العينة وفقا للحجم السكاني للمدن والجماعات القروية، مع الأخذ بعين الاعتبار مبدأ “الكثافة المؤسسية

وأبرزت نتائج هذه الدراسة التي شملت عينة من 1600 فردا وغطت كافة جهات المملكة ومختلف الأوساط السكانية والفئات العمرية، أن المغاربة يولون اهتماما خاصا بالقيم البيئية والصحية وبكل القيم التي تقود إلى العناية والتضامن مع الأطفال المتخلى عنهم والمسنين والأشخاص في وضعية إعاقة وكل الفئات الاجتماعية الأقل حظا، مع التأكيد على قيمتي إشراك المواطنين واستشارتهم في القرارات المؤسساتية التي تخصهم.

وأوضح الطالبي رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، أن إعدادها نابع من اهتمام مجلس النواب، المستمر بأهمية الوقوف عند القيم المؤطرة للمجتمع المغربي، وعما ينتظره ويتطلع إليه عموم المواطنات والمواطنين من المؤسسات والمرافق العمومية، فضلا عن كونها نافذة من النوافذ المفتوحة التي تشكل فرصة للتفاعل بين المغاربة ومراكز صنع القرار وفي مقدمتها مجلس النواب.

وسجل رئيس مجلس النواب أن إنجاز هذه الدراسة، التي تعتبر أول دراسة ميدانية تَمَّ إنجازها في تاريخ المؤسسة البرلمانية منذ سنة 1963ينطلق من مرجعية أساسية، تتمثل في التوجيهات الواردة في الخطب والرسائل الملكية وما تضمنه دستور المملكة لسنة 2011 من أحكامٍ وقيمٍ، مضيفا أن هذه الدراسة تستلهم فلسفتها من خلاصات التقارير الوطنية، بما فيها تقرير الخمسينية وتقرير لجنة النموذج التنموي الجديد.

وقال الطالبي العلمي “يحذونا أمل كبير كمؤسسة تمثيلية تجسد الفعل الديمقراطي في أبعد تجلياته، أن تقدم هذه الدراسة أجوبة عما ينتظره المغاربة، وأن تعكس توجهاتهم فيما يخص التفعيل القيمي، بما يُمَكِّنُنَا كمؤسسة دستورية من النهوض بالعمل البرلماني وجعله قائما على المعرفة العلمية، حتى يستجيب لتطلعات المواطنات والمواطنين ويواكب الدينامية التي يشهدها المجتمع”.

وتوصلت هذه الدراسة، حسب رئيس مجلس النواب، إلى خلاصات وتوصيات “عميقة وهامة” بشأن القيم والمؤسسات المشمولة بها، “وهو ما يجعلها مرجعا هاما يَسْتَرشِدُ به مجلس النواب في ممارسة الوظائف الدستورية، من تشريع يجيب عن دينامية المجتمع وقضاياه، ومُراقبةٍ للعمل الحكومي تعكس تطلعات المغاربة وانشغالاتهم، وأساسا مرجعيا نستأنس به في تقييم السياسات العمومية التي شكلت ورشا هاما حرصنا على إعطائه نفسا جديدا خلال هذه الولاية التشريعية”يؤكد الطالبي العلمي

توجهات وانتظارات

وتتجسد أهداف الدراسة وفق ما أوضح رئيس مجلس النواب، في رصد توجهات وانتظارات المغاربة اتجاه التغيير القيمي والتفعيل المؤسسي لبعض القيم الأساسية في مؤسسات اجتماعية بعينها، تم اختيارها بعناية كبيرة، نظرا لأهميتها وقيمتها وحجم تفاعلاتها الداخلية والخارجية، إضافة إلى أثرها ومردوديتها على التنمية الشاملة.

