اتكال السياحة المغربية على الجالية نقطة ضعف في قطاعٍ واعد

جدل كبير حول ضعف مُفترض لإقبال مغاربة المهجر على دخول أرض الوطن هذا الصيف؛ بين تكهنات بإحجام كبير في صفوفهم ونفي من الوزارة الوصية. وأي يكن من الأمر، فهذا الجدل يطرح علامات استفهام أعمق حول بنية السياحة الوطنية، والتي يظل “ارتهانها” الكبير بمزاج الجالية “كعب أخيل” قطاعٍ يُعول عليه كثيراً في الاقتصاد الوطني.
وبعد الجدل الذي أثاره تداول مقاطع فيديو تصور “مُقاطعة” الجالية المغربية المقيمة بالخارج للوجهة المغربية خلال العطلة الصيفية الحالية بسبب الغلاء، خرجت وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني عن صمتها، مبرزة بالأرقام جاذبية المغرب بالنسبة لمغاربة العالم والسياح الأجانب على حد سواء.
غير أنّ هذا الجدل عرّى عن تفصيل سلبيي لواقع سياحي عام ما فتئ يحظى بالإشادة سواء من الدوائر الرسمية أو من خبراء القطاع الوطنيين منهم والدوليين؛ ويتعلق الأمر بحجم مغاربة المهجر ضمن إجمالي الوفود السياحية التي يستقطبها المغرب.
في هذا الصدد أوضح الخبير في القطاع السياحي، الزبير بوحوت، أن احتسابَ مغاربة المهجر العائدين لأرض الوطن لا يروم تضخيم أرقام السياح، بل احترام معايير الإحصاء التي تفرضها منظمة السياحة العالمية، مؤكداً أن “كل بلدان العالم تقوم بالشيء ذاته، وتُحصي عدد مغتربيها ضمن الوفود السياحية”.
وفي المقابل، يطرح هذا المعطى عدة إشكالات لا سيما بالنسبة للوجهة المغربية؛ إذ يؤكد بوحوت، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن الفرق يكمن في نسبة الجالية العائدة خلال العطلة بالنسبة للبلدان المتقدمة سياحيا، على غرار تركيا وفرنسا وإسبانيا، مثلا، التي لا تتجاوز 10 إلى 15 في المئة من مجموع السياح، بينما يتجاوز عدد السياح الأجانب 85 في المئة.
أما الحالة المغربية فمختلفة، إذ يمثل المغاربة المقيمون بالخارج ما بين 45 إلى 50 في المئة من مجموع السياح، بل حتى أن سنة 2023 عرفت تسجيل رقم استثنائي، حين فاق عدد مغاربة المهجر السياح الأجانب من حيث نسبة الوافدين.
“الخلل يكمن في وقع هذا المعطى على النشاط السياحي، فكما نعرف أن المغاربة المقيمون بالخارج حين يحجون لأرض الوطن يقيمون في بيوتهم أو في ضيافة ذويهم، القليل منهم فقط يتوجهون للفنادق”؛ يوضح بوحوت، مضيفا: “هذا يؤدي إلى اختلال وعدم انسجام بين المقاييس السياحية، أي عدد ليالي المبيت والمداخيل بالعملة الصعبة مقارنة بعدد الوافدين”.
فإذا ارتفع عدد الوافدين بنسبة 20 في المئة، لا تزيد ليالي المبيت سوى بـ10 في المئة، والمداخيل بـ3 في المئة فحسب.
وعلاوة على ذلك فإن القطاع السياحي بالمغرب ما زال يشكو من اختلال بين العرض والطلب، فإذا كانت التدابير التي تم اتخاذها في الآونة الأخيرة قد عززت الطلب على الوجهة المغربية، إلا أن العرض ما زال عاجزاً من حيث الكم والجودة عن استيعاب الطلب المتزايد.
وفي هذا الصدد أوضح بوحوت أن “المغرب وضع خارطة طريق للسياحة، ووقع اتفاقيات عديدة مع شركات الطيران، عززت النقل الجوي بنسبة 20 في المئة سنويا، وهو ما من شأنه تعزيز الطلب، لكن عرضنا ما زال ضعيفا، من حيث عدد الفنادق والمطاعم والمنشآت السياحية بشكل عام وجودة خدماتها، ما من شأنه ممارسة ضغط على هذه الأخيرة قد يأتي بنتائج عكسية”.
ولم يفوت الخبير في السياق ذاته الإشارة إلى نوع من التعتيم على حصيلة ميثاق الاستثمار وغيره من التدابير التي اتخذت للرقي بالعرض السياحي؛ مطالبا بالكشف عن هذه المعطيات بوصفها ضرورة لتقييم مواطِن الخلل وتقويمها.