مجتمع

إنكار السفير الفرنسي مسؤولية بلاده عن القرار الأوروبي.. هل يذيب الجليد بين باريس والرباط؟

إنكار السفير الفرنسي مسؤولية بلاده عن القرار الأوروبي.. هل يذيب الجليد بين باريس والرباط؟

في الوقت الذي راجت فيه داخل الأوساط السياسية المغربية أخبار حول مسؤولية فرنسا عن قرار البرلمان الأوروبي المدين للمغرب في مجال حقوق الإنسان وحرية الصحافة، خرج السفير الفرنسي لدى الرباط كريستوف لوكوتورييه مؤكدا بأن التوصية “لا تلزم أبدا فرنسا”، مؤكدا “نحن مسؤولون عن قرارات السلطات الفرنسية، أما البرلمان الأوروبي فبعيد عن سلطتنا والأمر يتعلق بشخصيات منتخبة”.

في هذا السياق يؤكد الخبير في العلاقات الدولية أحمد نور الدين، في حديثه لـ”مدار21″، أن كلام السفير الفرنسي غير مجانب للصواب، مستبعدا مسؤولية فرنسا عن توصية البرلمان الأوروبي، لا سيما وأنها شريك مهم للمغرب وكانت دائما من أكثر البلدان المدافعة عنه.

وأشار المتحدث إلى أن الخطوة القادمة يجب أن تأتي من طرف المغرب لطلب الاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء، موضحا أن فك الارتباط بين المغرب وفرنسا لا يمكن أن يكون مزاجيا،وأنه “إذا كان هناك قرار اتخذ في هذا الاتجاه لأسباب معينة، فالأمر يتطلب خطة استراتيجية لتنفيذ القرار، لأن فك الارتباط سيستغرق 20 سنة على الأقل، باستحضار العلاقات الاقتصادية والعسكرية والثقافية واللغوية والإنسانية بين البلدين.

الكرة في ملعب المغرب

وأفاد الخبير أنه “ما يمكن أن نستشف من تصريح السفير الفرنسي هو أن موقف فرنسا من هذه الأزمة الباردة بين البلدين هو أنها تحاول ما أمكن أن تذيب الجليد من العلاقات بكل الوسائل”، مضيفا بأن هذا الأمر تكرر مع هذا السفير وقبله مع التصريح المهم للقائم بالأعمال الفرنسي الذي قال فيه أن الموقف الفرنسي كان سباقا على كل الدول الأوروبية، وهذا صحيح لأن فرنسا من أول الدول التي دعمت موقف المغرب ومقترح الحكم الذاتي منذ البداية، إضافة إلى جملة مهمة قال فيها الدبلوماسي الفرنسي أنه إذا كانت هناك من ضرورة لتطوير الموقف الفرنسي تجاه المغرب في قضية الصحراء فهو قرار سيتخذ في اللقاء بين القيادتين.

وأشار نور الدين إلى أن “هذه الجملة مهمة لأن القائم بالأعمال في السفارة الفرنسية لا يلقي الكلام على عواهنه، وهي جملة غير عابرة، بل تفيد ضمنيا أن هناك استعدادا من طرف فرنسا لتطوير موقفها تجاه الاعتراف المباشر بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية إذا طلب المغرب ذلك رسميا، كما أن هذه الجملة تعكس أن هناك حديثا داخل أروقة الدبلوماسية الفرنسية حول تطوير الموقف”.

ويضيف الخبير في العلاقات الدولية أن هذا التصريح يوضح أن “الكرة الآن في ملعب المغرب، ذلك أن تطوير الموقف الصريح والمباشر من الصحراء المغربية وبكل وضوح، موضوع يناقش على مستوى قيادتي البلدين، وبالتالي فالمفروض أن يتخذ المغرب خطوات في هذا الاتجاه من أجل برمجة هذا الموضوع على قائمة جدول أعمال القمة بين القيادتين، مع ما يتطلب ذلك من تحضير لهذا القرار عبر تبادل المذكرات كما هو جار به العمل في تحضير لقاءات القمة شهورا قبل انعقادها من خلال تبادل مشاريع الاتفاقيات وتبادل المشاورات حول تفاصيل اجتماع رئيسي الدولتين”.

