سياسة

رؤساء الجهات.. الغائب الأكبر وسط مشاكل المغرب بعد سنتين من تنظيم الانتخابات

رؤساء الجهات.. الغائب الأكبر وسط مشاكل المغرب بعد سنتين من تنظيم الانتخابات

رغم الصلاحيات الواسعة التي منحها القانون التنظيمي لرؤساء الجهات، والتي تتعلق أساسا بالتدبير والتسيير وإعداد برنامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد الترابي وإعداد الميزانية وإبرام صفقات الأشغال أو التوريدات أو الخدمات ورفع الدعاوى القضائية، إلا أنه يسجل أنهم الغائب الأكبر وسط مشاكل المغرب بعد سنتين من تنظيم الانتخابات.

وتتمثل مهمة الجهات، حسب القانون 14 .111 المنظم لها، في استعمال الموارد الطبيعية المتوفرة لها، والعمل على تيسير توطين الأنشطة المنتجة للثروة والشغل، وتحسين القدرات التدبيرية للموارد البشرية وتكوينها. ويتميز التدبير الجهوي بالاستقلالية المالية والتدبيرية، ما يسمح لها بتسيير مجال ترابي بموارد مالية وبشرية مستقلة وبنوع من الحرية.

وإذا كان دستور 2011 قد خص الجهوية المتقدمة، بغية تدعيم فرصة التنمية الترابية بمختلف مناطق المملكة، بمكانة متميزة مقارنة بالمؤسسات الدستورية الأخرى، حيث جاءت في سياق النقاش العام حول اللاتمركز الإداري، فإن حصيلة التنفيذ تساءل رؤساء هذه الجهات.

وتزامنا مع التحديات التي تواجه البلاد، خاصة فيما يتعلق بإشكالية الماء، من النادر أن يخرج رئيس جهة ليوضح ويعلن مستجدات جهته ويترافع عنها، وهو ما يطرح عددا من الأسئلة تدور رحاها حول دور رؤساء الجهات في الحراك السياسي الذي تشهده المملكة.

عوامل الغياب 

رشيد لزرق، أستاذ الأستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، يؤكد أن المغرب يعول بشكل كبير على الجهات في إطار التحول الذي يعرفه خاصة في قطاع التعليم وفي قطاع الصحة وغيره من القطاعات الأساسية، معتبرا أن السبب في غياب رؤسائها عن المشهد السياسي جاء نتيجة الأغلبية المريحة، حيث أن ثلاثي الأغلبية في الحكومة هو نفسه المشكل لأغلبية الجهات.

ويوضج لزرق في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن التوازنات السياسية هي التي تمنع رؤساء الجهات أو تحول دون بروز دورهم السياسي، لأن الصوت السياسي يسمع حين يكون هناك حراك، والأغلبية المريحة لا تحفز على ذلك، بل تجعل عمل الجهات يسير ببطئ.

ونبه أستاذ العلوم السياسية إلى أنه تزامنا مع “غياب” رؤساء الجهات يبرز دور رؤساء الجماعات الترابية، متوقعا أن يكون التعديل الحكومي عاملا محركا لخروجهم من الصمت نحو تفعيل صلاحيتهم علنا.

ومن بين الأسباب الأخرى لخفوت دور رؤساء الجهات، وإلى جانب الأغلبية المريحة، اعتبر لزرق، أن “ضمور” المعارضة يلعب دورا أساسيا في ذلك، لأنها من المفترض أن تلعب دور المراقب ومن أدوارها توجيه الانتقادات وطرح الأسئلة.

ويشير كذلك إلى أن الأغلبية المريحة وترأس الجهات من طرف قياديي الأحزاب الثلاثة المشكلة للحكومة، يجعل حتى التنابز بين الجهات والصراعات وتدبير الملفات الخلافية بينها يتم في الكواليس، عن طريق “الصمت ولا يخرج إلى العلن، وحتى الضغط على الحكومة من أجل تنفيذ المشاريع يتم بشكل داخلي”.

وأردف شارحا :”إشكالية الماء مثلا والتي تعد واحدة من بين التحديات التي تواجهها المملكة، إذ تعاني بعض الجهات من العطش وفق أرقام وإحصائيات رسمية، إلا أننا لم نسمع رئيس جهة يخرج ويترافع ويوضح الوضعية، وحتى إذا كان، يكون بشكل بعيد عن الرأي العام”.

وعزا المتحدث “صمت” رؤساء الجهات، إلى العقوبات التي أقرتها الأحزاب المشكلة للحكومة، في حق كل من يغرد خارج السرب ويخرج عن الانضباط الأعمى المفروض من طرفها، بحسب تعبيره.

طلبات عروض مشبوهة

ومقابل الغياب عن المشهد السياسي، برز عدد من رؤساء الجهات في “فضائح” تتعلق بطلبات عروض “غير مبررة”، كان آخرها إطلاق الاستقلالي عبد اللطيف معزوز، رئيس مجلس جهة الدار البيضاء، طلب عروض لاقتناء 60 علبة من أنواع فاخرة للشوكولاتة بكلفة باهضة لتقديمها هدايا إلى ضيوفه، بمناسبة نهاية رأس السنة الميلادية.

