مؤسس “صحراويون من أجل السلام”: البوليساريو خدعة والحكم الذاتي سينهي حقبة كارثية

شدد السكرتير الأول لحركة صحراويون من أجل السلام، أحمد باريكلى، على ضرورة تجاوز منطق الحرب والانغلاق السياسي الذي كرّسته جبهة البوليساريو، داعيًا إلى إدماج الفاعلين الجدد ضمن مسار التسوية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة.
وأوضح أن الرسالة الأخيرة الموجهة إلى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا تعكس تمسك الحركة التي تأسست قبل ست سنوات، بالحل السلمي ورفضها لمزيد من إراقة الدماء في نزاع عبثي طال أمده.
وأكد باريكلى، في حوار مع جريدة “مدار21” الإلكترونية، أن مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب يمثل قاعدة واقعية ومناسبة للحل، مبرزًا أن الحركة أعدّت تصورًا متكاملاً يمكن طرحه مستقبلا.
كما انتقد أداء جبهة البوليساريو، معتبراً أنها فقدت شرعيتها لدى جزء كبير من الصحراويين، داعيًا الجزائر إلى الانفتاح على أصوات بديلة. واستعرض باريكلى مسار الحركة، وعلاقاتها الإقليمية والدولية، و”نجاحاتها” الدبلوماسية الأخيرة، وعلى رأسها انضمامها إلى الأممية الاشتراكية.
نص الحوار كاملا:
حدثنا عن خلفيات وتفاصيل رسالتكم الأخيرة إلى ستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء. ما الذي أردتم إبرازه من خلالها؟
عادة ما تتناول اتصالاتنا مع دي ميستورا، بما في ذلك الرسالة الأخيرة، ضرورة فرض احترام وقف إطلاق النار في الإقليم في أقرب وقت ممكن، وتفادي استمرار إزهاق الأرواح البشرية، وما ينتج عنه من زيادة عدد الأرامل واليتامى في حرب عبثية لا طائل منها.
نحن حركة تؤمن بالحل السلمي وتؤمن إيمانًا راسخًا بالحوار السياسي كوسيلة لحل النزاعات والخلافات، ولا ينبغي أن يكون النزاع في الصحراء استثناءً من هذه القاعدة.
هل تتفق مع من يرى أن دي ميستورا قد يحقق اختراقًا في مسار التسوية، خاصة بعد المواقف الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي من قِبل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة؟
المبعوث الأممي يواصل أداء مهمته بدعم من مجلس الأمن والدول المذكورة، ولا أجرؤ على انتقاد سلوكه أو الطريقة التي ينفذ بها مهمته.
أرى أن تفاؤله يستحق الذكر، رغم أنني لا أشاركه هذا التفاؤل، فقد مضت ثلاث سنوات على توليه هذه المهمة دون أن يتمكن من تقريب وجهات النظر أو إخراج الملف من حالة الجمود.
في آخر جلسة لمجلس الأمن وعد بتحقيق تقدم خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من آخر ولاية لبعثة المينورسو.
من وجهة نظرك، ما المطلوب من دي ميستورا اليوم لتقريب وجهات النظر وتحقيق تقدم ملموس في الملف؟
برأيي، كان على دي ميستورا توسيع قائمة الجهات التي يتواصل معها، بناءً على تحليل موضوعي للتطورات والتغيرات التي شهدتها الساحة الصحراوية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، في الوقت الحالي، لم يعد جميع الصحراويين يشعرون بأنهم ممثلون بمواقف جبهة البوليساريو المتطرفة ومشروعها السياسي، آلاف المدنيين والعسكريين مع عائلاتهم غادروا مخيمات اللاجئين واستقروا بالمغرب، وظهرت أصوات جديدة، وحساسيات، ومشاريع، وفاعلون جدد يستحقون الاهتمام من المبعوث الأممي أو أي وسيط آخر.
على سبيل المثال، شيوخ القبائل الصحراوية الذين يمثلون مؤسسة مؤثرة في المجتمع الصحراوي والذين تم تهميشهم حتى الآن. وأيضًا، حركة صحراويون من أجل السلام، التي انبثقت من رحم البوليساريو كرد فعل على عجزها الديمقراطي وعدم قدرتها على مواكبة المتغيرات بعد ثلاثين عامًا من سقوط جدار برلين وخمسة عشر عامًا من الربيع العربي، خلال ست سنوات، ترسخت الحركة كـ”خيار ثالث”، كفاعل واقعي وبراغماتي يعارض العمل المسلح ويدعو إلى اتفاق مع المملكة المغربية.
