تكنولوجيا

التوائم الرقمية لملاعب المونديال.. تكنولوجيا ناسا في كأس العالم قطر 2022

التوائم الرقمية لملاعب المونديال.. تكنولوجيا ناسا في كأس العالم قطر 2022

تخيل لو كانت هناك تكنولوجيا تعطيك القدرة على بناء نسخة رقمية منك بحيث تستطيع عن طريق هذه النسخة التعلم من أخطاء الماضي، ومعرفة ما يحدث لجسمك في الحاضر، ومحاولة إصلاح أو تجنب المخاطر الصحية في المستقبل، والتنبؤ بحدوثها أو حتى اختبار عقار جديد ومعرفة تأثيره على صحتك قبل أن تتناوله؟

طبعا، تعتقد أن هذا السيناريو خيالي قادم من أحد أفلام الخيال العلمي، أو ربما ترى أنها فكرة واقعية ولكنها لا تزال حبيسة المعامل والأبحاث ونحتاج سنوات للوصول لهذه التقنية!

الحقيقة أن هذه التقنية موجودة ومستخدمة وتراها بشكل يومي، فكل سيارة تسلا (Tesla) تسير في الشارع لديها نسخة رقمية ترسل لها المعلومات بحيث يستطيع فريق المهندسين معرفة ما يحصل مع السيارة الحقيقية في الوقت نفسه.

تسمى هذه التقنية “التوأمة الرقمية” (Digital Twin)، وهي التقنية التي ساعدت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) في تجنب كارثة “أبولو 13”.

فقد كاد انفجار خزانات الأكسجين في مركبة “أبولو 13” الفضائية التي أطلقت في أبريل/نيسان 1970 أن يسبب كارثة، لو لم تكن وكالة ناسا أنشأت توأما مماثلا لهذه المركبة في المحطة الأرضية، مما سمح للمهندسين باختبار أفضل الحلول الممكنة وهم على بعد يزيد على 300 ألف كيلومتر من المركبة الفضائية.

ويمكن اعتبار ذلك من التطبيقات المبكرة لمفهوم التوأمة، على الرغم من أنها لم تكن رقمية في ذلك الوقت، وأدت الدروس المستفادة من هذا الحدث إلى ظهور فكرة إنشاء نسخة رقمية عالية الدقة للمركبات الفضائية، لتسهيل استكشاف المشكلات وإصلاحها.

كيف أصبح التوأم الرقمي حقيقة؟

تدين هذه التقنية بالفضل لعدة تقنيات أخرى ساعدت على ظهورها، منها الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء ونمذجة بناء المعلومات وتعلم الآلة والبيانات الكبيرة، بالإضافة إلى عامل مهم وهو رخص ثمن المستشعرات في الفترة الأخيرة.

هذه التقنيات هي ما جعلت رصد حركات الأجسام الحقيقية ونقلها لمركز يقوم بتحليلها وربط المعلومات بخوارزميات للتعلم من الماضي والتنبؤ بالمستقبل أمرا ممكنا.

وبذلك أصبحت هذه التقنية كالبلورة السحرية التي تستطيع معرفة كل ما يخص النسخة الحقيقية من الأشياء.

كيف وصلت هذه التقنية إلى كأس العالم 2022؟

هناك في مدينة أسباير الرياضية في العاصمة القطرية الدوحة، وعلى بعد أمتار من ملعب خليفة الدولي؛ يقبع مركز أسباير للقيادة والتحكم، المعروف اختصارا بـ”إيه سي سي سي” (ACCC).

الجزيرة نت دخلت مركز التحكم والقيادة هذا واستكشفت لكم التقنيات المستخدمة فيه للتحكم في الملاعب عن بعد، وكيف أن بعضها لها توائم رقمية هناك.

وقال مدير إدارة القيادة والتحكم حمد أحمد المهندي في حديث للجزيرة نت “إن الهدف الأساسي من إنشاء المركز هو رفع كفاءة البيئة التشغيلية لملاعب بطولة كأس العالم، والارتقاء بهذه العمليات” .

ويضيف المهندي “كما يهدف إلى تقليل عدد الكادر البشري، وتركز العمليات الخاصة بالمركز على عمليات إدارة المنشآت والأمن والسلامة والتكنولوجيا وأمن المعلومات”.

ويتابع المهندي أن الفكرة جاءت بعد استضافة قطر آسياد 2006، حيث أصبح الطموح أن تتغلب قطر على كل العوائق التي تمنعها من تنظيم الأحداث الرياضية العالمية، وللوصول لهذا الهدف كان يجب أن تستعين الدولة بكل ما توفره لها التكنولوجيا.

