مجتمع

“مكتب الحافيظي”.. خُرمٌ بميزانية الدولة وفشل في إطفاء عطش المغاربة

“مكتب الحافيظي”.. خُرمٌ بميزانية الدولة وفشل في إطفاء عطش المغاربة

توضح كثير من المؤشرات، أبرزها الضعف المسجل في التساقطات المطرية لهذه السنة، أن تهديد العطش للمغاربة يُعد مسألة وقت فقط، غير أن احمرار المؤشرات هذا لا ينعكس في استجابة مؤسسات عبر رفع استعداداتها وإعلان إجراءات مواكبة، وعلى رأسها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، الذي تحول إلى “ثقب أسود” في ميزانية الدولة دون طائل يذكر.

وإن كان الجفاف معطى موضوعيا يرخي بظلاله على هذه السنة ليضع سيناريوهات مفزعة، فإن وجود مؤسسات مثل المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب الغرض منه تفادي أسوأ السناريوهات والعمل على تعبئة الموارد المائية بمختلف الطرق، إلا أن الوضع الذي وصلت إليه بعض المدن والانقطاعات المتكررة للمياه لا يعبر عن استيعاب مكتب الحافيظي لأدواره كما يجب.

وبالرغم من أن موضوع الماء يستأثر باهتمام الدولة المغربية وتتم إدارته على أعلى مستوى، إلا أن المساهمة التي تفترض في عدد من المؤسسات تلقي مسؤولية على عاتقها وتسائل حصيلتها التي تكاد تكون صفرية في مواجهة الأزمة الحالية، خاصة مساهمة مكتب الكهرماء، الذي يبدو أنه بلا حيلة ويرمي عجزه بمختلف الطرق على مشجب الجفاف والإجهاد المائي.

وطيلة سنوات مضت، لا يحضر ذكر مكتب الكهرماء في النقاش العمومي وأرقام المؤسسات الرسمية إلا مرفوقا بالحديث عن أزمته المالية المزمنة، وفشله في إيجاد التوازن المالي بين تكاليف الإنتاج وتعريفة الاستهلاك، ما يجعله يلوح دائما بالحل السحري للخوصصة.

كما أن المكتب الوطني لا يقدم مؤشرات مطمئنة بشأن استعداده للسيناريوهات الأصعب التي قد تحملها هذه السنة، إضافة إلى غيابه شبه التام عن ساحة التحسيس والتوعية بأهمية ترشيد استهلاك الماء، وتقديم التوضيحات اللازمة للمواطنين، لكن لا تبدو العزلة التواصلية للمكتب مستغربة وهو الذي مايزال يُطل على المغاربة بموقع إلكتروني فرنكفوني لا يوفر خيارات اللغات الوطنية!

نموذج اقتصادي  مفلس

لم يستطع المكتب الوطني للماء والكهرباء – قطاع الماء تجاوز الفشل الكبير على مستوى نموذجه الاقتصادي والمالي بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، وما تفرضه الإكراهات الاجتماعية من صعوبة مراجعة التعريفة المعتمدة لاستغلال الموارد المائية، إضافة إلى ضعف قدرة المكتب على المساهمة في تمويل المشاريع المرتبطة بالماء مما حوله إلى عالة خاصة في المشاريع الكبرى التي يُقحم بها.

وسجل المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي لسنتي 2019 و2020 “ضعف الأثر المالي لمراجعات تعريفة الماء الصالح للشرب على مستوى المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب قطاع الماء. وفي جوابها أشارت وزارة الداخلية بأن مراجعة تعريفة الماء والتطهير السائل “يجب أن تتم في إطار من التنسيق بين الفاعلين المعنيين بعد إتمام إنشاء الشركات الجهوية المتعددة الخدمات”.

وأوصى المجلس الأعلى للحسابات بمراجعة منظومة تعرفة الماء والتطهير، “بشكل يسمح بالتطبيق التدريجي لتعرفة أكثر عدلا تسمح باستدامة التمويلات والبنيات التحتية المائية، وكذا بضمان التوازن المالي للمؤسسات المسيرة، مع الأخذ بعين الاعتبار الفئات الهشة”.

ويكلف المكتب سنويا ميزانية الدولة ملايير الدراهم التي يتم ضخها في صندوقه والتي بلغت برسم سنة 2022 ما يصل إلى 40 مليار درهم، ما دفع نوابا برلمانيين من الأغلبية والمعارضة بمجلس النواب إلى رفض ما أسموه بـ”ابتزاز” المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بسبب مطالب هذا الأخيرة الحكومة للتدخل في كل مرة لضخ أموال إضافية تحت ذريعة مواجهة الإفلاس، مؤكدين أنه “لا يمكن تأدية أموال عن سوء تدبير المكتب الذي يتعين عليه أن يتحلى بقدر من المسؤولية والوطنية”.

توجه استراتيجي نحو الخوصصة

يضع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب خيار الخوصصة وتفويت الخدمات إلى شركات خاصة كتوجه استراتيجي للتغطية على عجزه المالي المتواصل، وهو الخيار الذي يبرره بأهمية الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام لتخفيف العبء على الميزانية العامة وتحسين الشروط التقنية والاقتصادية والمالية لتدبير القطاعات ذات الصلة بالماء.

