بورتريه

خناتة بنونة.. “نخلة مغربية” سبقت عصرها

خناتة بنونة.. “نخلة مغربية” سبقت عصرها

“هذه ابنتي وابنة المغرب”.. بهذه الكلمات وصفها السياسي المغربي علال الفاسي. تعد خناتة بنونة من أولى النساء اللواتي خضن غمار الكتابة، وأثبتت قدرتها على الاستمرار في طريق الكلمة الذي اختارته منذ البداية، وشكّل مسارها الأدبي ملحمة إبداعية توهجت منذ مطلع الستينات.

المتمردة بالعلم

أبصرت خناتة النور يوم 24 شتنبر 1940 بمدينة فاس، عاشت في كنف أسرة محافظة ومناوئة للاستعمار الفرنسي. كانت من القليلات اللواتي حظين بحق التعليم إبان فترة الاحتلال الفرنسي، تمرّدت على التقاليد السائدة وإرادة أسرتها التي كانت تريد تزويجها في سن مبكّر. ساعدها على تمرّدها الراحل علال الفاسي، مفضلة التسلح بالعلم وإكمال دراستها بفاس.

اشتغلت بالتعليم الابتدائي، ثم مُدرِّسة للاجتماعيات بالتعليم الثانوي، وعملت مديرة بثانوية “ولادة” بالدار البيضاء سنة 1968، وأسّست أول مجلة نسائية بالمغرب سمتها “شروق”.

وتشكل كتاباتها الكثيرة المجال الخصب لتصوير الواقع العربي المهزوم الذي تعيشه المرأة العربية، والمجتمع العربي على حد سواء.

الكتابة أفقا للتغيير

رفضت خناتة أن تمثل غيرها من نساء المغرب، إذ قالت: “قضيتي ليست قضية التحدي وإثبات الذات، أنا امرأة عادية، صادقة في اختياراتي، متبنية قضايا وطني وهذه الأمة”.

وصفت نفسها في حوار صحفي بأنها: “نخلة مغربية طالعة من تراب هذه الأرض، سامقة لا أستظل لا بظل أوروبا ولا أمريكا، مع أني أعترف بأني تلميذة للفكر والإبداع الإنساني أينما كان”.

تقول خناتة بنونة عن هدفها من الكتابة في تصريحات سابقة: “أنا أنتمي للكتابة من أجل تبرير الوجود على الصعيد الذاتي، والمساهمة في تغيير الواقع على المستوى الموضوعي.”

أسّست خناتة أول مجلة نسائية في المغرب، لكنها سرعان ما توقفت، إذ سبق وصرحت بهذا الشأن: “كنت أراهن وجيلي على بناء قاعدة للأدب الحديث بالمغرب، وحرق المسافات لتأسيس ذات أدبية لنقول للمشرق أن لنا قامتنا وأدبنا، ولما كانت الساحة الثقافية آنذاك فارغة فكرت في إصدار مجلة ثقافية نسائية وهي مجلة (شروق)، التي صدر أول عدد منها عام 1965”. أهم ما كان يميز المجلة أنها استقطبت مجموعة من المثقفين المغاربة، وحاولت بنونة تحدي الصعاب من أجل تحقيق هدفها، لكنها لم تستمر وتوقفت بعد أربعة أعداد، وطلب منها الراحل علال الفاسي أن تتوقف عن إصدار المجلة قائلا: “كان يجب أن تتأخر ولادتك بالمغرب إلى ما بعد 100 سنة حتى يتطور المغرب ويتقدم ويصل إلى المرحلة التي تناسبك.”

مساندة القضايا الإنسانية

ارتبطت وجدانيا بالقضية الفلسطينية إثر زيارتها لها مع أبيها وهي ابنة عشر سنوات في طريقهما للحج، وعثرت في تلك الرحلة على كتاب  “بروتوكولات حكماء صهيون” الذي ساهم في تشكل وعيها النضالي بقضايا أمتها، هذا الارتباط الوجداني عزّزه ارتباط على مستوى القلم من خلال روايتها “النار والاختيار” التي حملت من خلالها الهم العربي الذي ظل يعذبها جراء هزيمة يونيو 1967، كما كتب مقدمتها رمز الحركة الوطنية علال الفاسي، الذي كان بمثابة والدها الروحي، كما أن روايتها حصلت على الجائزة الأدبية الأولى في المغرب، قبل أن تصبح مقررة في مستوى التعليم الثانوي.

في جعبتها كذلك مجموعات قصصية كثيرة، أبرزها “ليسقط الصمت” وهي أول مجموعة قصصية نسائية بالمغرب صدرت سنة 1967، و”الصورة والصوت” سنة 1975 و”العاصفة” و”الغد والغضب” وغيرها..

حصلت على جائزة القدس سنة 2013 في سلطنة عُمان، وتبرعت بقيمتها المالية لـ”بيت مال القدس”، إذ قالت “مال القدس يرجع إلى القدس”.

كما تبرعت بجائزة الكتاب المغربي عن راويتها “النار والاختيار” ومبيعاتها كاملة لدعم منظمة التحرير الفلسطينية.

آمنت خناثة بنونة بدورها وبدور المثقفين الفاعل خدمة لقضايا شعوبهم، فدعمت قضايا شعوب مكلومة في العالم الإسلامي، من البوسنة والشيشان إلى أفغانستان إلى اللاجئين الصوماليين، كما أنها من بين المنادين بضرورة التمسك بالهوية والعروبة، إذ علّقت على استعمال اللغة الدارجة عوض اللغة العربية في التعليم، بقولها: “اللغة العربية تخلق رجالا وطنيين حقيقيين فالمرتد عن لغته كالمرتد عن دينه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News