تباطؤ النمو الديموغرافي.. هل يسير المغرب نحو الشيخوخة؟

أكدت أستاذة الاقتصاد والإحصاء والديموغرافيا بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، مريم الفيلالي، أن تباطؤ النمو الديموغرافي بالمغرب، الذي كشف عنه الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024، قد يؤدي إلى شيخوخة المجتمع المغربي على المدى الطويل.
وأضافت الخبيرة في حوار مع صحيفة “مدار21″، أن لهذا التباطؤ تداعيات اقتصادية تستلزم تدابير استشرافية تتعلق بالتعليم العالي وسوق الشغل وصناديق التقاعد.
كما لفتت الانتباه لبعض المعطيات المثيرة للقلق، من قبيل التركيز السكاني في بضع جهات على حساب أخرى وما يمكن أن يُسفر عنه ذلك من صعوبات في تنزيل ورش الجهوية المتقدمة.
في ما يلي 3 أسئلة وجهتها “مدار 21” للخبيرة
1- أشارت المندوبية السامية للتخطيط، في النتائج التي أفرجت عنها برسم الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024، إلى انخفاض في النمو الديموغرافي للمغرب، فهل يمكن أن يؤدي هذا الاتجاه نحو الشيخوخة الديموغرافية على المدى الطويل؟
بداية أرغب في الإشادة بالسرعة التي تم بها نشر بيانات الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024، والفضل في ذلك يرجع بشكل كبير لرقمنة عملية جمع البيانات.
تُظهر المعطيات انخفاضا متواصلا للنمو الديموغرافي بالمغرب منذ سنة 1982، مع انتقال المعدل من 1.24 في المئة في سنة 2014 إلى 0.85 في المئة في 2024. إذا تواصل هذا التقهقر فمن شأنه أن يؤدي لشيخوخة ديموغرافية على المدى الطويل.
من المهم كذلك تسليط الضوء على أنه بالرغم من تباطؤ النمو الديموغرافي، يواصل عدد سكان المغرب نموه، حيث ارتفع من حوالي 34 مليون نسمة في عام 2014 إلى أزيد من 37 مليون نسمة في عام 2024. وبالتالي، يعكس هذا الانخفاض في النمو الديموغرافي تباطؤ وتيرة هذا النمو.
ثمة عدة عوامل لتفسير هذا الاتجاه؛ بما في ذلك معدل الزيادة الطبيعية السلبي، حيث يمكن أن تتجاوز الوفيات الولادات، وبالتالي تقليص النمو الطبيعي، أو معدل الهجرة السلبي، إذا تجاوز عدد المغادرين عدد الوافدين.
وعلى عكس بلدان مثل فرنسا وإيطاليا والصين، فالمغرب لم يصل بعد إلى مرحلة “التحول الديموغرافي المتقدم”. إذ تتميز هذه البلدان بانخفاض معدلات المواليد بسبب انخفاض الخصوبة، وانخفاض معدلات الوفيات بسبب زيادة متوسط الأعمار المتوقع (مأمول الحياة)، ما يؤدي لانقلاب هرم الأعمار.
أما في المغرب، فيبلغ مؤشر الخصوبة 2.5 طفل لكل امرأة في سنة 2024، وهو ما يتجاوز عتبة تجديد الأجيال المحددة عند 2.1. ولذلك يظل معدل الولادات مرتفعاً نسبياً، كما يتواصل تزايد عدد الولادات بشكل مستمر منذ عام 2017.
وبالرغم من أن المغرب لا يواجه بعد مشكلة الشيخوخة الديموغرافية، فمن الضروري استباق التحول في البنية السكانية. في الوقت الراهن، تتمتع المملكة بساكنة شابة، لكن هذا المعطى قد يتحول مستقبلا نحو نسبة متزايدة من المسنين. وعلى المدى الطويل، قد يؤدي هذا التغيير إلى “تكدس” هرم الأعمار، مع تركز عام في صفوف الشباب والمسنين.
2- ما هي في رأيكم التداعيات الاقتصادية لهذا التباطؤ في النمو الديموغرافي؟
من شأن هذا التباطؤ في النمو الديموغرافي أن يؤدي لتداعيات اقتصادية، لا سيما في تدبير تدفق الشباب الذين يلجون إلى التعليم العالي وسوق الشغل، مع طرح تحديات متعلقة بشيخوخة الساكنة.
وفي ما يتعلق بقابلية الشباب للتوظيف، ومع معدل البطالة الذي بلغ 13,7% خلال الربع الأول من سنة 2024 ومعدل 25% من الشباب الذين لا يشتغلون ولا يدرسون ولا يخوضون تدريبا، سيكون على المغرب تدبير حجم كبير محتمل من الشباب غير النشيط.
ويمثل هؤلاء الشباب كلفة اقتصادية مباشرة، لأنهم لا يساهمون في خلق الثروة، وليس لديهم دخل، وبالتالي فإن قدرتهم الشرائية محدودة، مما يضعف استهلاكهم ويقلص مساهمتهم في الدينامية الاقتصادية.
أما بالنسبة لشيخوخة الساكنة، فمن الضروري تعزيز أنظمة التقاعد ودراسة المخاطر المحتملة من حدوث خلل في التوازن بين النشطين والمتقاعدين؛ واستشراف المساهمات في الصناديق الاجتماعية أمر ضروري للغاية لتجنب الضغوط التي لوحظت في بلدان أخرى، كفرنسا.
3- ما هي في رأيكم المعطيات الأكثر إثارة للقلق في إحصاء 2024؟
للوهلة الأولى، تكشف البيانات عن تركيز سكاني صارخ في 5 جهات فقط من أصل 12 جهة في المغرب. وفي سياق الجهوية المتقدمة، يثير هذا أسئلة كبيرة، إذ يوضح هذا التفاوت تركيز إحداث الثروة وفرص الشغل في عدد قليل من الأقاليم، مما يُحدِث انجذابا للسكان نحو المدن الكبرى حيث تقع المراكز الاقتصادية الرئيسية.
وتسائل هذه الظاهرة القدرة على النهوض بتنمية شاملة ومتوازنة فعليا في جميع أنحاء المملكة، إذا استمرت الثروة والفرص في التمركز جغرافيًا.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن بعض هذه الجهات تتسم بمساهمة تفوق وزنها الديموغرافي، من حيث عدد السكان في سن العمل، في حجم البطالة الإجمالي.
يبدو من المهم القيام بتدابير لتحقيق توزيع أكثر عدلا للموارد والاستثمارات، بغية إتاحة فرص متساوية للتنمية لكل جهة من جهات البلاد.
Une bonne lecture des données statistiques du recensement 2024 et un rappel au gouvernement de faire ce qu’il faut pour surmonter ces défis