بعد تقاربه مع فرنسا.. هل تتضرر العلاقات الاقتصادية بين المغرب والصين؟

“الحرب التجارية” هو الوصف غير المبالغ فيه الذي بات يطلق على الصراع بين الصين و”العالم الغربي”، وبشكل خاص الاتحاد الأوروبي ورائدته فرنسا، ما يطرح تساؤلات حول التحول الذي قد يطرأ على طبيعة العلاقات بين الرباط وبكين، على ضوء التقارب المغربي-الفرنسي الأخير.
وشهد مطلع شهر ماي الماضي زيارة رسمية للرئيس الصيني شي جين بينغ لفرنسا، التقى خلالها ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية، أرسولا فون دير لاين، بهدف تخفيف حدة التوترات التجارية بين الطرفين، غير أن الزيارة لم تسفر عن التحسن المرجو نظرا لعمق الخلافات، وفق ما يراه متابعون للشأن الدولي.
وفي تقرير لها بتاريخ 20 أكتوبر الجاري، أكدت شبكة DW الألمانية، أن ماكرون “اشتكى خلال جولة بمعرض باريس للسيارات قائلا: نحن نمر بوقت عصيب، فالسوق الأوروبية تتقلص والمنافسة من الصين قوية للغاية”، مضيفا: “إذا كان بعض المصنعين في الصين يحصلون على الدعم، فمن الضروري فرض رسوم جمركية لتعويض ذلك، وإلا فإنك لا تلعب بقواعد عادلة”.
هكذا، وفي في بداية هذا الشهر، عمدت المفوضية الأوروبية لفرض رسوم جمركية جديدة على السيارات الكهربائية المصنعة في الصين، وكانت فرنسا قد تصدرت المصوتين لصالح القرار.
وئام اقتصادي يصطدم بعقبة سياسية
في المقابل، أحرزت العلاقات المغربية الصينية في المجال الاقتصادي تقدما ملحوظا في الآونة الأخيرة، وذلك منذ الزيارة الرسمية التي أجراها الملك محمد السادس إلى الصين في سنة 2016.
ذاك ما أكده الدكتور محمد خليل، رئيس جمعية الصداقة والتبادل المغربية الصينية، في تصريح لصحيفة “مدار 21″، مؤكدا أن للصينيين رغبة كبيرة في توطيد علاقاتهم مع المملكة.
وفي مطلع شهر مارس الماضي، التقى وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، نظيره الصيني وانغ وينتاو، وأجريا مباحثات لتوطيد وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. وأعرب وينتاو صراحة عن الأهمية التي يحظى بها المغرب بالنسبة للصين، كوجهة استثمارية وإنتاجية تنافسية.
وبدوره أكد سفير الصين بالمغرب، لي شانغ لين، أن النمو المستمر للاستثمارات الصينية بالمغرب يعكس تميز علاقات التعاون والتفاهم السياسي بين البلدين.
ويرى مراقبون أن الصين باتت تنظر للمغرب بوصفه بوابة عبور رئيسية لمصالحها الاقتصادية سواء في إفريقيا أو الاتحاد الأوروبي. لكن هذا الوئام الاقتصادي يصطدم بعقبة سياسية، وفقا للدكتور خليل: “هناك أبعاد سياسية تتدخل في تشكيل العلاقات بين البلدين، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية، فالملك محمد السادس كان واضحاً حين أكد في خطاب له أن معيار العلاقات الدولية الجديد للمغرب هو قضية الصحراء المغربية”.
ماذا ستخسر الصين؟
“التقارب مع فرنسا بلا شك سيضر بمصالح الصين في المغرب، ولا سيما على مستوى بعض المشاريع الكبرى التي تثير اهتمام بكين، وفي مقدمتها الطاقات المتجددة والبطاريات الكهربائية والسيارات… التي تعرف استثمارات صينية ضخمة بالفعل” يؤكد خليل.
من جهة ثانية، يرى الفاعل الجمعوي أن الصين قد تخسر الكثير من الأوراش المتعلقة بتنظيم المغرب لمونديال 2030، بحيث سيتيح التقارب المغربي الفرنسي لباريس الظفر بجزء كبير منها.
كما يظل مشروع تمديد خط القطار فائق السرعة أحد أبرز حلبات الصراع الصيني الفرنسي بالمغرب، حيث المنافسة محتدمة بين شركتي “ألستوم” الفرنسية و”CRECG” الصينية.
لكن يبدو أن الشركة الفرنسية قد دحرت المنافسة الصينية، بحيث أكد المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية، محمد ربيع الخليع، الاثنين أنه سيتم في إطار المشاريع الجديدة (المبرمة مع فرنسا) تمديد الخط فائق السرعة من القنيطرة إلى مراكش على طول 430 كلم، لافتا إلى “وجود العديد من طلبات العروض، من بينها تلك المتعلقة بالقطارات فائقة السرعة، حيث فازت شركة “ألستوم” الفرنسية بأحدها، بعد تقديمها لأفضل عرض من حيث الكلفة وجودة المنتج”.
بيد أن خليل ذكر بأن شركة “ألستوم” الفرنسية “اضطرت للاستعانة بالخبرة الصينية، برسم أشغال الخط الأول من نفس المشروع، والتي ظفرت بها إثر صفقة خضعت بدورها آنذاك لاعتبارات سياسية”.
ماذا لو تداركت الصين موقفها بشأن الصحراء؟
مع ذلك و”كيفما كان الحال، ستبقى هناك مجالات كبيرة للتعاون بين البلدين، لأن توجه المغرب كان دائما هو تنويع الشركاء، إلا أن الأولوية تبقى لمن يدعمون مبادرة الحكم الذاتي ومن ثمة مغربية الصحراء”؛ وفقا لمحمد خليل.
وأردف المتحدث بأن “فرنسا سبقت الآن لدعم مبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية، بينما مازالت الصين مترددة لأسباب متعلقة بمصالحها مع الجزائر”، مضيفا: “لكن إذا حدث واستوعبت الصين حزم المغرب في هذا السياق، وبادرت بدورها للاعتراف بمغربية الصحراء، فسيفتح ذلك باب المنافسة من جديد ويعيد الصين إلى السباق”.
ولم يستبعد خليل وقوع ذلك؛ “خصوصا أن للمغرب علاقات تاريخية مع الصين، وهو من بين البلدان التي تعترف بالوحدة الترابية الصينية وتدعم مبدأ الصين الواحدة في قضية تايوان”.