“مثلث برمودا القاتل”.. خبير يُعدد أسباب عودة الانتحار بين الشباب المغاربة

بعد واقعة وضع تلميذة بمدينة آسفي حدا لحياتها بعد ضبطها في حالة غش خلال امتحانات الباكالوريا، عادت ظاهرة الانتحار إلى واجهة النقاش العمومي بالمغرب، بشكل جعل سوسيولوجيين يدقون ناقوس الخطر، ويعددون أسباب استشراء هذه الظاهرة التي أصبحت تزحف على أرواح شباب في عمر الزهور.
عملية انتحار عون سلطة بمدينة تطوان صباح أمس الخميس، من الطابق الثالث من منزله بحي الطوابل، خلفت أيضا صدمة وسط عائلته وجيرانه، وتخوفات في صفوف رواد مواقع التواصل الاجتماعي من عودة استفحال الظاهرة على مستوى أقاليم الشمال.
كما أثارت مقاطع فيديو تداولتها العديد من الصفحات توثق لعملية قفز شاب من على قنطرة بالدار البيضاء في ثالث أيام عيد الأضحى، ردود فعل كثيرة، رغم المحاولات المتكررة لثني الشاب عن فعله، إذ أصيب بجروح خطيرة عجّلت بوفاته على الفور.
الأستاذ الباحث في السوسيولوجيا، سعيد جعفر، أوضح أن ظاهرة إقدام الشباب على وضع حد لحياتهم في جميع المجتمعات دائما ما كانت لديها ارتباطات بما هو اقتصادي واجتماعي وكذلك ما هو نفسي.
وأكد ضمن تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أنه بِغضِّ النظر عن هذه الجرائم التي انتشرت مؤخرا، فإن الانتحار يعد جريمة في حد ذاتها، مضيفا أن عددا من القوانين والتشريعات الدولية تنص على تجريم الانتحار وإلحاق الأذى بالنفس.
ولفت إلى أن الظغوطات والمشاكل الاقتصادية عادة ما تؤثر في الجانب الاجتماعي، والأمر نفسه ينطبق على العامل النفسي، ما يترتب عنه انتشار كبير ومهول للجرائم بكل أشكالها، واستفحال لبعض المظاهر والسلوكات غير القانونية وغير الأخلاقية كذلك.
ظغوطات اقتصادية واجتماعية
ويعيش المغرب، على غرار الدول الأخرى، ضغوطات اقتصادية يتخبط فيها وسط تحديات ورهانات داخلية متعلقة بإصلاح البنية التحتية وربح استحقاقات ذات طبيعة عالمية، ما يبرز حسب السوسيولوجي انخفاضا واضحا للقدرة الشرائية مقابل ارتفاع تكلفة العيش بسبب رغبة الدولة في تنزيل هذه السياسات العمومية.
سياسة التقشف هاته الموجهة للخدمات الاجتماعية، حسب الخبير في علم الاجتماع، تُفاقم من ظهور عوارض اجتماعية تتعلق بارتفاع نسب البطالة في صفوف الشباب وتراجع قيمة الميزانيات المخصصة للعمل الاجتماعي.
هذا الضغط، وفق جعفر سعيد، يزيد من معاناة فئات شبابية واسعة من حملة الشهادات العليا سواء كانوا رجالا أو نساء، وفي بعض الأحيان حتى الأطفال، نتيجة حرمانهم من العديد من المتطلبات والاحتياجات التي بات من الصعب توفيرها في ظل هذه التحديات والصعوبات، يضيف الباحث.
مشاكل نفسية وجلد للذات
وشدد المتحدث على أن كل هذه المشاكل المختلفة تساهم في ازدياد وتيرة الضغط النفسي، خصوصا على الطبقات الفقيرة التي تزداد فقرا وينخفض معدل ولوجها للعديد من الخدمات والمنتوجات والسلع الاستهلاكية من جهة، والطبقة المتوسطة التي تصبح أكثر مديونية نتيجة عدم قدرتها على مقاومة التضخم وارتفاع الأسعار الذي ينعكس على قدرتهم الشرائية، ويزيد من إمكانيات ولوجها للاقتراض.
وخلص إلى أن العامل النفسي يعد سلسلة أخيرة في حلقة عوامل متداخلة تجمع بين ما هو اقتصادي واجتماعي، ما ينتج أعراضا جانبية (أمراض نفسية، اكتئاب)، ويسهم في بروز بؤرة من السلوكات العدوانية والأفعال ذات طبيعة جرمية، ويأتي من ضمنها الانتحار وارتكاب جرائم في حق الذات وجلد النفس.
وتجدر الإشارة إلى أنه إلى حد الآن، تغيبب بيانات وإحصائيات دقيقة تتعلق بحالات ارتفاع أو تراجع الانتحار في الدول العربية وحتى بالمغرب، حيث أكدت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية العام الماضي غياب دراسة وطنية علمية شاملة حول ظاهرة الانتحار، مشيرة إلى أن تقييم الوضعية الذي قامت به سنة 2019 بخصوص السلوكيات الانتحارية أظهر وجود بعض الدراسات المتفرقة والمحدودة ترابيا.