وسلطت الدراسة التي ساهم في إعدادها عدد من الطلبة الجامعيين، الضوء على الأسرة باعتبارها اللبنة الأولى لبناء المجتمع، وعلى المدرسة والجامعة لأدوارهما في تكوين مواطنات ومواطني الغد، وعلى المستشفى باعتباره الفضاء الأصيل لضمان فعلية تمتع المواطنات والمواطنين بالحق في الصحة، وأشار الطالبي إلى أن الإدارة احتلت مساحة كبيرة ضمن اهتمام الدراسة، باعتبارها تقدم خدمات للمواطنات والمواطنين، ولكونها حيزا للتفاعل المستمر بين المرتفق والمرفق العمومي.

كما نالت المقاولة حظها من اهتمام الدراسة، لما تشكله من لبنة اقتصادية لخلق الثروة وتحقيق التقدم، دون أن تغفل الدراسة الجمعية نظرا لوظيفتها المنصوص عليها في دستور المملكة لسنة 2011، والمتمثلة في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها، فضلا عن المؤسسة الإعلامية التي حظيت بالاهتمام البالغ لعظيم أثرها ودورها في ترسيخ قيمنا المغربية الأصيلة، ومواكبة مسيرة التطور والبناء.

علاوة على ذلك، ترمي هذه الدراسة إلى رصد أهم التغيرات التي طرأت على المجال القيمي في المجتمع المغربي، ورصد اتجاهات المغاربة نحو مدى تفعيل قيم أساسية، مؤسسيا، معرفة العوامل والأسباب التي يعزو إليها المغاربة عدم تفعيل المؤسسات لقيم بعينها، التحديد المباشر لانتظارات المغاربة بخصوص تفعيل المؤسسات لبعض القيم الأساسية.

كما تسعى الدراسة، التي تأتي في سياق توجه استراتيجي يجسد الانفتاح الدائم لمجلس النواب على المحيط العلمي، إلى تحديد آليات تفعيل القيم مؤسسيا انطلاقا من انتظارات المغاربة، وكذا معرفة القيم التي يُفَعِّلُها المغاربة إِبَّانَ تعاملهم مع المؤسسات.

وأوضح الطالبي العلمي، أنه من أجل ضمان نتائج تُعَبِّرُ عن توجهات المواطنات والمواطنين في مختلف مناطق وأقاليم المملكة، فقد حرص المجلس على أن تشمل الدراسة مجموع جهات المغرب، أخذا بعين الاعتبار التفاوت الديمغرافي بين المجالات البحثية بحسب الوسط بالإضافة إلى متغير الجنس، والتوزيع حسب الفئات العمرية ومعيار الكثافة المؤسساتية.

ميولات المغاربة

وأشارت الدراسة، إلى أن المغاربة يولون أهمية خاصة لقيم التواصل الشفاف والفعال بين المؤسسات والمواطنين، والانفتاح على المحيط المحلي والوطني والدولي، وقيم مساواة النوع وكل ما يتفرع عنها من قيم اجتماعية وإنسانية نبيلة، لافتة إلى أنهم يعتبرون الثقة في المؤسسات وتحسين صورتها لدى المواطنين من أهم الشروط لنجاح هذه الأخيرة في مهامها التنموية وفي تأدية خدماتها على النحو الأمثل.

وشدد المشاركون في إعداد الدراسة على ضرورة تجويد الخدمات المؤسساتية والتكوينات المدرسية والجامعية، استنادا إلى مرتكزات الكفاءة والفعالية والإنصاف والاستحقاق وتكافؤ الفرص، وصولا إلى التفعيل الشامل لمبدأ “الالتقائية القيمية” في التفاعلات الجارية بين مختلف المؤسسات العمومية والخاصة والمدنية.

ووفقا للدراسة، يرى المغاربة أن الإدارة والمواطن والموظف بحاجة إلى استثمار قيم جديدة تساهم في تجويد الخدمات العمومية، في محيط عالمي تتجدد فيه باستمرار المعارف والتقنيات ومناهج العمل، مع الدعوة إلى تبني قيم موحدة تجمع بين المواطنين والمسؤولين والمؤسسات، في مقدمتها الثقة والنزاهة وأخلاقيات المهنية والحكامة الجيدة والمواطنة.

