تربية وتعليم

تفاقم نزيف الهدر المدرسي بسبب غياب النقل والفقر ومحدودية البرامج يستنفر جمعويين بالعرائش

تفاقم نزيف الهدر المدرسي بسبب غياب النقل والفقر ومحدودية البرامج يستنفر جمعويين بالعرائش

تضافرت عدة عوامل في مفاقمة الهدر المدرسي بالمغرب عامة، وبإقليم العرائش على وجه الخصوص، ما بات يشكل نزيفا يهدد بإهدار طاقات المجتمع وخلق العديد من المشاكل بسبب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للظاهرة، الأمر الذي استنفر عددا من الجمعويين، في إطار تنسيقية، لتقديم مذكرة ترافعية من أجل ضمان جودة التعليم ومحاربة الهدر المدرسي بإقليم العرائش.

اللقاء الذي كان من تنظيم فيدرالية رابطة حقوق النساء، الخميس 29 شتنبر، توقف المشاركون فيه على مجموع الأسباب التي تقف وراء الظاهرة، والتي جرى جردها على امتداد مجموعة من اللقاءات السابقة ومن خلال العمل الميداني الذي رصد هول الظاهرة، وهو ما تم إبرازه من خلال عرض فيلم وثائقي بعنوان “بغيت نرجع نقرا” لمخرجه مصطفى اللويزي، الذي نقل بالصوت والصورة معاناة مئات العائلات والشباب والأطفال داخل الإقليم، وهي المعاناة نفسها التي يشاطرهم فيها الألاف من العائلات وطنيا، وفق أرقام الوزارة التي تؤكد أن 331 ألف تلميذ وتلميذة يغادرون مقاعد الدراسة سنويا.

وبالرغم من غياب أي ممثل للوزارة الوصية، خاصة المديرية الإقليمية للتربية والتكوين بالعرائش عن اللقاء، إلا أن المذكرة الترافعية ومجموع المداخلات تمكنت من الوقوف عند أسباب استمرار ظاهرة الهدر المدرسي، وعلى رأسها إشكالية غياب النقل المدرسي وبُعد المسافة عن المدارس ووعورة الطرق، ما يسبب مشكلة كثرة الغياب والتأخر عن الدراسة، إضافة إلى التأخر في العودة إلى المنزل، ما يعرض التلميذات لصعوبات جمة على رأسها التحرش الجنسي الذي يدفع بهن لمغادرة مقاعد الدراسة بنسب أكبر.

أسباب النزيف

توقف المشاركون ضمن اللقاء، ومن خلال المذكرة الترافعية، عند محدودية مجموعة من البرامج من بينها مبادرة “مليون محفظة” وكذا برنامج الدعم “تيسير”، مطالبين بتجويدها وتوسيع قاعدة المستفيدين منها، للمساهمة في الحد من هذه الظاهرة.

ومن جانبهم، أوضح كل من عبد العزيز جلولي، نائب رئيس المجلس الإقليمي للعرائش، وممثلين عن جماعات ترابية بالإقليم، مختلف الجهود التي يتم القيام بها، ومنها توفير مركبات النقل المدرسي والدعم المالي لجمعيات الآباء وتزويد المكتبات بالكتب، رغم الإمكانيات المحدودة، غير أن تدخلات الفاعلين أكدت أن هذه المجهودات غير كافية، خاصة مع العدد المرتفع للتلاميذ، حيث يصل العدد إلى 200 تلميذ وتلميذة لكل حافلة واحدة في بعض الدواوير.

ولفتت المذكرة الترافعية الانتباه إلى عامل الظروف الاجتماعية والفقر المستشري وسط الأسر، وهو الوضع الذي كرسته تداعيات جائحة كوفيد19، ما يجعل عائلات تزج مكرهة بأبنائها خارج أسوار المدرسة للمساعدة في العمل داخل المنزل وخارجه، لا سيما الضيعات الفلاحية التي تطلب اليد العاملة من الإناث أكثر، فيما يفكر أغلب الشباب في الهجرة إلى خارج الحدود، بينما تضيع الآمال في متابعة الدراسة.

