مجتمع

“مجلس بوعياش” يكشف حقيقة الانتهاكات والتحرشات بأطفال زلزال الحوز

“مجلس بوعياش” يكشف حقيقة الانتهاكات والتحرشات بأطفال زلزال الحوز

سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان العديد من الانتهاكات والخروقات في الفضاء الرقمي لخصوصية الأطفال بالمناطق المنكوبة بالزلزال في 8 شتنبر 2023، بينها ادعاءات الاعتداء الجنسي واستغلال صورة الأطفال من طرف صناع محتوى بمنصات التواصل الاجتماعي.

وأصدر مجلس حقوق الإنسان، اليوم الجمعة، تقريرا اختاره للاحتفاء باليوم الوطني لحقوق الطفل، الذي يصادف 26 ماي من كل سنة، بتقديم توصيات وخلاصات رصده لوضعية حقوق الطفل خلال أزمة زلزال الحوز، عقب سلسلة من الزيارات الميدانية والجلسات التي مع الأطفال؛ باعتبارهم  من الفئات الأكثر هشاشة إبان الكوارث، والجمعيات غير الحكومية والسلطات المحلية المعنية.

ادعاءات التحرش الجنسي

ورصد التقرير تنامي المنشورات في الفضاء الرقمي التي تتعلق بالأطفال بالمناطق المنكوبة بالزلزال (مقاطع فيديو، قصص مصورة،  صور، تعليقات) تتضمن محتوى يستهدف أطفالا بمناطق متضررة جراء زلزال الأطلس، خاصة الفتيات، بعضها يتضمن إيحاءات جنسية ويحرض على الاعتداء الجنسي على الأطفال، كما رصد المجلس مضامين أخرى تهدف إلى استغلال الأطفال وادعاءات كثيرة تتعلق بالتحرش أو بالتبليغ عن حالات للاتجار في البشر.

وذكر التقرير أنه “على خلفية واحدة من التدوينات التي رصدها المجلس في هذا السياق، والتي أثارت تفاعلا كبيرا ،أعلنت مصالح المديرية العامة للأمن الوطني، يوم 19 شتنبر، عن “توقيف طالب جامعي نشر محتوى تحريضي، يهدد فيه بالتوجه للمناطق المنكوبة بالزلزال لارتكاب اعتداءات جنسية في حق أطفال قاصرين، أصدرت المحكمة الابتدائية بالرشيدية في حقه لاحقا حكما بالسجن ثلاثة أشهر، قبل أن تقضي غرفة الجمح الاستئنافية بمحكة الاستئناف بالرشيدية بإلغاء الحكم الابتدائي والتصريح ببراءة الشخص المعني”.

وأشار “مجلس بوعياش” إلى أنه في إطار التحقق من عدد من المضامين التي تضمنت ادعاءات بالتحرش الجنسي بفتيات بالمناطق المتضررة، جرى تداولها على نطاق واسع، اتضح أن “عددا كبيرا منها أغفل عدة سياقات رئيسية ترتبط بها، تبطل هذه الادعاءات”.

ونبّه التقرير إلى أن إعادة نشر محتوى على نطاق واسع، وإن كان في سياق الاستنكار والتنديد والتبليغ، دون بحث وتحقق، قد يطرح أحيانا إشكالات تمس حقوق الأطفال أنفسهم، إذ رصد المجلس أن بعض المضامين، التي استنكرت الأفعال التي جرى ادعائها وقامت بإعادة نشرها، في إطار التنديد و/أو التبليغ عنها، لم تحرص بالشكل الكافي على الإخفاء الكامل لوجه الفتيات المعنيات”.

ولفت المجلس في هذا الإطار إلى أنه يمكن لمثل هذا السلوك بالفضاء الرقمي، خاصة في سياق ادعاءات تتعلق بالتحرش والاعتداء الجنسي على الأطفال، أن يتسبب في وصم خطير قد يلحق هؤلاء الأطفال وأثار خطيرة محتملة أخرى، آنية ومستقبلية، على الأطفال المعنيين.

وأضاف أن إعادة نشر ادعاءات التحرش الجنسي على نطاق واسع قد تلحق أيضا الضرر بسمعة الغير؛ مشيدا  بالتعبئة المواطنة الكبيرة لحماية حقوق الطفل عقب فاجعة الزلزال والتنديد المجتمعي الواسع بأي مس أو انتهاك محتمل يمكن أن يطال الطفولة المغربية”، ومنبها إلى أن نشر ادعاءات، غير متحقق منها، تهم التحرش والاعتداء الجنسي ضد الأطفال، أو ادعاءات أخرى، على نطاق واسع، دون حرص كاف أو اتخاذ ما يلزم من الإجراءات الضرورية، في حالات قد تقتضي تدقيق السياقات، قد يلحق ضرارا كبيرا بسمعة أشخاص قد يتضح لاحقا أنهم بريئون من هذه الادعاءات، كما كان عليه الحال في ادعاءات تتبعها المجلس في هذا السياق.