وأكدت الدراسة على أن العدالة المجالية تعتبر معطى أساسيا في تفعيل القيم في المؤسسات المغربية، مبرزة ضرورة إيلاء الأهمية لما هو محلي من حيث الثقافة والعادات والتقاليد والخصوصيات اللغوية، مع استحضار البعد المحلي في السياسات التي تروم الدولة تنزيلها.

من جهتها، أكدت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، عواطف حيار، في كلمة مماثلة، على الأهمية التي يكتسيها بحث التفعيل المؤسسي للقيم ورصد انتظارات المغاربة وتوجهاتهم إزاءها، بالنظر إلى التحولات السريعة التي يشهدها العالم المعاصر في ظل العولمة وما يصاحبها من ظواهر لها آثار عظيمة على أنماط عيش الناس وتفكيرهم وممارساتهم.

ورأت حيار أن الواقع المعاش يحتم على القطاعات الحكومية والمؤسسات وجمعيات المجتمع المدني، الانخراط في مثل هذه المبادرات وتدعيمها، لما توفره من معطيات وبيانات كمية ونوعية عن واقع القيم واستشراف مستقبلها، والتي على أساسها يتم العمل على بلورة رؤى استراتيجية وسياسات عمومية تفيد من ناحية صيانة القيم المتجذرة لدى المغاربة، والانفتاح على تجارب الشعوب والأمم، في إطار من التبادل القائم على الوعي والإدراك المغذيين للاختيار الأفضل.

وأكدت حرص الوزارة على تتبع الدراسات والتقارير الوطنية والدولية التي توفر معطيات حول أوضاع وحاجيات الفئات المستهدفة، يحيث يكون تدخلها من خلال سياسات وبرامج مبنية على العلم والمعرفة.

 المساواة والحرية

وكشفت الدراسة السوسيولوجية الميدانية ، أن الأغلبية الساحقة من المغاربة يفضلون المساواة على الحرية، مؤكدا أن “ممارسة الحرية ليست في متناول من يفتقر إلى الموارد المادية والمؤهلات التعليمية والتكوينية والاختيارات التي تمكنه من أن ينتقي منها ما يرغب ويفضل”.

وتبين من خلال نتائج الدراسة البرلمانية، أن 10/6 من المجيبين (60 بالمائة) يفضلون المساواة بينهما 4/10 منهم (38 في المائة) تقريبا يفضلون الحرية، وفسرت الدراسة هذا التفاوت بين النسبتين بإنه إذا كانت قيمة المساواة أهمة في نظر الأفراد من قيمة الحرية، فإن هذه الأخيرة لا تخلو مع ذلك من أهمية وجاذبية ما دامت قد اختيرت من لدن 609 من المجيبين من مجموعة 1600، وهو ما دفع معدي الدراسة إلى التساؤل عن أسباب رجحان كفة الاختيار للمساواة بدل الحرية؟

الدراسة البرلمانية، التي أعدها مجلس النواب، حول ” القيم وتفعيلها المؤسساتي تغيرات وانتظارات لدى المغاربة” أكدت أن تحقيق المزيد من المساواة إلى المزيد من توسيع فضاء الحريات الفردية والجماعية، معتبرة أنه طالما تم التأكيد على الترابط القوي بين المساواة والحرية السياسية، فلا يمكن لمواطن يعيش في الدونية السياسية أن يكون حرا.

وحسب معطيات الدراسة فقد اختار 77 بالمائة من المجبين الأمن في حين لم يتم اختيار الحرية سوى من لدن 21 بالمائة منهم ، وأوضحت الدراسة البرلمانية، أن ما تعنيه بالحرية هنا يتمثل بالأساس في التنقل وفقا للرغبة الذاتية، ودرء الحياة الخاصة والحميمية عن الأعين الخارجية، وحرية التواصل مع الآخرين دون أن يتم الاطلاع على محتوى الرسائل المتبادلة.

