سياسة

عبد النباوي: التصدي للفساد لا يرتبط بتقلبات ظرفية والقضاء المالي صمّامُ أمان

عبد النباوي: التصدي للفساد لا يرتبط بتقلبات ظرفية والقضاء المالي صمّامُ أمان

أكد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، أن التصدي للفساد اليوم إذا كان يعد مؤشراً على قوة إرادة مؤسسات الدولة، ومقياساً لمدى ثقة المواطنين في مؤسساتهم، ومحكاً حقيقياً لفعالية العدالة الجنائية في حماية المال العام وصون المصلحة العامة، فإن المغرب، تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، قد جعل من محاربة الفساد ورشاً استراتيجياً دائماً، لا يرتبط بتقلبات الظرفية، بل يتأسس على رؤية ومبادئ راسخة هي قوام دولة الحق والمؤسسات، وذلك لأن الجرائم المالية ليست مجرد خروقات قانونية فحسب، بل هي اعتداء على قيم المجتمع وثقته في مؤسساته، لذلك فإن مكافحة الفساد أعقد من أن تتمكن أي جهة من القيام بها لوحدها، ولكنها تستدعي تظافر جهود السلطات والمواطنين.

وأشار المسؤول في كلمة له بمناسبة افتتاح السلسلة الوطنية للتكوين المتخصص في الجرائم المالية المنظمة بشراكة مع رئاسة النيابة العامة، اليوم الأربعاء، إلى أن الملك محمد السادس عبر عن هذا المعنى بوضوح في الخطاب السامي الذي وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش المجيد بتاريخ 30 يوليوز 2016، مبيناً دور الدولة في مكافحة الفساد، وقال: “يجب التأكيد أن محاربة الفساد لا ينبغي أن تكون موضوع مزايدات، ولا أحد يستطيع ذلك بمفرده، سواء كان شخصاً، أو حزباً، أو منظمة جمعوية، بل أكثر من ذلك، ليس من حق أي أحد تغيير الفساد أو المنكر بيده خارج إطار القانون، فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع، الدولة بمؤسساتها من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة وتجريم كل مظاهرها والضرب بقوة على أيدي المفسدين”.

وأكد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن هذا التوجيه الملكي السامي يضع على عاتقنا نحن القضاة مسؤولية تاريخية في جعل العدالة الجنائية رافعة للثقة العامة وضمانة لسيادة القانون والمساءلة، لافتاً إلى أن المجلس الأعلى يضع من بين أولوياته الاستراتيجية تعزيز الكفاءة المتخصصة لقضاة الجرائم المالية عبر التكوين المستمر وتوحيد الرؤى القضائية وتطوير منهجيات التحليل المالي والقانوني، واستثمار التكنولوجيا الحديثة في التتبع والتحقيق، وقد تم سنة 2023، بمقتضى القرار التنظيمي رقم 16/23، إحداث بنية إدارية متخصصة داخل قطب القضاء الجنائي تُعنى بتتبع أداء أقسام الجرائم المالية وفق مؤشرات دقيقة للنجاعة والفعالية، بما يتيح قياس مردودية العمل القضائي وتحسينه باستمرار.

وفي السياق ذاته، لفت محمد عبد النباوي في كلمته إلى حرص المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بشراكة مع رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات، على توقيع مذكرة تفاهم ثلاثية بتاريخ 30 يونيو 2022، هدفها تعزيز التعاون المؤسساتي في مجال مكافحة الفساد في التدبير العمومي، وتأهيل الموارد البشرية، وتطوير آليات تبادل المعلومات والتحليل المالي، وهو نموذج رائد في التنسيق بين المؤسسات القضائية والرقابية بالمغرب.

وأبرز أن المعطيات الواقعية تؤكد حجم الجهود المبذولة في هذا المجال، فخلال السنة القضائية المنصرمة بلغ عدد القضايا المسجلة أمام أقسام الجرائم المالية ما مجموعه 436 قضية، في حين بلغ عدد المقررات القضائية الصادرة إلى غاية منتصف سنة 2025 ما مجموعه 249 حكماً بنسبة إنجاز تجاوزت 71% داخل الآجال الاسترشادية، وهو رقم يعكس بوضوح دينامية هذه الأقسام وجودة أدائها رغم تعقيد الملفات وتشابكها، مؤكداً أن المتابعات القضائية الصادرة في مجال الفساد المالي أسفرت عن صدور أحكام سيفضي تنفيذها إلى استرجاع مبالغ هامة لفائدة الخزينة العامة، حتى يستفيد منها المواطنون وفي مقدمتهم دافعو الضرائب.

كما أوضح أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إذ يثمّن الجهود الجبارة التي يبذلها المجلس الأعلى للحسابات في تدقيق الحسابات العمومية وإحالة التقارير ذات الصلة، ويثني على جهود النيابة العامة في تتبع الدعوى العمومية في قضايا الفساد، فإنه يؤكد من جديد أن القضاء المالي هو صمام الأمان في منظومة تخليق الحياة العامة، وأن ضمان كفاءته وفعاليته يشكلان مظهراً لنجاح الإصلاح القضائي الذي أراده الملك، إصلاحاً متواصلاً ومتدرجاً يعيد الاعتبار للعدالة كقيمة وكمؤسسة.

وأشاد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، بقضاة وموظفي أقسام الجرائم المالية في محاكم المملكة، الذين يجسدون في أدائهم اليومي روح المسؤولية والاستقلال، والذين أثبتوا من خلال أحكام رصينة واجتهادات متقدمة أن المغرب يتوفر على قضاء قادر على التصدي لكل أشكال الانحراف المالي في احترام تام للضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة.

كما أعلن النباوي عن انطلاق سلسلة من اللقاءات التكوينية التي ستغطي مختلف محاور الاشتغال القضائي في مجال الفساد المالي من التتبع والتحقيق إلى الإثبات والتقارير المحاسبية، إلى التعاون القضائي الدولي واسترداد الأموال، وهي لقاءات نريدها فضاء للتفكير الجماعي ولتبادل الخبرات بين القضاة والخبراء الوطنيين والدوليين بهدف بلورة نموذج قضائي مغربي متميز في مكافحة الفساد قائم على الدقة القانونية والصرامة الأخلاقية والنجاعة المؤسساتية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News