سياسة

العلوي يرفضُ “إحباط” النخب ويدعو إلى تماسك الأحزاب اليسارية

العلوي يرفضُ “إحباط” النخب ويدعو إلى تماسك الأحزاب اليسارية

يرفضُ “مرض” الإحباط السياسي الذي يُعلن بعض المثقفين عن إصابتهم به، أخيرا، في جو تُختبَرُ فيه حريات الفكر والرأي والتعبير والاحتجاج. إسماعيل العلوي، الأمين العام الأسبق لحزب التقدم والاشتراكية والمثقف اليساري، يقول إنه لا يتفق مع زميله في النضال، محمد الساسي، حين صرّح بأنه مصاب بالإحباط، مُعتبرا أنه تعبير غير مقبول من أي مثقف ولا حتى من غير دائرة النخب.

العلوي، وفي حوار مع مدار21، يعتبر أن الاستسلام أمام الظروف خطأ لا يجب أن يقع فيه المثقفون المغاربة، مدافعا عن حرية التعبير التي يكفلها الدستور، ومشددا على أن باب النضال يجب أن يكون مستمرا لأنه “كباب الإيمان يزيد وينقص” وألا تُقفله الظروف كيفما كانت”.

وفي هذا السياق، نضجت فكرة إطلاق مبادرة الحوار الوطني، قبل أسابيع قليلة، من طرف المؤسسات الفكرية التابعة للأحزاب السياسية وأخرى ثقافية، يؤكد العلوي، من أجل استشرافِ مغرب المستقبل الجديد برهانات قوية، أبرزها الاعتراف بالدستور ومنطوقه وبروحه، لحماية حقوق وحريات المغاربة وكرامتهم.

وفي المقابل، يحذرُ العلوي مما أسماه السقوط في نوع من “الغرور”، والاعتقاد بأن الاستقرار في المغرب مكسب دائم، بل “يجب أن نأخذ كل الاحتياطات ليبقى هذا الاستقرار موجودا، في إطار احترام الديمقراطية أولا واحترام حقوق الإنسان كاملة بما فيها الجوانب الاجتماعية.

متفائلا ورافضا التأويلات التشاؤمية، يقول العلوي إنه لا يتفق مع تبخيس عمل الأحزاب وسلبها استقلاليتها وقوتها، داعيا في الوقت نفسه نخب اليسار إلى الالتئام مجددا، بعد أن تعيد النظر في أوضاعها وتقوم بنقد ذاتي لما حصل منذ سنة 1998، ليستدركَ متسائلا: من كان يظن بأن الاتحاد الاشتراكي سيوجد في الموقع الذي يوجد عليه اليوم؟ من كان يظن أن حزب الاستقلال سوف يمر مما مر منه من أزمات وما يزال لا محالة؟”.

وفيما يلي نص الحوار:

 

راكمتم مسارا نضاليا وساهمتم من موقعكم كمثقف وسياسي في محطات كثيرة من تاريخ المغرب، ونحن نعرف الدور الذي يضطلع به المثقف باعتبار أن ما يصل إليه من تقديرات فكرية يستندُ عليها السياسي في عمله، لكن الملاحظ أن النخب التي كانت تُساهم في تقدير المواقف توارت إلى الخلف، هل هناك حالة من فقدان الثقة في الإصلاح؟

أظن أنَّ الحكم فيه جانبٌ صحيح، وفيه جانب مطبوع بنوع من المبالغة. أظن أن لا أحد يتوارى ويعود إلى الخلف، أو يريد أن يبقى مبتعدا، ولكن الظروف يمكن أن تتطور أو أن يكون هناك نوع من الكِتمان لبعض الأفواه أو بعض التصريحات، الشيء الذي يجعلُ أنهم لا يظهرون في الساحة، لأنه فعلا حتى الأوضاع الصحفية تغيرت، لم يبقَ ما كنا نعرفُ في الماضي.