وبموازاة مع ذلك، تساءلت الدراسة، عن أنماط وقيم محددة من السلوك، وأشارت إلى أن وقع النظر على قيم معروفة مسبقة مركزيتها وأهميتها القصوى في كل المجتمعات بما فيها المجتمع المغربي، لكن لا ندري موقع كل منها على سلم التفضيل الاجتماعي، ويتعلق الأمر بقيم الحرية والمساواة والأمن والبيئة.

ولقد اتضح من خلال معطيات الدراسة البرلمانية،  أن الأمن، باعتباره تحررا من الخوف وحماية من آثار الأحداث الصادمة والمهددة للحياة، والتي قد تحدث في الفضاء العام مقر العمل أو البيت أو حتى في الفضاء الأزرق، تمثل الاختيار الأول والأهم بالنسبة للمغاربة في مقابل المساواة والحرية

ورأت الدراسة، أن في هذا التفضيل العريض والواسع لقيمة الأمن دعوة للحفاظ على المكتسبات الثمينة المسجلة على هذا الصعيد، وتعزيزا للنهج الاستيباقي فيما قد يتعرض له المغرب مستقبلا من تهديدات أمنية، وهو ما دفع الدراسة إلى التساؤل عن المدى الذي يمكن أن تلعبه الدولة في الحد من الحقوق والحريات الفردية لحفظ الأمن وضمان استمراريته، وأين توجد الحدود التي لا يجب تخطيها حتى لا يلحق أي مساس بدولة القانون.

واعتبرت الدراسة التي جرى إعدادها على امتداد 10 أشهر تقريبا بدءا من شهر فبراير 2022، أنه “لا وجود لحقوق أساسية مطلقة، بل لها كلها حدود، و لايمكن أن تنعم أي جماعة بالراحة، وتمارس حقوقها إلا إذا كانت تعيش في أمن وسلام”.

وأكدت الدراسة، أنه عندما طلب من أفراد العينة أن يحددوا أولوياتهم بخصوص العلاقة بين البيئة والنمو الاقتصادي، وهل يفضلون حماية البيئة بما قد يترتب عن ذلك من تباطؤ نسبي للنمو الاقتصادي وفقدان لبعض مناصب الشغل، أو إعطاء الأولوية للنمو الاقتصادي وخلق بعض مناصب الشغل، مع ما قد ينجم عن ذلك من أضرار بيئية، أو التركيز على الاستثمارات الاقتصادية غير الملوثة تخفيفا للأضرار على البيئة، أجاب 72 بالمائة من المجيبين أن الاختيار الثالث هو الأقرب إلى وجهة نظرهم.

الثقة بالمؤسسات

وقالت الدراسة السوسيولوجية، إن الثقة في المؤسسات بما يرتبط بها من معتقدات واتجاهات، تعتبر ركيزة أساسية للنظام الديمقراطي وأحد العوامل الأساسية الضامنة لاستمراره والحافظة لشرعيته، مسجلة أن تدني الثقة في المؤسسات، قد يؤدي إلى تقليص المشاركة الديمقراطية وتراجع الانخراط في الأنشطة المدنية و”تزايد التهرب الضريبي” وتراجع السلوك المطابق للقانون وفقدان قدر كبير من الرأسمال الاجتماعي الذي بدونه يصعب تعبئة الجماعات والعمل معها.

وتبيّن على هذا الصعيد، وفق الدارسة، أن المجيبين أميل إلى عدم الثقة منهم إلى الثقة، حيث اتضح أن 40 بالمائة منهم تقريبا يتميزون “بثقة منعدمة” و”ضعيفة” في أغلب الناس ونعتقد أن هذه النسبة كافية للجزم بأن المجتمع المغربي في علاقات مواطنيه بعضهم ببعض يعاني نسبيا من أزمة ثقة، وما يدل على أن هنالك مشكلا حقيقيا على صعيد الاتصال ما بين المواطن والإدارة والكيفية التي يعامل بها عندما يباشر قضاء مصالحة بالمؤسسة العمومية.

