ثقافة

ما جدوى الكتابة؟ “أصدقاء الشقاء” لـ”مدار21″: لأنها مقاومة وشفاء

ما جدوى الكتابة؟ “أصدقاء الشقاء” لـ”مدار21″: لأنها مقاومة وشفاء

في عالم تُسلَّح فيه الصور والأيقونات والرموز لإنتاج “نظام من التفاهة” يحاصر المعاني والقيم والأفكار في جزر معزولة، كتبا وكتابا، تصير الكتابة ضربا من المعنى! لكنّها لا تصير كذلك إلا بعد عكس السؤال في مواجهة أشقيائها ومتيّميها: أليست الكتابة ضربا من العبث؟

مدار21” حملت هذا السؤال المعكوس لأربعة كتّاب مغاربة “ليبرّروا” للرأي العام سبب الاستمرار في “اقتراف” هذه العادة المريبة في عالمٍ يحتفي اليوم 23 أبريل بالكتِاب، وفي واقع صار فيه هذا السؤال “الانقلابي” هو “الأصل” تقريبا، بفعل “الوقائع الغريبة في اختفاء” القراءة أمام جيل يقف خاشعا أمام بلاغة “الإيموجيز” وجامدا أمام بلاغات الفكر والأدب والأشعار.

الصحافي والكاتب المغربي، نزار الفراوي، يرى أن “سؤال جدوى الكتابة مزعج وإن كان مشروعا بل ضروريا، لأنه يحمل على الشك في فعل هو في الأصل كفاح ضد الشعور باللاجدوى”، ويرى أن الكتابة هي وسيلة لوقف جبروت العالم الذي يُمارس علينا باللغة والكلمات أيضا.

الكاتبة والأستاذة الباحثة بالمدرسة العليا للأساتذة بفاس، توزاني إدريسي حبيبة، ترى أن واقع الكتابة اليوم صعب ومرده لواقع القراءة، لكنها تنادي بالمقاومة وتعتبر أننا أمام “معركة ثقافية لغوية ومصيرية هي في متناول من لا تزال قريحته جياشة وغيرته على هويته ووجدانه وتاريخ أمجاده ملتهبة”.

الكتابة هي أيضا فعل يحتاجه المرء وتطلبُه الذات ابتداءً. من هذا المنطلق في تلبيته حاجة الروح لاقتسام نفسها مع الآخرين، يقول الشاعر والروائي المغربي محمد البوعبيدي: “إنني أكتب كأنني أعيش، وربما أعيش كأنني أكتب، وإذا كنتُ أقرأ كي أعيش الماضي كله، فإني أكتب كي أعيش المستقبل كله، إنني بالكتابة، أدفع بحياتي نحو الخلود، مهما كان مكتوبي”.

أما الكاتب والتشكيلي، إبراهيم الحيسن، فيقارب جدوى الكتابة في عالم اليوم من جانب التحديات الرقمية والتكنولوجية التي تحيط الكتاب نفسه، وبشكل أساس الكتاب الورقي، قائلا: “إنني أشعر بالحميمية في قراءة الكتاب وملامسة الورق وشمِّ رائحة الحبر والتنقل به واستعماله في كل مكان، في الرحلات والأسفار وغيرها”.

“الكتابة مقاومة لجبروت اللغة”

نزار الفراوي – صحافي وكاتب مغربي

ضد اللغة التي يفرضها العالم وهيمنة المصائر المرسومة خارج إرادة الذات، تنبعث الكتابة خيارا هامشيا للالتفاف على المصيدة الوجودية الكبرى. نكتب انفعالا بحرارة الكينونة وشرارة الطاقة الانشطارية التي تتلبد في أعماق الكائن منذ الصرخة الأولى.

سؤال جدوى الكتابة مزعج وإن كان مشروعا بل ضروريا، لأنه يحمل على الشك في فعل هو في الأصل كفاح ضد الشعور باللاجدوى والوعي المؤلم بحقيقة العجز الدفين والأصيل عن تصيير الموضوع خادما لخيارات الفرد. نكتب من أجل وهم الأثر تعويضا عن بداهة تعذر الخلود المادي.

نكتب باللغة ضد جبروت اللغة. نرتب من داخلها كلمات تتلاعب بالمعاني الجاهزة وتراوغ الدلالات المكتسبة لأن المجاز يعطي العبارة حظا أوفر في الامتداد والتوالد والسفر عبر الأفهام. كل قارئ مقصود وغير مقصود هو مكتب استقبال ينزل النص مكانا لا يعرفه الكاتب.

نكتب ضد الهشاشة وبها. تعطينا الكتابة فرصة لإعلان هشاشاتنا بصيغة شبه علنية، مع ظروف تخفيف ترفع وصم الإدانة. نكتب لفضح هشاشة الوجود والأوهام التي تلف يقين الانسانية بحل معضلة الانسان. يا له من وهم كبير وديماغوجيا واسعة الانتشار.

نكتب لنمحق الشعور بالوحدة، لنلبي حاجة، نكابر في إقرارها، الى تقاسم الصرخة مع الآخر، صيحة فرح وأنين خسارات. نكتب بحثا عن ترف التعدد. نتضاعف حين نكتب، لأننا نكتب أنفسنا والآخرين في نفس الآن.

