رأي

موقف الرئاسة الأمريكية “ترامب 2”.. بين ترقب تأييد سيادة المغرب وحذر من المفاجئات

موقف الرئاسة الأمريكية “ترامب 2”.. بين ترقب تأييد سيادة المغرب وحذر من المفاجئات

لا زالت ادارة الرئيس الأمريكي ترامب الثانية صامتة بخصوص موقفها من نزاع الصحراء المغربية، السكوت الذي يفسر أنه استمرار على تأكيد نفس الموقف بتاريخ 10 دجنبر 2020 الذي يعترف بالسيادة المغربية على كل الأقاليم الصحراوية و يجعل مشروع الحكم الذاتي حلا جديا وواقعيا ودو مصداقية في إطار خارطة طريق محددة منطلقاتها ونهاياتها وأطرافها.

بيد أن الأطراف تتوجس خيفة من هذا السكوت، سيما إذا استحضرنا نهج الرئيس الأمريكي على لغة الخطاب الجريئة والقوية والمستفزة لتحريك مجموعة من الملفات والقضايا والنوازل دون اعتبار لمصالح وحقوق أطراف القضية وتحفظات حلفائه التقليديين بل تهميشهم وإقصائهم على غرار مبادرات انها الحرب في أوكرانيا.

وإذا تمعنا في أولويات التوجه الأمريكي الذي يسعى إلى فرض الهيمنة الأمريكية على العالم بقطب وحيد ومحاولات إضعاف بقية الأقطاب الاقتصادية في أوروبا والصين وغيرها من المجموعات الصاعدة، واستعراض قدرتها المرعبة في بسط نفوذها وقراراتها حول العالم من خلال محاولة التأثير السريع والتدبير الأحادي في مجموعة من القضايا والجبهات، وترسيخ مفاهيم وحلول غريبة ومواجهة كل الخصوم والمتنافسين بقرارات فوقية على اساس تنفيذ الوعود الانتخابية وليس على أساس التوافق والحلول المستدامة.

فإن أي مقاربة نسقية وتحليل تفكيكي أو قراءة تأويلية يجعل ضبط الموقف والقرار الأمريكي الجديد مستعصيا وصعبا، بعد أن انقلب على كل القواعد والموازين وكسر كل الضوابط والقيود والتحفظات وتجاوز كل الحدود والمعايير والتوقعات؛ فلا حديث لدى الرئيس ترامب سوى عن المصالح والعروض الاقتصادية والمواقع والمجالات الاستراتيجية التي ستجعل من أمريكا الكبيرة من جديد: America great “again .

وعلى إثر ظهور وبروز بعض البوادر والمؤشرات الاقتصادية الدالة التي تستأثر باهتمام وتركيز الرئاسة الأمريكية والمؤثرة ترجيحا في صناعة القرار الأمريكي يحاول أطراف نزاع الصحراء المغربية؛ وخاصة في الجزائر اثارة انتباه وطمع الإدارة الترامبية تو ” Trump two عبر التلويح بعروض مغرية تناولت مقدرات الجزائر من الطاقة والمعادن النادرة بدون تحفظ ثمنا لاستمالة واغراء ترامب بالتراجع عن القرار الأمريكي المؤيد لسيادة المغرب على كل الصحراء أو كبح حركة مسيره أو حتى احداث انقلاب في الموقف الأمريكي لصالح الجزائر “حلم الجزائر”!. وهو العرض المقدم من طرف صبري بوقادوم عبر جريدة USA TODAY – Business focus بتاريخ 18 فبراير.

فالعرض الجزائري بدون سبب وبدون موجب يتجاوز بدهاء مقترن بالغباء مجرد توجيه دعوة بحسن نية و بطريقة أغرب عبر الإعلام إلى الإدارة الأمريكية من أجل الشراكة في عمليات الاستكشاف والتنقيب، بل هو سيناريو محبوك و ببروغاندا مستفزة موجه عنوة وبسوء نية بدافع إلهاء الإدارة الأمريكية وتشتيت تركيزها وثنيها عن الاعتماد على دول ومنافذ وممرات تجارية واقتصادية محددة مسبقا؛ دول تتمتع وحازت على خبرة وتجربة عالية مشهود لها بالكفاءة والفعالية في الميدان آمنة ومستقرة ومفتوحة على العمق الإفريقي مثل المغرب.