وتلاحق امباركة بوعيدة، القيادية في حزب التجمع الوطني للأحرار، رئيسة مجلس جهة كلميم واد نون، تهم تبديد المال العام، تتعلق بمجموعة من الصفقات، ضمنها صفقة برنامج التنمية الجهوية، صفقة ملاعب القرب، صفقة الطرق الجهوية والإقليمية وصفقة تهيئة بعض شوارع أقاليم الجهة، إضافة إلى عقود الإطعام والاستقبالات.

يأتي ذلك رغم توجيه عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، دورية إلى ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، يحث من خلالها رؤساء الجهات ومجالس الجماعات الترابية على نهج سياسة التقشف في صرف المال العام، وذلك بالاكتفاء بالنفقات الضرورية والإلزامية، والابتعاد عن النفقات التي تدخل في إطار الكماليات.

تدابير وإجراءات

ويرى المسؤول الحكومي نفسه أن وزارة الداخلية تواصل مسار توطيد خيار الجهوية المتقدمة وتسريع الأوراش المرتبطة به، عبر مجموعة من الإجراءات والتدابير، والتي تشمل استكمال الترسانة القانونية والتنظيمية من خلال العمل على إخراج النصوص التشريعية والتنظيمية المتبقية، وفتح الورش المتعلق بالمراجعة الجزئية للقوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، وكذا دعم آلية تعاقد بين الدولة والجهات لتمكين هذه الأخيرة من ممارسة اختصاصاتها وتنزيل برامجها التنموية ومواكبتها في مسلسل إنجاز مشاريع تصاميم جهوية لإعداد التراب.

ولفت لفتيت، في معرض جوابه على سؤال حول “توطيد خيار الجهوية”، خلال جلسة الأسئلة الشفوية الأسبوعية بمجلس النواب، إلى أن الإجراءات تهم كذلك تحويل الإعتمادات الملتزم بها مع الجهات، ومواكبة الجهات لتفعيل آليات برمجة تنمية وإعداد التراب، وفي إعداد المشاريع والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، وكذا بلورة وتوقيع مشاريع عقود برامج بين الدولة والجهات التي توجد في طور الإعداد.

وشدد  لفتيت على أن الجهوية المتقدمة تشكل منعطفا هاما في المسار التنموي بالمغرب، وفرصة لتكريس التقائية السياسات العمومية والقطاعية على المستوى الترابي، مشيرا في هذا السياق إلى أن جهات المملكة بادرت إلى إعداد تصاميم إعداد التراب وبرامج التنمية الجهوية وفق مقاربة تشاورية على المستويين المجالي والقطاعي، وباعتماد رؤية استشرافية على مدى 25 سنة.

وذكّر في هذا الإطار بمواكبة وزارة الداخلية وتتبعها لإعداد التصاميم الجهوية لإعداد التراب، حيث تم التأشير على المقررات المتخذة بشأن 10 تصاميم جهوية لإعداد التراب، فيما يوجد مشروع التصميم الخاص بجهة الدار البيضاء – سطات في طور التأشير، ومشروع التصميم الخاص بجهة درعة تافيلالت في طور الدراسة.

وبرسم الولاية الانتدابية الحالية، يضيف لفتيت، توصلت وزارة الداخلية بـ11 برنامجا للتنمية الجهوية، حيث تم التأشير على 6 برامج تخص جهات (الدار البيضاء -سطات) و (بني ملال -خنيفرة) و(كلميم واد نون) و (درعة- تافيلالت) و (مراكش -آسفي) وجهة الشرق، فيما توجد 5 برامج قيد الـتأشير تتعلق بجهات (الرباط- سلا- القنيطرة) و(طنجة- تطوان- الحسيمة) و(فاس- مكناس) و(سوس -ماسة) و (العيون- الساقية الحمراء)، بينما لم يتم التوصل بعد ببرنامج التنمية الجهوية لجهة (الداخلة- واد الذهب).

وأشار لفتيت إلى أن الوزارة قامت بمواكبة الجهات في تنزيل الجيل الأول لعقود البرامج بين الدولة والجهات وباقي الشركاء، وفق مقاربة تشاركية ودامجة، حيث تم خلال المدة الانتدابية السابقة التأشير على 7 عقود برامج بكلفة 34.98 مليار درهم لتنزيل 286 مشروع من البرامج ذات الأولوية والتي تهم مجالات كالبنيات التحتية وتأهيل المدن والمراكز القروية الصاعدة والطرق وتوسيع عرض التكوين المهني وتعبئة الموارد المائية.

في سياق متصل، أبرز لفتيت أن وزارة الداخلية وضعت خارطة طريق وبرنامج عمل مكثف لتفعيل اشتغال الدفعة الأولى من الشركات الجهوية متعددة الخدمات خلال السنة الجارية من أجل تجاوز الإكراهات التي يعرفها النموذج الراهن لقطاع تدبير الماء والكهرباء والتطهير السائل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News