المنابر تعددت ومراكز التواصل الاجتماعي ولله الحمد كثيرة وكثيرة جدا، ولكن فيها ما هو صالح وفيها ما هو طالح، وبالتالي هذا من العوامل التي جعلت البعض يكون في موقع التحفظ أو يبدو للآخرين أنه في موقع التحفظ، أظن أن هذا الأمر كما سبق لي أن قلت لك هو حكم يبدو أنه قاس ومتسرع شيئا ما، لأن المثقفين موجودون بهذا البلد، تعددت مشاربهم وكذلك ميولاتهم وبالتالي أنا لا أظن أن هذا شيء وارد الآن، إنما يمكن أن طُرق التواصل لم تبقَ بيدهم ولم يبقوا على اتصال مع كل هذه الأبواق الكثيرة التي توجد في المجتمع، والبعض منها كما قلت صالح ولكن البعض الآخر طالح.

وبالتالي أظن أنه لا يمكن أن نجزم في هذا الباب، وهذا لا يعني أن الظروف مواتية بشكل مُطلق لكي يقع هناك نوع من تبادل الآراء وحتى الجدال على مستوى المجتمع، وكل واحد يقول ما يريد بكل صراحة دون أن يخشى أي رد فعل سيء من قبل إما من يستمع إليه أو من يؤوِّل أقواله، لأنه عندما نأخذ مثلا مراكز التواصل إذا كان هناك كلاما قاله شخص، تكون التعليقات أحيانا تتجاوز حدود اللياقة، من يتفوه برأي هو حر في الإدلاء به، ويجب أن يُحترم، ومسألة احترام الرأي الآخر لم نتملكها بشكل تام في مجتمعنا.

الوصول إلى الإحباط الذي أشرتم إليه؛ أظن أنه سيكون مخطئ من يعلن عن إحباطه، أو يسقط في الإحباط، لأن باب النضال كباب الإيمان يزيد وينقص، ولكن لابد أن يستمر الإنسان في الدفاع عما يعتقدُ أنه هو الصواب، يمكن أن يكون خاطئا، لا أحد يمتلك الحقيقة، ولكن عليه أن يبقى دائما موجودا وأن يُدلي برأيه عندما يُطلَب منه ذلك، أو عندما يرى أنه من الضروري أن يُدلي بهذا الرأي، ولحسن الحظ لا يزال هناك العديد من الأشخاص يقولون ما يعتبرون أنه صحيح، وطبعا للآخرين أن ينتقدوهم، هذا شيء مباح، ويمكن أن يدلوا بآراء مختلفة عن آرائهم وهذا شيء معقول ومباح.

ما تعليقك على المثقفين الذين اختاروا الصمت تجاه مختلف القضايا التي تُثار في النقاش العمومي، ومنهم من صرَّحَ بأنه مُحبط بسبب التضييق على حرية الفكر والرأي؟

إذا كان هذا الموقفُ موجودا، وأنا لا أظن أنه موجود، إنما إذا وُجد سيكون خطأ من قِبل هؤلاء المُثقفين، هذا شيء لا يغتفرُ لهم، هم مُلزمين بأن يدلوا بآرائهم كيفما كانت، وهذه حرية الرأي موجودة في دستورنا ولله الحمد، علينا أن ندافع عنها وأن نسعى إلى تحقيقها إذا ما مُسّت من أي طرف.

أظن أنه في هذا الباب لست متفقا مثلا مع رفيقي في النضال سي محمد الساسي، عندما صرّح أنه أصيب بالإحباط، أتفهّم أن يصل من فينة لأخرى المرء لأن يقول ذلك، ولكن عليه أن يكبت لسانه في هذه الحالة بالذات، وألا يقول بأنه مُحبط، حتى إذا قالها أن تكون فقط زلة لسان، ولكن بالفعل يجب أن يبقى موجودا في الساحة، يناضل مع الآخرين على قلتهم إن اقتضى الحال، أظن أن هذا الأمر لا يمكن أبدا أن يُقبَل من قِبل شخص كيفما كان، مثقفا أو غير مثقف، كمواطن له الحق في أن يكون له رأي وأن يساهم في ما يهمهُ كمواطن، أي حياة المجتمع، وبالتالي لا يمكن أبدا أن يصاب أي كان بالإحباط.

طبعا يمكن أن يكون العدو شرسا، يمكن أن تكون الظروف غير منتظرة ولكن هذا لا يعني أن يستسلم الإنسان، ليس له الحق في أن يستسلم.