وأورد أحمد نور الدين “أنه لا يجب أن ننتظر المبادرة من فرنسا للاعتراف بمغربية الصحراء لأنه كما يقول المثل “ما حك جلدك مثل ظفرك”. فرنسا كانت سباقة لدعم الموقف المغربي ولطالما وقفت سدا منيعا أمام أي تحركات داخل مجلس الأمن حتى من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، مثل حادثة توسيع صلاحيات المنورسو، مضيفا أنه لا ينبغي إنكار هذا الواقع، لكن من حق المغرب أن يطالب فرنسا بتطوير موقفها بناء على مسؤوليتها التاريخية في تقسيم أراضي المملكة مع إسبانيا، وعلى ضوء المتغيرات الدولية خاصة بعد اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على الصحراء”.

ولكن، يستدرك الخبير، يجب أن يأتي الطلب من الجانب المغربي وعلى الخارجية ان تتحلى بالشجاعة السياسية والدبلوماسية لمطالبة الشريك الاقتصادي الأول خلال المباحثات والاجتماعات وعبر القنوات الرسمية بموقف واضح وحينها سيكون رد فرنسا واضحا أيضا”، مضيفل “لا ينبغي أن تتستر الخارجية وراء الصحافة أو خلف الأزمة الصامتة، يجب الإفصاح وطرح الملفات على الطاولة”.

القرار الأوروبي لا يلزم فرنسا

وبالعودة إلى ما قاله السفير الفرنسي حول أن قرار البرلمان المغربي لا يلزم فرنسا، يتابع نور الدين “هو أمر حقيقي لأن البرلمان الأوروبي ليس مثل الكونغرس الأمريكي الملزم لجميع الولايات، فالبرلمان الأوروبي إلى حدود اللحظة قراراته توجيهية أو استشارية وليست معيارية، بمعنى آخر لا تلزم الدول منفردة التي تبقى قراراتها سيادية لأننا لسنا أمام نظام سياسي فيدرالي لأوروبا، ولكن تلك القرارات من البرلمان الأوروبي تؤثر على المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي أو الاتفاقات التي يبرمها الاتحاد، بشكل جماعي، وبالتالي فما قاله السفير الفرنسي غير مجانب للصواب في هذا الإطار”.

أما فيما يتعلق بكون فرنسا هي التي تقف خلف القرار فهو أمر مستبعد ولا أعتقد أن فرنسا ستقوم بخطأ من هذا القبيل، حتى ولو كان من أجل استعماله كورقة ضغط، مضيفا أنه إذا كانت تصريحات رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة لحسن حداد صحيحة وأن عضوا برلمانيا فرنسيا هو الذي يقف خلف هذه المبادرة داخل البرلمان الأوروبي فهذا أمر عادي ولا يعبر عن الموقف الفرنسي لأننا نعرف أن هناك تأثيرات أجنبية على البرلمانيين الأوروبيين من طرف اللوبيات الأجنبية.

وفي هذا السياق يتابع نور الدين أن هناك لوبيات كثيرة مناهضة للمغرب وأشهرها لوبي البترودلار الجزائري، وبالتالي فمن السهولة أن تكون الجزائر قد قدمت دعما ماليا أو شيكات على بياض لشراء ذمم سواء هذا البرلماني الفرنسي أو بعض البرلمانيين الآخرين، منهم أولئك الذين حضروا مؤتمر الجبهة الانفصالية عبر طائرة جزائرية خاصة، وهذا الأمر يؤكد شراء الذمم لأنه لو كان الحضور إلى تيندوف يدخل ضمن الموقف المبدئي لأدى هؤلاء البرلمانيين مصاريف تنقلهم.