تأسيسكم لحركة “صحراويون من أجل السلام” فُهم على أنه نقد صريح للبوليساريو، هل تعتبر أن هذه الخطوة تعكس اقتناعًا بأن مشروع الانفصال قد وصل إلى طريق مسدود؟
تمثل حركة صحراويون من أجل السلام خلاصة ومنطقًا طبيعيًا لمسار طويل من التأمل ومحاولات الإصلاح الداخلي لأخطاء وعثرات البوليساريو، فقد تأسست هذه الجماعة المسلحة عام 1973 في أواخر مرحلة تصفية الاستعمار من إسبانيا من قبل مجموعة أفراد كانوا مجهولين، ولم تكن لهم روابط حقيقية مع سكان الإقليم، باستثناء علاقة قبلية ضئيلة.
كان الهدف الأولي هو تحرير الإقليم من الاحتلال الإسباني، كما يُعتقد أنهم عبّروا عنه لزعماء مغاربة مثل علال الفاسي وإدريس البصري، والذين التقوا بهم، وفقًا لما كشف عنه مؤخرًا أحد قادتهم.
وكانت أولى رحلاتهم الخارجية إلى موريتانيا، حيث فتحت لهم الاتصالات مع عملاء ليبيين وجماعات يسارية، وخاصة “الكادحين”، الطريق إلى طرابلس، وهناك، تم إغراؤهم بأفكار العقيد القذافي ودعمه، فغيروا مخططاتهم وسعوا إلى إقامة نسخة من النظام الليبي في الصحراء.
كان ذلك مشروعًا محكومًا بالفشل لأن المنطقة كانت تقع ضمن نفوذ الناتو خلال الحرب الباردة.
مع مرور الزمن، تبيّن أن سكان الإقليم الأصليين خُدعوا، وأن ما قُدم لهم على أنه مشروع تحريري لم يكن سوى خدعة كبيرة مملوءة بالأخطاء والغموض، كنا ضحايا لاضطرابات سياسية جرّت الصحراويين إلى مغامرة عبثية كلفتنا ثمنا باهظا، ولا شك أنه كان خطأ تاريخيا.
اليوم، لم يعد غالبية الصحراويين يؤمنون بمشروع البوليساريو الفاشل، ولا حتى بما يسمى “الجمهورية الصحراوية” التي آمنّا بها لعقود، فقد حصدت الحركة ثمن غطرستها، وتسلطها، وعجزها عن قراءة المتغيرات، لذلك، دفعتنا الحكمة والتجربة المريرة إلى الابتعاد وفتح طريق الحوار والوفاق والتعايش مع المملكة المغربية، هذا التوجه انعكس في صحراويون من أجل السلام، ونهجها المعتدل والواقعي الذي حظي بترحيب في بعض مراكز القرار، كما نال تأييدًا بالإجماع من شيوخ قبائل الصحراء.
لو أن دي ميستورا استوعب هذه التحولات وأدرجها ضمن مهمته، لكان حاله أفضل، ولما كان يُعد الأيام المتبقية له كمبعوث جديد للصحراء.
في ضوء التحولات الإقليمية والدولية، هل ترى أن مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب تشكل الحل الأنسب والأكثر واقعية لتسوية النزاع؟
الخيار العسكري مستحيل، وبصرف النظر عن وجود أو غياب الإرادة السياسية، فإن التوتر المستمر بين الجزائر والمغرب يشكل عائقا أساسيا لم تستطع البوليساريو التخلي عنه، لقد وُلدت حركة صحراويون من أجل السلام لتتحرر من هذه “القيود”، وتراهن على الحوار السياسي والتفاهم مع المملكة المغربية.
من هذا المنطلق، نرى أن مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب عام 2007 يمثل نقطة انطلاق جيدة للتوصل إلى تسوية سياسية، وقد أعددنا مقترح مشروع خاص للإقليم، وهو جاهز لعرضه على الطاولة، نحن نعرف، أكثر من غيرنا، ما يشعر به السكان الصحراويون، وخصوصا اللاجئين في تندوف.
أظن أنها لحظة مناسبة لإنهاء حقبة الكارثة وبدء مرحلة جديدة يمكن أن تلتقي فيها حقوق الصحراويون وتطلعات المملكة المغربية، ومن المهم أن نكون جزءا من العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة، الأمر الذي قد يشكل نقطة تحول، في الواقع، يعتقد بعض الخبراء والمحللين الأميركيين، مثل المستشار السابق في البنتاغون مايكل أوربين، ذلك، وقد دعوا إدارة الرئيس ترامب إلى التوصية للأمين العام للأمم المتحدة بإدراج صحراويون من أجل السلام في المائدة المستديرة التي يسعى دي ميستورا إلى استئنافها.