في إطار تفاعل الأحزاب مع لجنة النموذج التنموي، تقدّم حزب التقدم والاشتراكية بدوره بمذكرة أثارت إشكالية العجز عن إفراز عرض سياسي مُقنع ومؤطر، ويتضحُ في الواقع أن رهانات الأحزاب انتخابية وليست ديمقراطية. على ضوء هذه النقطة ما تقييمك للمشهد السياسي الحالي؟

الرهانات الانتخابية هي الرهانات السياسية بامتياز، وعلينا نحن أن نسهر على أن تكون  ديمقراطية، أن تحترم القواعد، لا أقول اللعبة لأن كلمة اللعبة لا تليق بالعمل السياسي في تصوري، بل أن تكون هناك أمور لائقة بما يهم هذا الشعب الذي يستحقُ كل الاعتبار، وكل الاحترام من قبل جميع الفاعلين، أو الذين يشتغلون كجزء منه، وليس معه لأن لهم ميزة عليه، أبدا، هم منبثقين منه لهم تصورات وآراء.

أظن أنه لا يمكن أن نقبل أن نُسمي هذا العمل لعبة، لأنه ليس لُعبة، هو تحمل مسؤولية المواطنة بالشكل الصحيح، وهذا طبعا يقتضي أن يكون الإنسان في مستوى المسؤولية التي يريد أن يتحملها، وهنا يوجد الخلل أحيانا مع كل أسف.

في مجتمعنا ظهرت بعض الميولات التي تساعد من يسعى إلى تبخيس العمل السياسي، هناك خطة يظهر لي لتبخيس العمل السياسي بشكل مُقنَّع أحيانا وبشكل معلن، وهناك من يساهم في هذه العملية بسلوكياتهم، مثلا المنتخب حين لا يبقى وفيا للثقة التي وُضعت عليه، ويتحملها بشكل مباشر، هذه من الأشياء التي تجعل عددا من الناس يعتبرون أنه لا داعي للاستمرار في هذه اللعبة السياسية في حين أن السياسة لا يمكن أن تكون لعبة، وإلا لن يبقى لنا ما نقوم به، يأتي الفناء وننهي الكلام.

على ضوء هذه النقطة بالضبط، وقد رفضت هذه الاستعارات التي تُحيط الخطاب السياسي وتُبخِّس العمل السياسي، يبقى سؤال تحقيق الانتقال الديمقراطي مطروحا بإلحاح، كيف تستشرفُ الاستحقاقات الانتخابية المُقبلة، ونحن نعيش ظروفا اجتماعية وسياسية خاصة؟

فعلا الظروف غير ملائمة على الأقل، وآخذ مثلا بسيطا لإثارة الانتباه إلى هذا الأمر وفيه نوع من المفارقة. قرأتُ في بعض الصحف الإلكترونية بالأساس أن السيد وزير الداخلية اتخذ قرارا بمنع كل من عليه شبهات أن يترشح إلى الانتخابات، لأول وهلة لا يمكن للإنسان إلا أن يُصفق، ولكن ردة الفعل ستكون شعبوية، فيها نوع من الديماغوجية، في حين أن القانون في البلاد واضح، مادام أن المرء لم يُدان قانونا في المحكمة لا يمكن أبدا أن تتخلص من حقوقه، بأي صفة؟

هذا الأمر فيه نوع من التجاوز، على الأقل إن لم يكن فيه نوع من الاستبداد، لست أدري كيف ستكون ردة فعل هؤلاء المشبوه فيهم، أو الذين نعتهم مجلس الحسابات بالأصبع، لأن ما نعرفُه أن مجلس الحسابات يتقدم بتحليل يبعثُ به إلى المعني بالأمر، يبعث به إلى جميع المرافق، وعلى المعني بالأمر أن يرد على ذلك وإن اقتضى الحال أن يُقدَّم من قِبل من يهمهم الأمر أمام المحاكم، لتحكم في شأنه، هذا الأمر لا يحصل دائما، طبعا من هو محكوم عليه بالسجن أو بفقدان الأهلية المدنية ليس فيه أي إشكال، ولكن هذا أمر لم يحصل، ولماذا لم يحصل؟

لنفرض أن الإنسان فعلا يجب أن يُحاكم، لماذا لم يُقدم إلى المحكمة؟ حتى يجعل وزيرا من وزراء حكومة المغرب يقرر أن كل من له شبهات يتم إيقافه، أين يقفُ سُلم الشُبهات؟ هذا مثال فيه مفارقة ولكنه مثال ما يحدث في مجتمعنا، ويحدث لأن أولا فعلا هناك أناس لم يحترموا موقعهم ومكانتهم كمُنتخبين أو كمسؤولين ثم هناك أناس يستغلون موقعهم من أجل اتخاذ مبادرات لا يحقُ لهم أن يتخذوها بهذا الشكل.