ويزداد هذا المعطى حدة، حسب الدراسة البرلمانية الأولى من نوعها عندما بلغت نسبة من لهم “ثقة متوسطة” في الآخرين (36 بالمائة) والتي تؤكد أن 77 بالمائة من المغاربة ثقتهم في أغلب الناس موزعة تقريبا بكيفية متوازنة بين “ثقة منعدمة وضعيفة” ثم “متوسطة”، أما من لهم “ثقة لا بأس بها” “وثقة تامة” في أغلب الناس فلا تبلغ نسبتهم حتى ربع المجيبين (23 بالمائة) علما بأن من لهم “ثقة تامة” لا تتعدى نسبتهم 4 بالمئة.

وعند تحديد اتجاه العينة بخصوص الثقة الموضوع في بعض المؤسسات الحيوي بالبلاد، يتبين أن الأسرة تحظى بثقة تامة، وأن مؤسسات المدرسة والجامعة ومؤسسة حفظ الأمن العام تحظى بثقة متوسطة و أن المستشفى العمومي والمحكمة والجمعية و الإذاعات والقنوات التلفزيونية المغربية والشبكات الاجتماعية والإدارات العمومية تحظى بثقة ضعيفة.

وسجلت الدراسة، أن ما يقرب من ثلثي المؤسسات المذكورة (64 بالمئة) تحظى بثقة ضعيفة و27 بالمئة منها بثقة متوسطة و9 بالمئة تامة وعندما تستثنى الأسرة من هذه المؤسسات يتبين أن القيم مفعلة في 46 بالمئة من المؤسسات وغير مفعلة في 50 في المئة منها.

ويقيم الأفراد المؤسسات العمومية، حسب الدراسة، انطلاقا من النتائج التي تحققها في تعاملها معهم وكذا استنادا إلى القيم الخاصة والمتقاسمة التي يفترض أنها تشتغل في سياقها كما يحدد الأفراد اتجاهاتهم نحو المؤسسات العمومية بكيفية متغيرة حسب القطاع المعني وانطلاقا من المعلومات المستقاة من الاعلام واتصالاتهم الشخصية  مع الآخرين وتجاربهم المباشرة مع مختلف القطاعات الخدماتية  واذا شاع عن  مؤسسة ما بأنها غير عادلة ومنصفة ولا تعامل المواطنين والمواطنات على قدم المساواة فإن ذيوع مثل هذه الصور الأحكام عنها يؤثر  سلبا على المناخ التدبيري داخلها ويعليق قدرتها على بناء علاقات ثقة مع المجتمع.

تسوية الخلافات 

من جانب آخر، كشفت الدراسة البرلمانية، أن الأغلبية الساحقة من المغاربة يفضلون تسوية الخلافات الأسرية عبر أسلوب الحوار، بدل اللجوء إلى الحلول الأمنية والقضائية أو ما أسمتها الدراسة “بالحلول السلطوية”، لتجاوز المطبّات العائلية.

الدراسة الميدانية أوضحت أنه “عندما نتساءل حول المؤسسات والأطراف التي يُمكن أن تلجأ إليها المرأة لحماية نفسها من عنف زوجها، نجد أن المجيبين يضعون على رأس القائمة الأسرة وبوجه خاص الحوار مع الزوج مقترف الجرم، ثم أفراد عائلة الزوجة، فيما مثلت نسبة المقترحين لهذا الحل الأسري أكثر من ضعف نسبة المقترحين للحل الأمني والقضائي.

ورأت الدراسة البرلمانية، في تفضيل “الحل الأسري” على “الحل السلطوي”، دعوة ضمنية موجهة للقضاء، من خلال واجهة الأسرة، كي يقوم بتأطير ودعم الوساطة الأسرية التي بدونها سيكون من الصعب ضمان فعالية الحوار في نطاق الأسرة.

