حركية دبلوماسية حقيقية بين لندن وواشنطن في زمن التحولات الكبرى

يشهد هذا الأسبوع حركية دبلوماسية حقيقية بين لندن وواشنطن، حيث سيتبادل الحليفان البريطاني والأمريكي زيارات رفيعة المستوى بهدف إعادة ترتيب علاقتهما الخاصة في ضوء التحديات الاقتصادية والجيواستراتيجية الجديدة.
وهكذا، سيدشن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، هذا التحرك الدبلوماسي برحلة إلى لندن، قبل الزيارة التي تم الإعلان عنها الجمعة الماضي لرئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إلى واشنطن.
وفي العاصمة البريطانية، سيطلق بلينكن مع نظيره البريطاني، ديفيد لامي، الحوار الاستراتيجي الأنجلو أمريكي، والذي يهدف إلى “إعادة التأكيد على علاقتنا الخاصة”، وفقا لما ذكره ماثيو ميلر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية.
ويتضمن جدول أعمال هذا الحوار بين البلدين، اللذان يظل تحالفهما واحدا من أقوى التحالفات في العالم المعاصر، العديد من القضايا، أبرزها أوكرانيا والشرق الأوسط، لاسيما تطور الوضع في منطقة المحيطين الهندي والهادي الاستراتيجية، التي تهدد بإحداث تغييرات عميقة في النظام الجيوستراتيجي العالمي الحالي.
وفي هذا الصدد، التقى رئيسا جهازي الاستخبارات الخارجية البريطانية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ريتشارد مور وبيل بيرنز، على التوالي، خلال عطلة نهاية الأسبوع في لندن، حيث حذرا من التهديدات الجديدة التي تواجه البلدين، كما تطرقا بشكل خاص إلى صعود الصين والتغيرات التكنولوجية السريعة.
ومن المقرر أن يلتقي السيد بلينكن، وهو أرفع مسؤول أجنبي يزور إنجلترا منذ فوز حزب العمال في الانتخابات التشريعية التي جرت في يوليوز الماضي، بستارمر قبل تنقل هذا الأخير إلى العاصمة الفيدرالية الأمريكية، حيث سيلتقي بالرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، وربما أيضا دونالد ترامب، المرشح الجمهوري للرئاسيات الأمريكية.
ويرى محللو المشهد السياسي البريطاني أن هذه الزيارات تأتي في وقت يسعى فيه البلدان إلى تنشيط تحالفهما بعد التحديات التي واجهاها خلال فترة حكم الحكومة المحافظة، التي قادت المملكة المتحدة من 2010 إلى 2024.
ومن الواضح أن الحزب الديمقراطي الأمريكي لا يزال يحافظ على تعاون أكثر مرونة مع حزب العمال مقارنة بحزب المحافظين.
وفي سياق التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين، تتجه واشنطن نحو حليفتها البريطانية لمواجهة المحور الصيني الروسي، على خلفية السيطرة على سلاسل التوريد.
وكانت هذة النقطة تحديدا في صلب الإعلان الأطلسي، الذي تم توقيعه بين لندن وواشنطن السنة الماضية. وبعيدا عن كونه شراكة تجارية، فإن هذا الإعلان يمثل، وفقا للمحللين، ميثاقا يضع المملكة المتحدة بقوة في الفلك الجيوستراتيجي الأمريكي.
ويتضمن الإعلان العديد من المحاور التي تعكس “الثقة المطلقة” بين البلدين، لاسيما التعاون المعزز في قطاعات حيوية، من قبيل صناعة الدفاع والطاقة النووية المدنية والمعادن الضرورية لتحقيق الانتقال الطاقي.
ويتناول الاتفاق، الذي تم وضعه لمواجهة الصين وروسيا، أيضا الأمن الطاقي وموثوقية سلاسل التوريد. ويعكس الاتفاق “التوافق الجديد لواشنطن، أو العقيدة الاقتصادية لإدارة بايدن، التي تنص على أن تراعي السياسات الصناعية والتجارية اعتبارات الأمن والسيادة أولا، وهو ما يشكل قطيعة مع عقيدة التبادل الحر.
وتؤكد الأوساط السياسية والإعلامية البريطانية على أن حكومة حزب العمال الجديدة، ورغم حرصها على إقامة شراكات جديدة لتخطي الاختلالات الناجمة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإنها تسعى لتأكيد مكانة المملكة المتحدة كشريك على قدم المساواة مع واشنطن في الشؤون الدولية.
وطيلة فترة تواجده في المعارضة، لم يكن حزب العمال ينظر بعين الرضا للسياسة الخارجية المتبعة من طرف المحافظين، حيث اعتبر أن حزب المحافظين يتبنى “عقلية إنجلترا الصغيرة” في العلاقات الخارجية، محذرا، في الوقت ذاته، من أن المملكة المتحدة تخاطر بتهميش نفسها في النقاشات العالمية.