على ضوء هذه النقطة وارتباطا بعمل المجلس الأعلى للحسابات، ونعرفُ أنها مؤسسة دستورية تفتحصُ التدبير المالي لمختلف المؤسسات، ورغم ذلك يوجد منتخبين عليهم شبهات تدبير مالي ولكنهم مستمرون في عملهم، هل الأمر مرتبط بإشكالية الحكامة؟

لا، هناك إشكالية الأخلاق، أي شخص لا يمكن أن يعترف بخطئه تلقائيا، لا بد أن يذهب إلى المحكمة، إذن على أجهزة الدولة أن تحرص على تمرير هؤلاء الناس أمام المحاكم وللمحكمة أن تقول كلمتها، ولكن هذه الكلمة ستكون مبنية على أسس مقبولة أم لا، هذا موضوع آخر. إنما ألخص الموضوع في أن ما يمكن أن يأتي من المحاكم ولا ما يأتي من هؤلاء الناس ولا ما يأتي مِن مَن بيدهم السلطة في إطار الأخلاق، الأخلاق المدنية المتصلة بالمواطنة ليس إلا. هنا المشكل، لأننا ولله الحمد عندنا قضاء مستقل نصفق لذلك، لكن هل جميع القضاة مستقلون؟ سؤال يطرح، أنا لا أنعت أيا كان ولا أشير لأي كان، لكن عليَّ أن أطرح هذا التساؤل فيما بيننا كمواطنين، بمن فيهم حتى السادة القضاء، سؤال يفرض نفسه.

أطلقتم مبادرة الحوار الوطني من داخل المؤسسات الفكرية التابعة للأحزاب السياسية وأخرى ثقافية حول مستقبل المغرب، ماهي أبرز القضايا التي ترونها ذات راهنية لتكون محطَّ نقاش فكري وسياسي جاد؟

نعم الرهانات الحقيقية كنا قد سطرناها في ستة مواضيع، إذا لم تخني الذاكرة، أول هذه المواضيع هي المتعلقة بالاعتراف بأسمى قانون في البلاد، الاعتراف بمضمونه، بمنطوقه، وبروحه كذلك، هذا شيء أساسي، لأننا أصبحنا نرى مع كل أسف أن ميدان الحريات مثلا أصبح هشا على الأقل، حتى لا أستعمل كلمة أخرى، نلاحظ أن عددا من الأشخاص الذين عبروا عن آرائهم وجدوا أنفسهم أمام المحكمة، بتهم أحيانا غريبة، وإلا إذا كانت هذه التهم كلها صحيحة فأنا أتساءل عن المستوى الأخلاقي العام لهذا الشعب؟

لا أظن أن هذا الشعب وصل للحضيض الذي جعل أنه كل ما كان هناك شخص كما يُقال بالدارجة (خرجو رجليه الشواري) تُلفقُ له تهمة، وهذا أدى إلى أشياء غريبة في حد ذاتها، مثلا وضعية السيدة الريسوني، ألقي عليها القبض في الشارع بتُهمة إجهاض في حالة تلبس، هل رأيتِ شخصا يقوم بالإجهاض في الشارع حتى يكون في حالة تلبس؟ حالة تلبس مضبوطة، إذن كيف يمكن أن نتصور مثل هذه الأشياء، ولماذا من أخذ هذه المبادرة سمح لنفسه ليُعلن أنه ألقي القبض على السيدة في حالة تلبس في الشارع وهي تقوم بعملية إجهاض في الشارع، بحيث هناك خلل ..

فأظن أن هذه النقطة أساسية، قضية احترام المواطن في حد ذاته، احترام كرامة المواطن على جميع المستويات الحقوقية المطلقة العادية، أي ما يسمى بالفرنسية  les droits libertés، ولا بالنسبة لحقوقه الاجتماعية أي ما يسمى بالفرنسية les droits créances، كرامة المواطن يجب أن تُحترم بجميع الوسائل وفي جميع الحالات.

