25% من مشاريع الهيدروجين ألغِيت.. هل راهن المغرب على حصان خاسر؟

يحتدم الجدل في الآونة الأخيرة حول “الهيدروجين الأخضر”، الذي يعده البعض “نفط الغد” والحل السحري للأزمة الطاقية والبيئية العالمية. وهو ما جعله محط تنافس بين عدة بلدان، من بينها المغرب، لها من المؤهلات ما يلزم للتموقع كمنتج ومصدر لبديل الطاقات الأحفورية. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فكلفة الإنتاج المرتفعة والبنيات التحتية الثقيلة اللازمة وقوانين العرض والطلب، متغيرات كثيرة تجعل هذا التوجه الاستراتيجي موضع علامات استفهام كثيرة.
وعرف المغرب خلال السنوات القليلة الماضية اهتمامًا متزايدًا بتطوير الهيدروجين الأخضر، مستفيدًا من موارده الطبيعية وموقعه الاستراتيجي، القريب من السوق المحتملة (أوروبا)، ما دفع السلطات المغربية لإرساء “عرض المغرب”، الذي يروم تلبية أكثر من 4 في المئة من الحاجيات العالمية في أفق 2030.
وفي هذا الصدد، أكدت الباحثة البارزة في مركز السياسات من أجل الجنوب، مونية بوستة، أن المغرب واحد من قرابة 40 دولة اعتمدت الهيدروجين الأخضر في إطار مخططاتها التنموية، مضيفة أنه بين سنتي 2020 و2023 فقط تم الإعلان عن 190 مشروعاً استثماريا في المجال، كما تضاعفت الطاقات الإنتاجية 3 مرات خلال السنة الماضية فحسب.
لكن كاتبة الدولة سابقا لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، في حكومة سعد الدين العثماني، نبهت إلى أن 7 في المئة فقط من المشاريع الخاصة بالهيدروجين الأخضر قد تم إنجازها بالفعل، طبقا للجدولة الزمنية المبرمجة، بينما تم إلغاء 25 في المئة منها وإعادة جدولة الباقي زمنيا.
وعزت الخبيرة، التي كانت تتحدث خلال لقاء بثه “مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد” (PCNS)، هذا التعثر في مشاريع هذه “الطاقة الجديدة” إلى كون القطاع ما يزال ناشئا؛ “في هذه المراحل الأولى ما زالت هناك تحديات عديدة تعترض هذه الصناعة، من بينها التكلفة التي فاقت في الكثير من الأحيان المبالغ المبرمجة، وذلك أكبر التحديات”.
ولفتت إلى أن “المختصين راهنوا في البداية على التطور التكنولوجي لتقليص كلفة الإنتاج، مثلما حدث مع الطاقتين الشمسية والريحية، بحيث لعبت التكنولوجيا أدوارا مهمة في بروزها كبديل للطاقات الأحفورية، لكن الأمر ذاته لم يحدث بعد مع الهيدروجين الأخضر”، مشيرة إلى أن هذا المعطى تسبب في ضغط مالي كبير لدعم المشاريع.
كما أوردت أن نجاح هذا الخيار الاستراتيجي رهين بمدى تفعيل السياسات المناخية بالأسواق المستورِدة، ذلك أن إزالة الكربون باللجوء للطاقات النظيفة ما زال خياراً لا يحظى بإجماع عالمي: “التوجه السياسي الأمريكي الجديد مع الرئيس دونالد ترامب مثلا يطرح الكثير من الأسئلة حول نجاعة الصناعة، كما أن المواصفات البيئية المعتمدة في الصين مثلا أقل صرامة من نظيراتها في أوروبا”.
وأوضحت أن تموقع المغرب كقطب تنافسي في هذا القطاع رهين أيضاً بالشروط التنافسية، لأن العديد من البلدان تسابق الزمن الآن لنيل حصتها هي الأخرى في السوق، بالإضافة إلى الاندماج الصناعي وتخصيص العقار، كون هذه الاستثمارات تتطلب مساحات شاسعة.
“ثانياً نحتاج إلى زيادة الاستثمار في البنية التحتية، لأن هذا القطاع يستهلك الطاقات المتجددة بكثرة، وكذا وسائل التخزين والموانئ الموجهة للتصدير، لأننا حين نتحدث عن قطب فينبغي أن تتوفر فيه 3 مكونات: صناعي وتكنولوجي ولوجستيكي”، تضيف الخبيرة.
وجدير بالذكر أن انتقادات كثيرة توجه لهذا الخيار الطاقي الاستراتيجي للمغرب، يبقى أحدثها التقرير الصادر عن منظمة السلام الأخضر الدولية “Green Peace”، الذي عاب توجه نسبة كبيرة من الاستثمارات المغربية في قطاع الهيدروجين الأخضر نحو التصدير، ولتلبية احتياجات الطاقة الأوروبية بدلاً من حاجيات الطاقة المحلية.