وبالتالي فكلام لحسن حداد، وفق احمد نورالدين، إن صح حول هذا البرلماني الفرنسي فإنه سيكون من طينة هؤلاء البرلمانيين الذين باعوا ذممهم للبترودولار الجزائري ولا يمكن أن نعمم الكلام على فرنسا كدولة، مضيفا أن “البروباغندا الجزائرية سبق أن روجت إلى أن مجلس الشيوخ الفرنسي يدعم الجبهة الانفصالية بناء على صورة لانفصاليين مع أحد أعضاء المجلس، وهذا الأمر لم يكن صحيحا فالأمر يتعلق بعضو بالمجلس استقبلهم بصفة شخصية ويمكن أن يكون هو الآخر خاضعا لإغراءات البترودولار الجزائري”.

وأفاد أحمد نور الدين أن “هناك فرقا بين أن تأتي المبادرة من طرف برلماني أو من طرف فريقه ككل وبين موقف الدولة، وبالتالي يجب التمييز بين هذه الأمور لأنه إلى حدود الساعة ليس هناك ما يؤكد أن فرنسا تقف وراء القرار أو أن الموقف الفرنسي تغير من قضية الصحراء، فكل التصريحات الرسمية من رئيس الدولة إلى الدبلوماسيين تصريحات تؤكد على أن العلاقات مع المغرب متميزة وأن هناك حرصا على تطوير هذه العلاقات”.

علاقات متينة

ولفت الخبير في العلاقات الدولية إلى أن هناك العديد من المؤشرات على متانة العلاقات بين البلدين وأنها ما زالت قائمة، ومنها أن فرنسا لا تزال هي الشريك الاقتصادي الأول للممكلة، وهي المستثمر الأجنبي الأول بالمغرب، إضافة إلى أن أكبر قطاع يفتخر به المغرب اليوم المتعلق بصناعة السيارات هي لعلامات في مجملها فرنسية.

وأكد أحمد نور الدين على أنه من أبرز المؤشرات على متانة العلاقات هو التعاون العسكري والأمني، الذي لا يمكن أن يكون إلا بين الدول الصديقة، فرغم ما يقال عن العلاقات الفرنسية الجزائرية والزيارة الأخيرة لشنقريحة إلى فرنسا، فهذه الأخيرة قامت السنة الفارطة بمناورتين عسكريتين مشتركتين مع المغرب على الحدود مع الجزائر، إضافة إلى الأقمار الاصطناعية التي غيرت الموازين استخباراتيا حتى مع إسبانيا.

ويستحضر نور الدين كذلك التعاون الإنساني بين البلدين، وعدد المهاجرين المغاربة بفرنسا وعدد الطلبة المغاربة، وكذا التعاون التقني والمالي، وبالتالي فقد وصلنا في التعاون مع فرنسا إلى درجة لا يمكن مقارنتها مع أي دولة، والعلاقات بلغت إلى حد التعاون اللاممركز بين المجالس والجهات والجماعات بالبلدين.

وأورد أحمد نور الدين أنه إذا كان هناك توجه داخل مراكز القرار بالمغرب على أن يتم تغيير الشريك الاقتصادي الفرنسي فهذا لا ينبغي أن يكون قفزة في الهواء أو أن يكون قرارا مزاجيا، وبالتالي فتغيير الشريك يجب أن يكون قرارا استراتيجيا على المدى المتوسط والبعيد، موضحا أن فك الارتباط الاقتصادي والعسكري والثقافي واللغوي سيتطلب 20 سنة على الأقل.

وأردف نور الدين أنه إلى حدود اللحظة، وفي حال لم تكن هناك قضايا أخرى خفية، فإن مصدر هذه الأزمة الباردة هو الموقف من قضية الصحراء المغربية، وباستحضار التصريحات المشار إليها اعلاه الدبلوماسيين فرنسيين، فإن الكرة في ملعب الخارجية المغربية وهي من يجب أن يتخذ الخطوات اللازمة عبر القنوات الرسمية لمطالبة فرنسا بموقف متقدم من قضية الصحراء المغربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News