واقعة التقبيل ودعوات الزواج

وفي واقعة تقبيل صانعة محتوى فتاة في الفم بمناطق المتضررة بالزلزال، لفت المجلس إلى أن “تقبيل الأطفال عن طريق الفم، في سياقات محددة، قد يشكل تحرشا واعتداء على الأطفال وصورة من صور هتك العرض بدون عنف (قرار سابق لمحكمة النقض)، مضيفا “فضلا عن ذلك، نشر مثل هذه الصور وانتشارها بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدي إلى التعرف على هوية الطفل بسهولة وقد تكون له عواقب لاحقة غير مقصودة، بما في ذلك الوصم والانتباه غير المرغوب وحتى مخاطر على سلامة الطفل، علاوة على احتمال استخدم الصورة بشكل غير لائق أو مسيء من قبل أفراد آخرين لأغراض متنوعة، بشكل ينتهك خصوصية الطفل ويعرضه للخطر، بعد انتشار الصورة أو حتى بعد ذلك بسنوات، بسبب ذاكرة الأنترنيت الطويلة”.

ورصد المجلس الوطني لحقوق الإنسان انتشار عدة فيديوهات ومضامين لصناع محتوى ومستخدمي المنصات الاجتماعية تتضمن دعوات لتقديم المساعدة للضحايا من النساء والفتيات بتشغيلهن كعمال منزليين، مشيرا إلى أن هذه الفيديوهات والمقاطع لقيت استنكارا شديدا وتنديدا كبيرا لدى مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، دفع أصحاب هذا المحتوى إلى المسارعة إلى حذفه.

وشدد في السياق ذاته على أن مثل هذه الدعوات تشكل تحريضا على خرق القانون واستغلال الأطفال في العمل المنزلي، الذي حدد له المشرع 18 سنة كحد أدنى.

وأكد التقرير ذاته أن عددا من المضامين المشابهة تضمنت دعوات للزواج بطفلات من ضحايا الزلزال، لم يخل بعضها من إيحاءات تفضح نية استغلال الطفلات واستغلال ظرفية الزلزال، وقد خلفت مثل هذه الدعوات حملة شجب واستنكار كبيرة بالفضاء الرقمي، مجددا ترافعه الدائم والمستمر ضد تزويج أو الزواج بالقاصرات باعتباره انتهاكا صريحا لحقوق الطفل، زيهدد حقوقا جوهرية أخرى مثل التعليم والصحة، والحماية ولا يراعي المصلحة الفضلى للطفل.

وسجل مجلس حقوق الإنسان الانخراط الكبير لفعاليات مدنية محلية عديدة تعبأت من أجل المساهمة في التصدي لمحاولات استغلال الأطفال، مشيرا بهذا الصدد إلى تخصيص اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه لرقم أخضر للتبليغ عن أي مضامين مسيئة خاصة بفئة الأطفال والنساء الضحايا، من شأنها التحريض على أفعال تدخل ضمن خانة الجرائم والجنح المعاقب عليها قانونا بمقتسى القانون رقم 27.14 المتعلق بالاتجار بالبشر.

وعكس ما روجت له المحتويات المرصودة بالفضاء الرقمي، أكد التقرير أنه لم يتم خلال الزيارات الميدانية التي قام بها “مجلس بوعياش”، من خلال اللقاءات مع جمعيات المجتمع المدني والتفاعل المباشر مع الأطفال، الوقوف على حالات استغلال الأطفال سواء الاستغلال الاقتصادي (العمل المنزلي)، أو الاستغلال الجنسي (طلبات الزواج بطفلات المناطق الزلزال).

وأوصى بهذا الصدد بالامتناع عن إعادة نشر اتهامات وادعاءات قد تمس بحقوق الآخرين وسمعتهم، دون بحث وتحقق، والنهوض بثقافة توثيق الادعاء والتبليغ عنه بمفهومه القانوني والحث على ضرورة التبليغ، بشكل قانوني، لدى السلطات والمؤسسات المختصة، إضافة إلى تعزيز آليات الرصد لدى السلطات العمومية من أجل التصدي التلقائي، ووضع آليات لتعزيز التجاوب السريع مع حالات التبليغ، وإلغاء الاستثناء وتثبيت القاعدة القانونية (تزويج الطفلات).