وقد أكد المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب أهمية المجهودات المبذولة لتطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مذكرا باعتماده نموذجا أخرا للشراكة من خلال إحالة تدبير منشآت الماء الصالح للشرب في الوسط القروي على القطاع الخاص، وفق تقرير المجلس الأعلى للحسابات.

وفي جواب المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، الذي أورده التقرير نفسه، يؤكد الحافيظي أن المكتب اعتمد نموذجا للشراكة مع القطاع الخاص من خلال إحالة مهمة تدبير منشآت الماء الصالح للشرب في الوسط القروي على القطاع الخاص، حيث تم اعتماد شكلين للإحالة على القطاع الخاص أولهما “المناولة دون تحمل المخاطر التجارية”، والشكل الثاني “المناولة مع تحمل المخاطر التجارية.. مع اعتماد مقاربة الدعم حسب النتائج المحققة”.

وشدد الحافيظي على أن اعتماد خيار مناولة تدبير منشآت الماء الصالح للشرب بالوسط القروي هو “قرار استراتيجي للمكتب، يندرج في إطار النظرة الشمولية المرتكزة على ترشيد وعقلنة نفقات الاستغلال للحد من التأثير السلبي على التوازن المالي للمكتب، مع ضمان تدبير مستدام ومرشد لمنشآت الماء الصالح للشرب”.

مكتب اللاتواصل!

بالرغم من تأكيد مشروع المخطط الوطني للماء على وجوب اعتماد استراتيجية وطنية للتحسيس والتواصل المؤسساتي ومن أجل تغيير السلوك، وتشديده على أن “يتم تصميم وتنفيذ هذه الاستراتيجية في ظل المسؤولية المشتركة بين مختلف المتدخلين”، إلا مكتب الكهرماء ما يزال إلى اليوم يسجل ضعفا في هذا الإطار.

هذا الضعف التقطت إشارته لجنة قيادة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020 -2027، التي يترأسها رئيس الحكومة في اجتماعها الأخير، والتي دفعها تقييم عدم كفاية الأمطار الأخيرة إلى توجيه البوصلة نحو مزيد من التركيز على التحسيس والتواصل، وهو الأمر الذي تقاعست فيه عدد من المؤسسات المتدخلة، بينها المكتب الوطني للكهرباء والماء.

وكان مجلس الحسابات قد لاحظ “غياب استراتيجية تواصل متكاملة ومتعددة الدعامات مرتبطة بتثمين وحماية الموارد المائية وإشاعة ثقافة الاقتصاد في استهلاك الماء”، إذ يغيب المكتب بشكل ملحوظ عن النقاش العمومي وعن المساهمة في التوعية والتحسيس إلى جانب باقي المؤسسات المتدخلة.

ضعف ترابط قطاع الكهرباء والماء

على الرغم من أن إحداث المكتب جاء لتعزيز الالتقائية بين قطاعي الطاقة والماء، إلا أن تقييم التجربة المتعلقة بتجميع قطاعي الماء والكهرباء على مستوى المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، أظهرت الارتباك الحاصل في هذا الإطار.

وبينما كان الهدف من إحداث المكتب الوطني للكهرباء والماء التقريب بين القطاعين وتنسيق وترابط الاستراتيجيات الوطنية داخلهما، “إلا أنه، وبعد مرور 10 سنوات من هذا الالتزام، لم يتم بعد بلوغ الهدف المتوقع من عملية جمع الأنشطة، بحيث أن انسجام استراتيجيات قطاعي الماء والكهرباء ما زال متأخرا”، وفق تقرير مجلس الحسابات.

وسبق لفريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب، أن انتقد تدبير المكتب الوطني للكهرباء والماء والصالح للشرب، الذي يرأسه عبد الرحيم الحافيظي، وقال الفريق إن “الوقت قد حان لفتح نقاش عمومي حول الجدوى من استمرار الجمع بين تدبير قطاعي الماء والكهرباء من طرف المكتب الوطني”.

الشركات الجهوية وغضب المستخدمين

وسبب إحداث الشركات الجهوية لتوزيع الكهرباء والماء الصالح للشرب احتقانا كبيرا داخل “مكتب الحافيظي” بعد خوض مستخدمي المكتب إضرابات وطنية ووقفات احتجاجية جهوية بسبب إغلاق أبواب الحوار من طرف الإدارة العامة مع التنسيق النقابي الثماني، للتفاوض حول الملف المطلبي الاستعجالي، ومطالبة برفع الأجور ورفض تسليع الماء تزامنا مع إحداث شركات جهوية لتدبير خدمة الماء.

الاحتجاجات جاءت بسبب قانون 83-21 المتعلق بإحداث الشركات الجهوية لتوزيع الماء والكهرباء الذي “يهدد بتسليع الماء وخوصصة المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، ورفض تسليع الماء الذي سيثقل كاهل المواطن المغربي”.

ورفض المحتجون “تنقيل المستخدمين والضرب في مصيرهم ومستقبلهم ومستقبل المكتب”، إذ يعتبر المستخدمون أن خطورة القانون تتمثل في رغبة الإجهاز على المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب الذي قدم خدمات كبيرة للمواطنين، وساهم في البنية التحتية بالمدن والقرى، وأعطى الماء والكهرباء والتطهير بتعريفة اجتماعية، بينما اليوم سنصبح أمام تعريفة تضرب المواطن بشكل عام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News