ومن المثير للانتباه أن من اقترحوا اللجوء للجيران والأصدقاء، وفق معطيات الدراسة، التي حصل “مدار21” على نسخة منها،  لا تتعدى نسبة كل منهم 0.9 بالمائة، ومن المفاجئ كذلك حسب معطيات الدراسة البرلمانية، أن من اقترحوا اللجوء للجمعية لا تتعدى نسبتهم 5 بالمئة بالرغم من أن عدد الجمعيات النشيطة في هذا الميدان ليس بقليل.

وتعني مثل هذه الاتجاهات المعبر عنها تجاه الجيران، والأصدقاء والجمعيات، حسب المصدر نفسه، أن الأسرة تنكمش على نفسها وتفقد الثقة أو على الأقل تضع نفسها حدودا مع أشخاص كانوا إلى عهد قريب ملجأ بقصد المشورة والمساعدة وإزاء مؤسسات تتطوع وتتضامن خدمة للنساء ضحايا العنف.

وفيما يخص اتجاه أفراد العينة بخصوص ما يتوجب أن تكون عليه علاقات النوع بين الجنسين، فقد اتفقوا على مجموعة من الآراء من بينها، توزيع الأدوار بين الزوجين على أساس أن الرجل يبحث عن المال والمرأة تقوم برعاية البيت والأطفال، ومساهمة الزوجين معا في مصاريف البيت وأن حصول الزوجة على دخل أعلى من دخل الزوج يخلق مشاكل بينهما.

وقالت الدراسة، إنه بموازاة المكون الأسري التقليدي، بدأت الأسرة المغربية تشهد تنامي بعض مؤشرات الفردانية في نطاقها والتي نتجت عن انفتاح المجتمع المغربي على الحداثة في ميادين بناء هياكل الدولة وتشييد البنى التحتية واتساع نطاق العمل المأجور وانتشار التعليم والمؤسسات الصحية والإعلامية الكلاسيكية والجديدة وخروج المرأة للفضاء العام ومشاركتها في الحياة العامة والهجرة والتحضر.

وفي هذا السياق الجديد، يُلاحظ حسب الدراسة البرلمانية، أنه إذا كانت قيمة الطاعة تعلو فيما تحظى به من تأييد على قيمة التفاهم عندما يتعلق الأمر بالعلاقة القائمة بين الأطفال والوالدين، فإن الكفة تنقلب لصالح قيمة التفاهم عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين الكبار والصغار في الأسرة، وخصوصا بالعلاقة بين الزوجين حيث يصير التفاهم القيمة الأكثر تأييدا.

وبخصوص القيّم التي يتعين تنشئة الأطفال عليها، كشف الدراسة السوسيولوجية، أنه يتم تفضيل قيمة مدعمة لسيرورة الفردانية مثل المسؤولية والتسامح واحترام الآخر، و الاستقلالية والعمل بجدية، على أنه لم يتم اختيار التربية على المساواة بين الجنسين وتجنب الأنانية سوى لدى نسبة محدودة من المجيبين.وبالنظر إلى أن تنمية المجتمع تقتضي تقليص الفوارق بين الجنسين ومراعاة مشاعر وحاجيات الآخرين، رأت الدراسة البرلمانية، أنه من اللازم تكثيف التوعية بأهمية قيم المساواة والغيرية وتنشئة الأطفال عليهما.

وينتظر أغلب المجيبين، وفق للدراسة المذكورة، ألا تظل الحياة الأسرية محصورة في المجال المنزلي، بل أن تصير منفتحة وممتدة نحو الفضاء الخارجي، في شكل خرجات جماعية أسبوعية في الأغلب أو شهرية عند الضرورة، وتتعدى نسبة المعبرين عن هذا الانتظار بالنسبة للأسرة ثلاث مرات نسبة المعبرين عنه بالنسبة لجماعتي الدراسة والعمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News