هل ترى أن الجزائر مستعدة فعليًا للسماح بحل سياسي واقعي، أم أن مواقفها ما زالت تعرقل أي تقدم؟
من الصعب تقييم الموقف الجزائري الحالي ومدى استعدادها لتسهيل حل سياسي، ومع ذلك، أنا مقتنع بأن السلطات الجزائرية تدرك تمامًا الوضع الحرج الذي تمر به جبهة البوليساريو، ليس فقط على الصعيدين العسكري والدبلوماسي، بل أيضًا بسبب أزمة الثقة التي يعاني منها قياديوها منذ 2020، من الضروري أن تنتهي الجزائر من الاستماع إلى الرواية الرسمية التي تقدمها البوليساريو عن معارضيها، وأن تبدأ في الاستماع إلى أصوات صحراوية أخرى، لا فقط من باب الديمقراطية، بل أيضًا للحفاظ على موقع يسمح لها بمعالجة المشكل من زاوية موضوعية.
نحن الذين نؤمن بالحل السلمي وباتفاق مع المغرب لا نعتبر أنفسنا في المعسكر المعادي، بل على العكس، ليس لدي أدنى شك في أن الجزائر، كما المغرب، ستستفيد من حل سياسي لنزاع الصحراء، فالحل سيجلب السلام والانفراج بين القوتين الرئيسيتين في شمال غرب إفريقيا بعد ستين عامًا من التوتر والمواجهة، كما ستُقلص النفقات العسكرية بشكل كبير، ويفتح المجال للتعاون والاندماج المغاربي ومع إفريقيا جنوب الصحراء.
إن المصالحة بين الجزائر والمغرب أمر حيوي لشعوبنا، ويجب على البوليساريو أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية، وأن تربط بقاءها لا بالعداء الأبدي، بل بالتفاهم الحتمي والعاجل بين العملاقين الإقليميين.
ما مستقبل حركة صحراويون من أجل السلام؟ وهل لديكم اتصالات أو انفتاح على أطراف دولية أو إقليمية من أجل الدفع بمبادرتكم؟
لم يمضِ على تأسيس الحركة سوى ست سنوات، نشأت الحركة في خضم وباء كوفيد-19، إلا أننا واجهنا حربًا دعائية شرسة من البوليساريو وأذرعها الإعلامية، خصوصًا في إسبانيا التي تشكل قاعدة نشاطنا، وقد شارك في هذه الحملة بعض الصحفيين والناشطين من أقصى اليسار وأقصى اليمين ممن يكرهون المغرب عبر أجيال متعددة.
رغم ذلك، استطعنا التمركز داخل الإقليم، وفي مخيمات اللاجئين، ويبدو أننا أيقظنا وعيًا كبيرًا لدى الصحراويين. يقدّر الناس توجهنا المعتدل والبراغماتي، وتمسكنا بالديمقراطية، والحوار السياسي، والتعددية الحزبية، إضافة إلى تبنينا لحل توافقي مع المغرب، ودعوتنا إلى المصالحة بين الجزائر والمغرب.
على الصعيد الدولي، حققنا تقدما مهما رغم إمكانياتنا المحدودة، أجرينا لقاءات واتصالات مع حكومات وأحزاب سياسية في أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، فضلا عن مؤسسات أوروبية مثل البرلمان والخدمة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وقد تم توزيع وثائقنا الرسمية على أعضاء مجلس الأمن الدولي، ونحافظ على قنوات تواصل مفتوحة مع جهات متعددة داخل الأمم المتحدة.
من أبرز إنجازاتنا تنظيم ثلاث ندوات دولية ناجحة من أجل الحوار والسلام، آخرها في جزر الكناري (إسبانيا)، بمشاركة شخصيات بارزة من أمريكا اللاتينية وأوروبا وإفريقيا، إلى جانب وفد كبير من شيوخ القبائل الصحراوية.
ومؤخرا، تم قبولنا كأعضاء في “الأممية الاشتراكية” خلال اجتماع مجلس إسطنبول، كما انضمت حركة شبابنا إلى “منظمة الشباب الاشتراكي الديمقراطي العربي”، كل هذه الإنجازات تعزز مكانتنا كقوة سياسية معتدلة لها خطة للحل ومستقبل كفاعل قادر على التأثير في مسار الأحداث.
إن انضمام حركة صحراويون من أجل السلام إلى الأممية الاشتراكية يعد حدثا مهما يشكك في احتكار البوليساريو للتمثيل،، وهي فرصة لا يجب على المبعوث الأممي تجاهلها، ولا حتى المغرب في نهاية المطاف.