تجاذبات الإخراج.. ما وراء ستار المسرح المغربي تحت المجهر

يفكك كتاب “رهانات الإخراج المسرحي بالمغرب” تعقيدات العملية الإخراجية في المسرح المغربي، عبر زوايا متعددة تستحضر علاقة المخرج بكل من السينوغراف، الممثل، الناقد، والجمهور، مستنداً إلى شهادات ومداخلات لممارسين ونقاد شكلوا نواة ندوة فكرية نوعية.
وضمن فعاليات الدورة الثلاثين من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، التي تمتد ما بين 18 و27 أبريل الجاري، احتضنت قاعة حوار، يوم أمس الإثنين، ندوة خاصة بتقديم كتاب “رهانات الإخراج المسرحي بالمغرب”، الذي يوثق 27 مداخلة قُدّمت خلال الندوة الفكرية لمهرجان المسرح الوطني بتطوان سنة 2023، بتنسيق من الكاتبين عصام اليوسفي ومحمود الشاهدي.

وفي هذا السياق، كشف الكاتب المسرحي، عصام اليوسفي، أن الرهان الأكبر في هذا العمل لم يكن فقط توثيق مداخلات الندوة، بل خلق أثر ثقافي لا يضيع وسط زخم اللحظة، يكون أساساً لبناء ذاكرة مسرحية مغربية قائمة على التفكير النقدي والممارسة الواعية.
وشدد عصام اليوسفي، في تصريح لجريدة “مدار21″، على أن الإخراج المسرحي اليوم يواجه تحديات مركبة، لكونه لا يرتبط فقط بالرؤية الجمالية للمخرج، بل أيضاً بقدرته على بناء علاقات خلاقة مع الممثل والسينوغراف والجمهور، وهي علاقات ينبغي أن تُقرأ داخل السياق الثقافي المغربي بكل تعقيداته.
وأوضح الكاتب المسرحي أن الكتاب يقدّم مقاربات متعدّدة تُثري النقاش، وتُبرز التعدد في زوايا النظر إلى الإخراج، ما يجعله مرجعاً نظرياً قابلاً للقراءة من مختلف الخلفيات الأكاديمية والمهنية.

وواصل أن تنوّع المساهمين، واختلاف مستويات المعالجة، هو ما منح لهذا المشروع زخماً نوعياً، سمح بتناول الإخراج من زوايا غير مألوفة، تربط النظرية بالممارسة دون اختزال أو تبسيط.
وتابع المترجم والدراماتورج أن اللقاء مع جمهور المعرض اليوم ليس ترويجاً للكتاب فحسب، بل رغبة حقيقية في توسيع دائرة النقاش حول قضايا المسرح المغربي، من داخل فضاء ثقافي مفتوح على قرّاء من مشارب مختلفة.
كما أبرز اليوسفي أن هذا العمل الجماعي لا يستهدف المتخصصين فقط، بل يمكن أن يشكّل مدخلاً لأي باحث أو طالب يسعى لفهم الرهانات الجمالية والتنظيمية التي تحيط بعملية الإخراج المسرحي في السياق الوطني.

وزاد اليوسفي موضحاً أن إخراج هذا الكتاب إلى حيّز الوجود جاء بدافع مشترك من منسّقيه، استشعاراً لأهمية التوثيق كجزء من الممارسة المسرحية ذاتها، ولضمان استمرارية أثر المداخلات بعيداً عن لحظتها العابرة.
كما لفت إلى أن نشر هذه المادة في صيغة كتاب يمثّل أيضاً تقاطعاً بين الفعل المسرحي والفعل المعرف.
وبدوره، اعتبر المخرج المسرحي محمود الشاهدي أن هذا الكتاب يشكل استجابة فعلية لحاجة الوسط المسرحي المغربي إلى مرجع جماعي يُعالج قضايا الإخراج المسرحي بمنظور تعددي، ويعكس تنوع التصورات والمقاربات الفنية والنقدية التي تبلورت خلال ندوة تطوان.
ويرى الشاهدي، خلال تصريح لجريدة “مدار21″، أن أهمية هذا المشروع تكمن في طبيعته التشاركية، إذ لم يكن عملاً فردياً، بل خلاصة لتفكير جماعي شارك فيه فنانون ومثقفون بصيغ مختلفة، ما جعل من الكتاب وثيقة مركبة تحتفظ بنَفَس الممارسة المسرحية وتقلّباتها.
وأكد المخرج المسرحي أن من بين رهانات هذا الكتاب خلق مساحة للتقاطع بين النظرية والتجربة، من خلال تقديم نصوص تنبع من الاشتغال الميداني كما من التأمل المعرفي، ما يمنحه قوة مزدوجة بين التوثيق والتحليل.
وأردف الشاهدي قائلاً إن الكتاب يسعى إلى تأصيل فهم جديد للإخراج المسرحي، يتجاوز التمركز حول المخرج كصاحب رؤية مطلقة، ليُبرز بدلاً من ذلك شبكة العلاقات التي تساهم في تشكّل العرض، وعلى رأسها الجمهور بوصفه شريكاً في التلقي.
ونوّه الشاهدي إلى أن إخراج هذه المداخلات في صيغة كتابية ليس فقط حفظاً للذاكرة، بل محاولة لإعطاء هذه النقاشات قابلية للاستمرار والتراكم، حتى لا تبقى رهينة زمن المهرجان أو لحظة الندوة.
وأشار إلى أن المسار الذي قاد إلى هذا الكتاب تميّز بالبساطة والعفوية، لكنه حمل في طيّاته حرصاً عميقاً على طرح أسئلة حقيقية حول معنى الإخراج، وسياقاته المحلية، وهو ما يمنح العمل صدقه وقيمته.
واستطرد موضحاً أن القارئ سيكتشف تنوّعاً في الأساليب واللغة والمرجعيات، ما يعكس الطبيعة المفتوحة للندوة، ويؤكد أن الإخراج المسرحي في المغرب ليس مجالاً محصوراً، بل فضاءً للنقاش والتجريب المستمر.
وختم بالقول إن هذا العمل، وإن بدا بسيطاً في شكله، إلا أنه طموح في مضمونه، لأنه يسعى إلى أن يكون جزءاً من مشروع أكبر، هو تأصيل خطاب مسرحي مغربي مستقل، قادر على محاورة التجارب العالمية دون تبعية أو انغلاق.