رقمنة مهنة التوثيق تصطدم بإكراهات تشريعية وتكنولوجية

يحتفي الموثقون المغاربة هذا العام بمرور قرن كامل على ظهور مهنتهم بالمغرب، وسط تحديات عديدة، تشريعية في شق منها، وخصوصاً تلك المتعلقة برقمنة المهنة التي يعتبر بعضهم أنها “فُرِضت” دون تشاور معهم ودون تحقيق النتائج المرجوة منها، سيما على صعيد الإنتاجية.
وانخرطت مهنة التوثيق في المغرب منذ سنوات في مشروع وطني واسع النطاق يتعلق بالرقمنة؛ وفي حين تطرح فئة من المعنيين بالقطاع وجهات نظر متفائلة بشأن التحول الرقمي الناجح بمهنة التوثيق، “فإن الواقع على الأرض أكثر تعقيدا بكثير، وتظهر الحقائق أن هذا التحول الرقمي كان قسريا أكثر منه متوافقاً عليه” وفق ما يراه الخبير الموثق، عبد المجيد بركاش.
وشدد المتحدث ذاته على أنه تم في هذا الصدد تنزيل حلول من قبيل منصة «Tawtik.ma» والتوقيعات الإلكترونية، فضلا عن إزالة الطابع المادي جزئيا عن المساطر، “لكن من دون أي حوار حقيقي مسبق مع الموثقين، وقد اصطدمت هذه التحولات باستمرار الرقن والإدخال اليدوي على نحو شائع، بالإضافة إلى توظيف برامج معلوماتية غير ملائمة”. مضيفاً أنها تواجه كذلك نقصًا في التفاعل الذكي مع الأنظمة الإدارية (مصالح الضرائب والتحفيظ العقاري والبنوك…).
ولفت إلى أنه لم يصاحب هذا التحول الرقمي نظام معلوماتي متكامل ومندمج “من شأنه أن يتيح تحقيق مكاسب في الإنتاجية، وتقليص العمل الإداري، وتدبيراً رقميا حقيقيا للملفات التوثيقية”.
وشدد بركاش على أن العديد من المهنيين يتأسفون اليوم لكون الرقمنة كان من المفترض أن يتم تصميمها من طرفهم ولصالحهم؛ كما أن نظاما معلوماتيا متكاملا ومندمجا كان من شأنه أن يسمح بترشيد وعقلنة الدراسات؛ وكل ذلك مرده “لعدم التشاور مع الموثقين الميدانيين وفرض اختيارات تكنولوجية دون استراتيجية طويلة الأمد أو خارطة طريق واضحة”.
وبالإضافة إلى البعد التكنولوجي “مازالت المهنة حتى يومنا هذا تنتظر الإطار القانوني الذي يسمح بالعقود الإلكترونية، أو عن بعد، رغم أن التكنولوجيا تسمح بذلك” يقول المهني.
وعلاوة على ذلك؛ وفي سياق أصبح فيه المغرب مؤخرا هدفا لهجمات إلكترونية معادية تستهدف بعض البنى التحتية الحساسة، فإن مسألة الأمن الرقمي للبيانات التوثيقية تصبح حاسمة.
“من الضروري إجراء عمليات تحسين معمقة للأمن السيبراني، وتعزيز بروتوكولات النسخ الاحتياطي، وضمان المرونة الرقمية للدراسات في مواجهة التهديدات الجديدة”.
وخلص بركاش إلى أن الحاجة إلى الصرامة الرقمية والاستراتيجية أصبحت ملحة أكثر من أي وقت مضى في ذكرى مرور قرن على وصول هذه المهنة إلى المغرب: “لا ينبغي أن تكون هذه اللحظة الرمزية مجرد احتفال، بل فرصة تاريخية لإعادة البناء، وهذه هي الفرصة المثالية لمواءمة ذاكرة المهنة مع رؤية طموحة تتطلع إلى المستقبل”.