القرار بالاعتماد والرهان على المغرب وموريتانيا في شمال إفريقيا الذي اتخذته امريكا بهدف استدراك الوقت لضمان التواجد الأمريكي في إفريقيا الذي تأخرت عنه أمريكا وأوروبا والحلف الأطلسي لصالح أفضلية بفارق كبير لصالح الصين وروسيا. وبالمقابل تعتبر الجزائر بحكم الواقع والمؤشرات كيانا منغلق بدون حظوظ ولا مؤهلات لجلب انتباه الإدارة الأمريكية الجديدة، فالحدود الجنوبية الجزائرية موصدة مع كل جيرانها مع مالي والنيجر وليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا، وتعيش حالة عزلة إقليمية وحصارا وعقوبات أوربية تقودها فرنسا.

وتعتمد الإدراة والرئاسة الأمريكية على دول بأنظمة تحظى بمصداقية إقليمية ودولية، جدية في علاقاتها الدولية وثابتة في موقفها ومستقلة في قرارها السياسي أمام القوى الكبرى المتصارعة والمتناقضة، ويتمتع المغرب بمؤهلات ومقدرات تجعل منه بيئة جاذبة و حاضنة للاستثمار؛ كلها مبادئ و قيم و خصال تفتقدها الجزائر وتقصى من الارتكاز الأمريكي لكونها جمعت كل القوى الكبرى تتصارع اقتصاديا وتجاريا في إقليمها، وفقدت الجزائر من حيث تدري أو لا تدري سيادتها على قرارها السياسي والاقتصادي ومهددة بمخاطر أمنية حقيقية داهمة وليست فقط احتمالية .

ويعترف صبري بوقادوم السفير الجزائري الدائم لدى الأمم المتحدة في استجوابه مع جريدة امريكا توداي بذلك بقوله “أن التحدي الذي تواجهه الجزائر يكمن في عدم اعترافها كوجهة مفتاح للاستثمار” وربط ذلك بغياب الأمن والاستقرار منذ عشرية الإرهاب: One challenge we face is that Algeria is not widely recognized as a key investment destination ، والدليل توفره أيضا تصريحات الرئيس تبون خلال زيارته الأخيرة لروسيا الذي قال في أمريكا والدولار الأمريكي والنظام الليبرالي “مالم يقله مالك في الخمر” .

و بالمقابل. فان المغرب الواثق من نفسه حافظ على هدوئه الحذر إزاء أي تطور أو تغيير أو تعديل مفاجئ في الموقف الأمريكي، ويسعى بثبات وواقعية لترسيخ وتثبيت سابق قرار الإدارة الأمريكية واستثماره في قدراته المعلومة والمعروفة لدى أمريكا في أن المغرب عنصر فعال وركن حاسم في ضبط وصناعة عوامل التنمية والأمن والاستقرار في المنطقة بامتدادها المغاربي وتردداتها الإيجابية في الساحل والصحراء، وحجة المغرب في ذلك؛ تقارير الأمين العام للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن المرتبطة بدراسة الحالة الدورية في الصحراء المغربية. التي تعتبر أمريكا حاملة قلمها.

وما فتئ المغرب يقدم نفسه المؤهل الوحيد والأوحد في المنطقة الذي يساهم في صيانة الأمن والسلم الدوليين، يحارب الإرهاب والجريمة المنظمة. ويبرهن بأنه آمن ومستقر، وبوابة جغرافية متاحة ومضمون، لديه مدخرات من المعادن النادرة والثمينة التي تصلح في التكنولوجيا الجديدة للبطاريات والهواتف والشاشات جبل تروبيك الذي يدخل ضمن المنطقة الاقتصادية للمياه الإقليمية المغربية مع إسبانيا.