ويضيف المهندي أن عملية الربط الإلكتروني لملاعب كأس العالم في قطر هو الأول من نوعه في العالم، فلا يوجد هذا الربط على هذا المستوى في أي ملاعب أخرى في العالم.

رصد ومراقبة وتدخل

وقال الرئيس التنفيذي لتكنولوجيا المعلومات في أسباير نياس عبد الرحمن للجزيرة نت “إن الملعب الحقيقي كبناء يتكون من عدة عناصر سواء العناصر الداخلة في البناء أو حتى المعدات والأجهزة والتجهيزات الموجودة فيه”.

وأضاف “لقد قمنا في مركز التحكم والسيطرة في الدوحة بإنشاء نسخة من هذا الملعب بكل تفاصيله الموجودة في النسخة الحقيقية في العالم الرقمي، بحيث يكون توأما رقميا للملعب الحقيقي”.

وتابع عبد الرحمن “ربط الملعب الحقيقي مع التوأم الرقمي الموجود هنا في مركز التحكم أتاح لنا القدرة على الرصد والمراقبة والمعرفة وحتى التدخل إن لزم الأمر في كل ما يحدث في الملعب الحقيقي عن بعد”.

ويشرح “فمثلا من هنا يمكننا رؤية أي مكان، حتى المناطق التي ربما تعد مخفية أو صغيرة في ملعب أحمد بن علي، الذي يعد أحد أحدث الملاعب الذكية على مستوى العالم”.

وقال عبد الرحمن إن “أنظمة الإنذار المرتبطة بالمبنى، التي تنقل المعلومات للتوأم الرقمي تستطيع أن تخبرنا على سبيل المثال بوجود حدث ما في مكان معين، وعن طريق التوأم الرقمي يمكننا مباشرة تحديد مكان الحدث بدقة، وليس هذا فحسب، بل ويمكن للتوأم الرقمي نقلنا إلى هناك عن طريق نقل الصورة مباشرة من مكان الحدث، وهذه العملية لتحديد خطورة الحدث يتم معرفتها عن طريق التوأم الرقمي خلال ثوان”.

ويتابع عبد الرحمن أن “ما يجعل التوأم الرقمي ليس مجرد صورة ثلاثية الأبعاد للنسخة الأصلية لرصد التفاعلات فقط، أو أداة تتفاعل مع الأحداث التي تجري في النسخة الحقيقية؛ هو الذكاء الاصطناعي وتقنية التعلم الموجودة خلف الصورة ثلاثية الأبعاد، التي تقوم بعد تحديد الحدث وبناء على خبرات سابقة بتقييم مستوى خطورته وإطلاق سلسلة من الإجراءات المعتمدة لدينا في مثل هذه الحالات”.

“فمثلا يقوم النظام وبشكل آلي في حالة حدوث حريق في منطقة معينة، بإغلاق الأبواب المؤدية للمنطقة بعد التأكد من خلوها من الأشخاص، وإطلاق نظام الإنذار وإرسال رسائل معينة للجهات المعنية، سواء فرق السلامة في الملعب أو الفرق الخارجية من إسعاف أو قوات حماية”.

تحدث هذه الإجراءات من مركز التحكم والسيطرة ومن على بعد عشرات الكيلومترات من بعض الملاعب، ويمكن التنبؤ عن طريق التوأم الرقمي بوجود حاجة للصيانة في بعض مرافق الملعب قبل أن ينتبه لها أحد، فمثلا يتعرف التوأم الرقمي على حالات مثل فتح صنابير الماء وتركها مفتوحة، ويستطيع إغلاقها من مركز التحكم.

وضرب حمد المهندي مثالا على حادثة مشابهة حيث يقول “في أحد الملاعب أرسل النظام تقريرا لمسؤول الصيانة هناك عن وجود تسريب في أحد الأنابيب الموجودة في طابق معين، وعند وصول التقرير لاحظ أحد المديرين المعنيين أن الصور التي أرسلت في التقرير مألوفة له لأن مكتبه في هذا الطابق، واستغرب لأنه لم ينتبه لهذه الحادثة مع أنه يمر من هناك يوميا، فذهب لمكان الحادثة ووجد بالفعل أن هناك تسريبا بسيطا”. ويضيف حمد “هذه الحادثة تدلل على أننا هنا في مركز التحكم والسيطرة وبواسطة التكنولوجيا المستخدمة نستطيع مساعدة فرق العمل المختلفة في الملاعب مهما بعدت المسافات”.

التوائم الرقمية إحدى التقنيات المستخدمة في مركز التحكم والسيطرة، ولكنها ليست التقنية الوحيدة، فابقوا معنا خلال كأس العالم لنوافيكم بأحدث التقنيات الأخرى المستخدمة في هذه النسخة المتطورة من كأس العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News