ووردت مجموعة من الشهادات المؤثرة لضحايا الهدر المدرسي وأسرهم، ضمن الفيلم الوثائقي الذي جرى عرضه، والتي تؤكد أن الظروف الاقتصادية وغياب النقل والخوف من التحرش وعدم كفاية برامج الوزارة تعد الأسباب البارزة وراء الهدر، حيث أوضح مجموعة من الضحايا، وأيضا الضحايا المرتقبين لهذه الآفة، أنه لا يمكن الاستمرار في التحصيل العلمي وسط هذه الظروف القاسية، بالرغم من وجود الرغبة.

وأوضحت المذكرة الترافعية أنه بالرغم من الارتفاع المسجل في سيارات النقل المدرسي، وفق أرقام المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بالعرائش، حيث انتقل العدد من 134 حافلة موسم 2021-2022 إلى 199 حافلة خلال الموسم الحالي 2022-2023، غير أنها سجلت الخصاص الذي تشهده مجموعة من الجماعات الترابية بالإقليم مثل العوامرة والعرائش وخميس الساحل، مع تسجيل ارتفاع في تسعيرة النقل.

توفير النقل وتضافر جهود الفاعلين

ودعت المرافعة إلى إعادة التلاميذ المنقطعين عن الدراسة وتوفير الشروط المناسبة وتوسيع شبكة النقل المدرسي وإعفاء الأسر من الأداء، مشددة على أن ضمان تعليم جيد ومتكافئ ومنصف مجاليا واجتماعيا بإقليم العرائش، يعبر عن حاجة آنية ملحة واستعجالية غايتها كسب رهان التنمية الديمقراطية وتحقيق الأثر والنجاعة في تقليص ظاهرة الهدر المدرسي.

وأوصت المذكرة الترافعية المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالعرائش بضمان تعميم التعليم وإلزاميته بما يضمن العدالة والمجالية من خلال مجموعة من الآليات من بينها البث في طلبات الاستعطاف وتسهيل المساطر الإدارية في وجه المنقطعين، إضافة إلى الارتقاء بجودة التعلمات ودعم التنشيط التربوي من خلال تجويد بيئات التعلم بالمؤسسات التعليمية واعتماد نظم متطورة لمراقبة الجودة وملاءمة الإيقاعات الزمنية مع محيط المدرسة في المناطق النائية.

كما دعت المذكرة الترافعية لفيدرالية رابطة حقوق النساء المديرية الإقليمية للتربية الوطنية إلى تعزيز البنيات التحتية ونظم الدعم المالي والاجتماعي، وخاصة من خلال توسيع قاعدة المستفيدين من مبادرة “مليون محفظة” خاصة في الأوساط القروية، وتوفير النقل المدرسي بشكل كافي، وإعادة النظر في إمكانات الاستفادة من برنامج تيسير للأسر التي تتوفر على أكثر من طفل، ومأسسة برامج الدعم الاجتماعي، إضافة إلى توصيات تخص التعاون والشراكة والتواصل.

ووجهت المذكرة توصياتها للتعاون الوطني للمساهمة في توفير بنيات استقبال التلاميذ خارج أوقات الدراسة، كما أوصت المديرية الجهوية لوزارة الشباب والثقافة والتواصل بتفعيل أدوار دور الشباب ووضع دور التربية النسوية تحت تصرف التلميذات والتلاميذ وتوظيف دور الشباب في التنشيط والدعم التربوي.

ولفتت المذكرة إلى ضرورة إدماج ومأسسة الجماعات الترابية لمحاربة الهدر المدرسي في البرامج والمخططات التنموية، وتعزيز أدوارها في محاربة الظاهرة، وتزويد المدارس في بعض الجماعات بالماء الصالح للشرب، وتوفير بنيات النظافة وتعزيز الأمن بمحيط المدارس، وتعزيز الدعم المدرسي المقدم من طرف الجماعات، وتحسين جودة خدمات التغذية والسكن لأبناء الأسر المعوزة، وكذا دعم جمعيات النقل المدرسي.

كما وجهت المذكرة توصيات مختلفة لكل من المجتمع المدني، والقطاع الخاص، بهدف تضافر الجهود بين كل الفاعلين من أجل محاربة ظاهرة الهدر المدرسي التي يعاني منها العالم القروي وكذا الحضري، لا سيما في صفوف الإناث، ما يسبب هدرا لحقوقهن وإمكانية اندماجهن بطرق سليمة داخل المجتمع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News