هذه من المواضيع التي بدأنا في الكلام عنها، وسنستمر لأن المواضيع هي متصلة ببعضها البعض، هذه المحاور الستة الكبرى سنُفرغها، إنما قررنا على ما يبدو-ولو أنني هذه الأيام كنت مريضا ولم أكن أحضر الاجتماعات باسم مؤسسة علي يعتة- من دون شك إرجاء الحلقات الأخرى إلى ما بعد الانتخابات، حتى لا يُقال إننا نؤثر في العملية الانتخابية وأننا نُدافع باسم بعض الأحزاب على برامجهم ..

هناك حالة من تراجع الثقة لدى المواطنين في الأحزاب السياسية، أليسَ من الرهانات المُلحة كذلك أن تستعيد الأحزاب استقلاليتها لاستعادة الثقة لدى المواطنين؟

هذا صحيح وشيء أساسي، كل حزب يفقدُ استقلاليته لن تبقى عنده أي أهمية ولا أي دور، كنا دائما، حين أقول نحن، أتكلم كمناضل في حزب التقدم والاشتراكية، كنا دائما حريصين على الدفاع عن هذه النقطة والعمل على أساسها، يجب أن تحترم الأحزاب في استقلالية قراراتها. مع الأسف هذا لم يحصل دائما، ولم يبق موجودا، كان هناك تدخلا في شؤونها لا في المؤتمرات ولا خارجها، هذه كلها أشياء يجب أن ندق ناقوس الخطر عليها ..إذا اضمحلت الأحزاب أو تبخرت ..

الأحزاب لصيقة بالديمقراطية والديمقراطية لصيقة بالأحزاب، ولا ديمقراطية بدون أحزاب، وليست الأحزاب التي عرفناها منذ عقود من الزمن، الأحزاب المفبركة. ولكن أحزاب مبنية على أساس، عندها تنظيماتها وعندها حرية رأيها وتقول ما تعتبره صحيحا، ويجبُ أن يأخذ هذا الرأي بعين الاعتبار، أولا ليفحص الإنسان هل صحيح أم لا، ثم إذا كانت فيه أمورا صحيحة أن يعمل الإنسان على تطوير أوضاع الشعب، ثم الأحزاب تلعب دورا أساسيا هو أنها تتقدم أمام الناخبين، يختارها من يختار ..

عندنا دستور يجب أن نعمل على أساسه ونحترم مضامينه، عندنا استقرار ونحمد الله عليه، ولكن حذاري أن نسقط في نوع من الغرور ونضن أن هذا الاستقرار مكسبٌ دائم، يجب أن نأخذ كل الاحتياطات ليبقى هذا الاستقرار موجودا، في إطار احترام الديمقراطية أولا واحترام حقوق الإنسان كاملة بما فيها الجوانب الاجتماعية، وهنا لا بد أن نصفق لبعض القرارات التي أعلن عنها ونتمنى أن تترجم في وقتها وفي آجالها، مثلا قضية التغطية الاجتماعية، هذه من المكاسب الأساسية، إذا تحققت سنكون في طليعة على الأقل الشعوب الإفريقية، حتى لا أقول أكثر من ذلك ..

طيلة السنوات الأخيرة لاحظنا تصاعد تعبيرات اجتماعية واحتجاجية كثيرة، انتُقدت خلالها الأحزاب كثيرا لأنها لم تضطلع بدور الوساطة بالشكل المطلوب، وكشفت عن ضعف قوتها، كيف تُعلق على هذا الأمر؟

أولا قضية الأحزاب غير قوية، أنا لا أقول بذلك، يمكن للأحزاب أن تكون قوية ويمكن ألا تكون قوية، ويُمكن أن تضحي بقوتها إذا اقتضى الحال، لأسباب خاصة بها، شخصيا لا أقبل أن تُضحي الأحزاب بقوتها، لكن يمكن أن تكون، هناك عدد من الناس ونظرا للتبخيس الذي حصل في الحياة السياسية والذي لا يزال مُستمرا، يمكن لهم أن يساهموا من دون شعورهم في هذا التبخيس بنعتِ كل الأحزاب بعدم تمكنها من القيام بواجبها، أظن أن الإنسان لا بد أن يكون موضوعيا ومُتبصرا، ويرى أن في الأحزاب من تقوم بواجبها، وهناك من قررت ألا تقوم بواجبها من الأصل، وهناك من فُرض عليها ألا تقوم بهذا الواجب، بطريقة أو بأخرى.