صورة حاضرة وصوت غائب

وخلص الرصد الذي قام به المجلس الوطني لحقوق الإنسان لأشكال المحتوى في منصات التواصل الاجتماعي عقب زلزال 8 شتنبر، إلى أن الأطفال شكلوا موضوعا لمحتوى كثير ومتعدد بالفضاء الرقمي (فيديوهات، صور، مقالات، تدوينات…)، حيث كانت صورهم حاضرة بشكل كبير ضمن عينة الرصد، غير أن “صوتهم ورأيهم بخصوص القضايا التي تهمهم وتهم مجتمعاتهم ظل غائبا بشكل جلي وغير مسموع”، مفسرا ذلك بأن “صناع المحتوى ومهنيي الفضاء الرقمي، داخل عينة الرصد، لم يمنحوا للأطفال أي فرص للتعبير عن احتياجاتهم والاستماع لآرائهم بشكل يتناسب مع وقع الزلزال وانعكاساته المحتملة على حقوق الطفل، من جهة، ومع الحيز الكبير الذي أخذته صورهم في الفضاء الرقمي، من جهة ثانية”.

وسجل تقرير مجلس حقوق الإنسان أن الفضاء الرقمي “أبرز بالفعل عديدا من المبادرات الرقمية التي انتبهت لاحتياجات الأطفال الخاصة وحثت على الاهتمام بها، خاصة في سياق الهبة التضامنية التي شهدها المغرب؛ مثل الحث على التبرع بالألعاب، تشجيع المتضامنين على تشييد أماكن خاصة باللعب للأطفال، قوافل تهتم بالأطفال، تنظيم ورشات للأطفال، اصطحاب مساعدين اجتماعيين ومتطوعين في التنشيط والمسرح،  الحث على التبرع بملابس الأطفال الصغار واحتياجات الأخرى مثل حليب الأطفال، حفاظات، أدوات مدرسية”.

واستدرك التقرير “إلا أن هذا الفضاء أغفل بشكل تام تقريبا حق الأطفال أنفسهم في المشاركة وحقهم في التعبير عن آرائهم ومشاعرهم والاستماع إليهم؛ لتتكرس داخل الفضاء الرقمي عقب الزلزال من جديد نمطية النظر للأطفال كموضوع اشتغال أو تصوير، وليس اعتبارهم فاعلا رئيسيا وأساسيا في القضايا التي تهمهم وتهم مجتمعاتهم باعتبارهم «أصحاب حقوق”.

حيز إعلامي ضعيف للطفل

وخارج الفضاء الرقمي، وفي سياق تتبعه للتغطية الصحفية لزلزال الأطلس، سجل التقرير أن “كافة الجرائد والمقالات الصحفية المرصودة لم تمنح الفرصة للأطفال للتعبير عن آرائهم والاستماع إليهم وإلى احتياجاتهم، بالرغم من رصد عدد كبير من المقالات التي سلطت الضوء على قضايا الطفولة والأطفال في علاقتها بفاجعة الأطلس وصلت إلى 20.5 بالمئة من مجموع عينة المقالات التي جرى رصدها، المؤرشفة في قاعدة البيانات الصحفية التي يتوفر عليها المجلس”.

وذكر المجلس بأن الأطفال الذين يلتقي بهم المجلس، سواء في لقاءاتهم المنتظمة أو الاستشارات الجهوية التي أطلقها سنة 2023، ما فتئوا يعبرون بشكل قوي عن أهمية وضرورة الاستشارة معهم والاستماع إليهم ومنحهم فرصة التعبير عن آرائهم في كافة القضايا التي تهمهم وتهم مجتمعاتهم، من أجل إعمال فعلية المشاركة.

وجدد المجلس الوطني لحقوق الإنسان بهذا الصدد التأكيد على توصية سابقة لآليته الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل، بجعل الأطفال والتفاعل معهم ومع قضاياهم في قلب النظم والسياسات الإعلامية والصحفية بالمغرب، وإعطائها الأولوية في أجندة الإعلام الوطني، بشكل يحترم حقوقهم وحرياتهم وينهض بحقهم في التعبير والمشاركة.

وأوصى أيضا بضرورة نهوض الإعلام، بكافة أشكاله وأنماطه، بحق الأطفال في حرية التعبير، بما في ذلك عن طريق تعزيز استثمار الفرص الجديدة التي تتيحها البيئة التي يوفرها الفضاء الرقمي من أجل فعلية مشاركة الأطفال والحرص الدائم على الاستماع لآرائهم فيما يخصهم وما يخص مجتمعاتهم، بشكل يراعي مصالحهم الفضلى ولا يعرضهم للخطر أو الوصم أو ينتهك حقوقهم الأخرى، ومن بينها الحق في الصورة والخصوصية، إضافة إلى برمجة تكوينات خاصة بالإطار المعياري لحقوق الطفل لفائدة الصحفيين وكل المشتغلين في الحقل الإعلامي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News