“أشعر أن الآخر ملزم بقراءة ما أكتب”

محمد البوعبيدي – روائي وشاعر

لا أريد أن أكون مثاليا في تعريفي لفعل الكتابة، لأنها بالنسبة لي فعل لصيق بالحياة، ولأنها تمر من مراحل هي نفسها مراحل النضج الكتابي، وأما اليوم، فإني سأكون أنانيا وذاتيا في الحديث عن فعل الكتابة.

مررت تجربتي في الكتابة من مراحل. في مرحلة أولى ، كنت أكتب لكي يقال يكتب، وبعدها صرت أكتب كي أدون ما أراه وأعيشه، ثم صرت أكتب كي أتخلص من ضغوطي كأنني أرى نفسي في المرآة، أو كأنني أرسم نسخة مني وأتركها للآخرين ينظرون إليها كما سولت لهم عيونهم.

واليوم أكتب كأنني أعيش، وربما أعيش كأنني أكتب، وإذا كنتُ أقرأ كي أعيش الماضي كله، فإني أكتب كي أعيش المستقبل كله، إنني بالكتابة، أدفع بحياتي نحو الخلود، مهما كان مكتوبي..

إن الكتابة بالنسبة لي اليوم، مسؤولية، ودواء، وشفاء، وسمو، وتحد، إنني صرت أكثر إحساسا بأن الآخر مُلزم بقراءة ما أكتب.

“الكتابة معركة القرائح الجياشة”

توزاني إدريسي حبيبة – كاتبة وباحثة بالمدرسة العليا للأساتذة بفاس

ما جدوى الكتابة ؟ إن لم نكتب لنتحرر فلم الكتابة ؟ و إن لم تكن كتاباتنا اقتباسا لواقعنا و دليلا ليتبعه شبابنا و امتدادا لتاريخ عروبتنا فلم نكتب ؟ عندما يتحول الكاتب إلى قائد فكتاباته تصبح نبراسا يضيئ درب القراء.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه أين هم القراء في عالم يتغير كل يوم ؟؟أين نحن من القراءة في وطن يطغى عليه حب المسلسلات و البرامج التافهة ؟ أين دور المؤسسات الثقافية و التربوية في تقريب و تحبيب الكتاب و القراءة؟

إننا نعيش حاليا أزمة لا نظير لها للقراءة و الكتابة معا. فلا وجود للكاتب بدون قارئ واعٍ و مثقف مدرك .أتذكر ميخائيل نعيمة عندما قال “لكي يستطيع الكاتب أن يكتب و الناشر أن ينشر ، فلا بد من أمة تقرأ”. أصعُبَ علينا في زمن الأنترنيت والعولمة أن نعيد للكتاب والكاتب معا مكانتهما المقدسة ؟ أصعب علينا أن نرمم جدران بيوتنا و عقول شبابنا في زمن التفاهات و المهازل الإعلامية ؟ عندما نرى كل ما يحيط بنا يتهاوى فلا يبقى للشعر عشاقه ولا للرواية رُوّادها إلا لفئة قليلة.

كل ما حولنا ينذرنا بمستقبل يكون فيه الكتاب فعل ماض لا محل له من الإعراب. معركتنا الآن هي معركة ثقافية لغوية و مصيرية ، وهي في متناول من لا تزال قريحته جياشة و غيرته على هويته و وجدانه و تاريخ أمجاده ملتهبة . يكفي أن يواظب الكاتب على إبداعه و الشاعر على مهاراته و براعة كلماته و القارئ على استدلاله للحقيقة وسط سطور تحمل دروسا و حكماً و شاعرية ..

“لابديل عن شم رائحة الحبر”

إبراهيم الحيسن  – كاتب وتشكيلي

أشعر بالحميمية في قراءة الكتاب وملامسة الورق وشمِّ رائحة الحبر والتنقل به واستعماله في كل مكان، في الرحلات والأسفار وغيرها. قد يكون جزء من تحديات الكتاب اليوم عدا أزمة القراءة، منافسة الكتب الإلكتروني وسهولة الحصول عليه.

ورغم الطفرة السريعة التي يشهدها العالم في مجال التكنولوجيا والرقميات، فإن الكتاب الورقي لا يزال يحافظ على أهميته لدى أوساط واسعة من القراء وإلا لكانت المطابع ودور النشر والتوزيع قد تقلصت وأغلقت أبوابها، وألغيت معارض الكتب وأغلقت الأكشاك والمكتبات.

وشخصياً لا أحبذ القراءة الالكترونية البصرية منها أو السمعية ولا أستعملها إلا قليلاً وحين لا يكون الأمر اختياريّاً بالنسبة لي، لأسباب تتعلق بالتعب الذي أشعر به بسبب المكوث لساعات طويلة أمام الشاشات وأجهزة القراءة الإلكترونية مع ما ينتج عنه من ضعف البصر والعياء والصداع، لدرجة أنه في الكثير من الأحيان ألجأ إلى طباعة بعض المراجع النادرة في صيغة  ّبي دي إيف” أو “وورد” وتحويلها إلى نسخ ورقية بأغلفتها وأحجامها الأصلية وأختار لها ركنها الخاص داخل رفوف مكتبة البيت..

ورغم مجانية الكتب الالكترونية وسهولة الحصول عليها، فلا خوف على راهن ومستقبل الكتب الورقية ومواصلتها في نشر العلم والمعرفة. للكتاب عشاقه، وسيظلُّ خير أنيس في الزمان والمكان، كما قال المتنبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News