بوعياش تدعو للاجتهاد وتجديد الخطاب الديني للتفاعل مع متغيرات العصر

قالت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن “إصلاح المناهج التعليمية وتجديد الخطاب الديني ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة لضمان التفاعل مع متغيرات العصر، وتعزيز مقاصد الدين كقوة مُحركة لتعزيز القيم الإنسانية، ومرتكزات التنمية، والربط بين المقاربات التي تركز على الجوانب الشعائرية بعلاقتها بالمعاملات”.
وسجلت، خلال ندوة تواصلية بين العلماء والخبراء في التنمية حول مشروع العلماء في خطة “تسديد التبليغ”، اليوم الأحد، تركيز المناهج التعليمية على الجوانب الفقهية للعبادات، من حيث شروطها، وأركانها، وكيفية أدائها، ومحدودية الجوانب الأخلاقية والسلوكية التي تُشكّل جوهر هذه العبادات، مبرزة أن “هذا النهج التلقيني يُضعف قدرة الأفراد على استيعاب الأبعاد الروحية للدين، حيث يتم التعامل معهم كمجرد متلقّين، دون تحفيز التفكير النقدي أو تطوير فهم عميق لمقاصد الإسلام… وهو ما من شأنه أن يوسع الفجوة بين العبادات والمعاملات”.
وشددت على “عدم التعامل مع الإنسان ككائن ثابت الطبيعة، لا تؤثر فيه التحولات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها، لتفادي خلق فجوة بين إيمانه وبين الواقع المتغير الذي يحيط به. ومن هنا، يصبح الاجتهاد ضرورة ملحّة، ليقدم إجابات لتحديات متجددة تعترض مسارات التنمية وكرامة الإنسان”.
وتساءلت “هل يؤدي تغييب الحس النقدي إلى تفادي الإشكالات التي يعاني منها المجتمع؟ الإجابة هي بالتأكيد لا، لأن التحولات المجتمعية والتطلعات الإنسانية لا تتوقف، بل تتطور، منها الذاتي ومنها المرتبط بسياقات أوسع، فالحاجة إذن إلى اجتهاد فقهي معاصر يراعي هذه المتغيرات، عبر حوار متعدد الأطراف منفتح على الآفاق الفلسفية المختلفة، تبدو ضرورة لا غنى عنها”.
وأردفت بوعياش أن “الإسلام الوسطي المعتدل على الإعلاء من شأن قيم جوهرية للإنسان، ، والتي قد لا تتحقق مقاصدها الفعلية عندما يكون هناك محدودية التفكير النقدي والعقلانية، وهو ما يُعيق مواجهة التحديات المعاصرة ويُضعف المناعة القيمية للفرد والمجتمع”.
واعتبرت بوعياش أن “التحصين والتمنيع الفكري يتأسس على تعليم يحفز البحث العلمي، ويشجع الاجتهاد الفقهي لتقديم أجوبة عملية ومنهجية لقضايا الحياة اليومية ويُنمي قدرة الأفراد على مساءلة الوقائع ويعزز مهارات التحليل والتفكير المنهجي لديهم، بما يمكنهم من التفاعل الواعي مع الإشكالات المجتمعية بما فيها التنموية”.
وأوضحت، في كلمتها، أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تعاطيه مع التنمية يعتمد على مبادئ مترابطة، منها أن التنمية حق من حقوق الإنسان، وأنها ليست برامج فقط أو مجهود لتلبية احتياجات وحاجيات الأشخاص، بل ترتبط بحقوق هؤلاء، إضافي إلى اعتماد المجلس استراتيجية فعلية الحقوق التي تتأسس على مرتكزات قانونية وغير قانونية بما فيها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وأكدت بوعياش أن “جوهر الأهداف المقاصدية للإسلام، كدعوة كونية تخاطب الناس كافة، تتقاطع بوضوح مع جوهر القيم المؤسِسة لمنظومة حقوق الإنسان، وهو تقاطع قابل للتطوير والتوسيع والتعميق عن طريق الاجتهاد باعتباره جهدا بشريا يهدف إلى تحقيق أثر هذا الجوهر في حياة الناس وتحويله إلى مناط سلوك في حياته اليومية، وهو جهد مجتمعي بالضرورة، أي أنه خاضع للتحولات المجتمعية”.
وفي السياق ذاته، تابعت بوعياش، أن “مقاصد الدين الحنيف لا تتعارض في عمقها مع الأساس الأخلاقي للمنظومة الكونية لحقوق الإنسان، تماما على النحو الذي بينه فلاسفة وعلماء، كالفارابي وابن رشد وغيرهم… و ان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كمرجعية مؤسسة، يعكس توافقا لحضارات وثقافات مختلفة. وتنص بين ما تنص عليه، حماية حرية التعبد وممارسة الدين وإقامة شعائره”.
ولفتت المتحدثة ذاتها إلى “التوافق والتطابق على مستوى جوهر القيم، أي المبادئ الأخلاقية الكبرى لا ينفي التفاوت والاختلاف على مستوى البعد التطبيقي لمنظومة القيم، وهو ما يمكن معالجته عبر مداخل الاجتهاد وعمليات الرقي أو النهوض التي تستهدف الممارسات والسلوكيات والعقليات لحماية كرامة الإنسان”.
وقالت إن “هذه العمليات المتعددة الأبعاد لا تتطلب فقط مراجعة القوانين والإجراءات والمساطر بل تتطلب كذلك الانكباب على المقومات الذاتية للفرد بما فيها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية وغيرها، لجعل الإنسان محور التنمية الرئيسي… فاعلا فيها… ومستفيدا منها”.
وشددت على أن التفكير في سبل وآليات التنمية بالمغرب ينبغي أن يعتمد على “مقاربة واعية بتمفصلات حقوق الإنسان والتعقيدات الإنسانية والمجالية للتنمية، حيث خلصنا، في رصدنا، إلى عدم اختزال التنمية في أرقام النمو فقط، بل جعلها في قلب معادلة، تستوجب التركيز على الأبعاد الثقافية والاجتماعية المحددة للقيم المحفزة للتنمية”.
وأشارت بوعياش إلى أربع قيم أساسية تمثل أرضية عمل مشتركة بين كل الفاعلين في التنمية، منها قيمة الحرية التي غدت ركيزة أساسية لتحقيق التنمية، والتي يقتضي ترسيخها فهماً عميقاً للتحولات والتحديات المتعددة الأبعاد، وقيمة المساواة نظراً لطابعها العرضاني الذي يجعلها شرطاً أساسياً لنجاح مختلف البرامج التنموية، وقيمة العدالة التي تبنى من خلال مقاربة تضمن إدماج الفئات الأكثر هشاشة وحرماناً، مع ضمان تكافؤ الفرص في الولوج إلى المرافق والخدمات العمومية الأساسية، ثم قيمة التضامن بوصفه قيمة إنسانية راسخة تقوم على وعي الأفراد بوحدة مصيرهم المشترك، وما يترتب عن هذا الوعي من رغبة تلقائية في التعاون والتآزر والتكامل لمواجهة التحديات وتذليل العقبات”.