هل فعلا كانت الأحزاب في مقدمة الترافع عن مطالب المواطنين لحظة تصاعد التعبيرات الاحتجاجية في الشارع؟

طبعا عدد من الأحزاب كانت في مُقدمة الترافع والدفاع عن هذه المطالب، ولكن أحيانا يقع الرفض من قِبل من هم يقومون بتقديم هذه المطالب، لتقوم الأحزاب بدور الوسيط، قامت عدد من الهيئات حتى غير الحزبية، في إطار المجتمع المدني باقتراح أنها تكون الوسيط ورُفضت لأنه توجد مع الأسف نزعة يمكن أن نسميها فوضوية في المجتمع، لأنه غير مؤطر وغير مُكون سياسيا لاعتبارات تعود إلى التاريخ.

فأظن أن هذه من الأشياء التي ينبغي أن ننكبَّ عليها، وحين أستعمل صيغة الجمع أعني الهيئات السياسية، عليها أن تنكبَّ على ذلك وأن تقوم في عدد من الحالات بانتقاد ذاتي لسلوكها، لأنه يبدو لي أن الابتعاد عن الأحزاب أتى عندما ساهمت في تدبير الشأن العمومي، والآن يمكن القول إنه تقريبا كل الأحزاب باستثناء حزبين أو ثلاثة …كلها ساهمت في تدبير الشأن العمومي بشكل أو بآخر، هنا يمكن أن يكون هناك نوع من النفور من قِبَل الرأي العام، لأنه لم يُدرك تعقد الأشياء، وكيف يمكن لهذه الأحزاب أن تُدبر الأمور بشكل متميز وبشكل يستجيب إلى الراهنية التي تمر منها …وأنا شخصيا أعتبر أنه على أحزاب اليسار إن كانت لا تزال موجودة وأظن أنها لا تزال موجودة حتى وإن كانت تحت الرماد، عليها أن تقوم بتحليل انتقادي لما حصل منذ سنة 1998 إلى يومنا هذا، هذا شيء أساسي.

 أختم معك أستاذ وأنت تؤكد الحاجة إلى أن تقوم أحزاب اليسار بنقد ذاتي، ونحن نعرفُ أن الدور الطلائعي لنُخب اليسار كان مهما لتأطير النقاش الفكري والسياسي، لكن الملاحظ اليوم أن صوت اليسار قد خَفُت، كيف تشرحُ هذا الوضع؟

لا أظن أنه قد خَفُت، طبعا التبخيس الذي حصل والذي لا يزال قائما، هو الذي جعلكِ وجعل عددا من الناس يظنون أن هذا الصوت خفت، هناك بعض الأحزاب التي كانت بمثابة الأهرام في المجتمع انهارت، وانهارت بشكل مُفتعل، ليس نتيجة أزمة ذاتية داخلية، أبدا، كانت هناك تدخلات في شؤونها، الشيء الذي أدى إلى نفور عدد من المسؤولين أنفسهم من تلك الأحزاب، الذين ابتعدوا عن العمل السياسي وانعزلوا في خلاياهم المنزلية، هذا الأمر واقع.

من كان يظن بأن الاتحاد الاشتراكي سيوجد في الموقع الذي يوجد عليه اليوم، من كان يظن أن حزب الاستقلال سوف يمر مما مر منه من أزمات وما يزال لا محالة؟ أظن أن هذه كلها أشياء ليست آتية من ذات تلك الهيئات، بل هي كانت مُفتعلة، استغلت ظروفا وأشخاصا وبعض المعطيات ..المغرب ضاع في أهرام كانوا من أسس الحياة السياسية في بلادنا، وخفتت فعلا شيئا ما، وأتمنى أن تقع رجَّة بالنسبة على الأقل لليسار، أن يُعيد النظر في أوضاعه وأن يلتقي كل من يعتبر نفسه في اليسار من أجل إعادة الحياة إلى ما يمكن أن نسميه باليسار، في هذه الظروف الجديدة المتطورة دوليا وإقليما، ووطنيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News