ومنذ سنة 2014 انتهج المغرب سياسات إفريقية جديدة منحته امتيازا وأفضلية جعلت منه بوابة أوروبا وأمريكا كما الصين وروسيا نحو افريقيا اقتصاديا ولوجيستيا، حيث مكنته من معرفة حقيقية بمراكز و مناطق وميادين الاستثمار في إفريقيا؛ في الصناعة والتعدين والأبناك والتأمينات وهي قطاعات ذات أولوية واهتمام لدى الشركات الأمريكية.

كما أن للمغرب علاقات وطيدة مع كل دول الساحل و جنوب الصحراء و مع كثير من الدول الإفريقية. كما يستفيد المغرب كذلك من علاقاته المتميزة مع كل دول الخليج، وخاصة دول السعودية والإمارات اللتين أصبحتا ذات ثقل سياسي ودبلوماسي في التأثير على قرارات و توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة.

أكيد أن شهر أبريل المقبل سيكون محل تتبع و اهتمام لأنه سيكشف عن التوجه الأمريكي بين الثبات والاستمرارية التي يتطلع إليها المغرب، و يعتبر تعيين سفير أمريكي جديد يعرف و يدرك مكانة المغرب في محيطه الاقليمي و الجهوي و علاقاته بأوروبا ، ورقة ومؤشر يدل على قوة الاهتمام الذي يحظى به المغرب لدى الرئيس ترامب. فقد كان سفيرا سابقا لأمريكا باسبانيا وهي دولة عضو فاعل في منتدى الدول أصدقاء الصحراء. كما يعرف حقيقة و عمق وأثار الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء وبجدية وواقعية ومصداقية مشروع الحكم الذاتي.

ولا مراء أن إحاطة السيد دي ميستورا المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء والتي سيقدمها إلى مجلس الأمن خلال أبريل ستجعله في موقف صعب وذو حساسية شديدة. فهو يعرف خلفية نوايا أمريكا في إلغاء أو تخفيض وتقليص دعمها وإنفاقها على للبعثات الأممية والمنظمات الدولية الذي قد يشمل ويطال المينورسو.

وهو (أي ديميستورا ) في ورطة حقيقية لأنه في وضع وفي أمس الحاجة إلى استصدار دعم صريح وواضح وجديد من مجلس الأمن بعد أن تسربت أخبار أنه كشف عن مخططاته ومقترحاته بتقسيم الصحراء، وهي توصيات قديمة ترجع لعهد الأمين العام كوفي عنان ومرفوضة بشكل بات ومطلق ولا رجوع فيه من طرف المغرب، ومقترحات تتناقض مع الاعتراف والالتزام الامريكي والاعتراف الفرنسي والتأييد الاسباني الذين يؤيدون سيادة المغرب ويتناقص أيضا مع تنامي الدعم والحشد والديناميكية الدولية لتأييد مشروع الحكم الذاتي وعلى أرض الواقع بفتح قنصليات في الاقليم كحل و بالجهوية المتقدمة لتطوير الديمقراطية المحلية والتشاركية بالمغرب.

و مهما كان ويكون مضمون ما سيحمله تقرير المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة في إحاطته نصف الدورية وتنفيذا لقرار مجلس الأمن عدد 2756 وتاريخ 31 اكتوبر 2024، فإن أي شكل من اشكال الحل يبقى مشروطا بقاعدة التوافق بين الأطراف، وفي إطار الحل النهائي يمنح إشهادا بنهائية النزاع ويبقي الصحراء تحت سيادة المغرب وليس مجرد حلول بائدة مؤقتة.

سيبقى تقرير دي ميستوا حاسما لديميستورا نفسه و يضع ولايته ومهمته ومصداقيته في الميزان وعليه مسارعة الوقت لإعادة ضبط مقترحاته تحت طائلة اعتباره شخصا غير مرغوب فيه من طرف الجميع.

محام بمكناس خبير في القانون الدولي قضايا الهجرة ونزاع الصحراء، الرئيس العام لأكاديمية التفكير الاستراتيجي-

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News