تربية وتعليم

بعد تشجيع الميراوي للجامعات الخاصة.. مخاوف من تكريس عدم المساواة مع التعليم العمومي

بعد تشجيع الميراوي للجامعات الخاصة.. مخاوف من تكريس عدم المساواة مع التعليم العمومي

لم تقتصر مستجدات الدخول الجامعي الجديد، التي أطلقها وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عبد اللطيف الميراوي، على مجرد الإصلاحات البيداغوجية الفاصلة التي عرفتها أسلاك التعليم العالي وخلق شعب جديدة وتشديد شروط الولوج إلى سلكي الماستر والدكتوراه، بل تعدته إلى مستوى المزيد من تشجيع “تفريخ” الجامعات الخاصة، التي تواصل الاستفادة من هامش “نواقص” التعليم الجامعي العمومي.

ظهور عدد من الجامعات الخاصة في شتى المجالات، لعل أبرزها الجامعة الخاصة للصحة والعلوم بأكادير التي أنشأها الوزير السابق للصحة الحسين الوردي، إلى جانب ما يطرحه من هواجس استقطاب أطر التعليم الجامعي العمومي، يثير أيضا مخاوفا من تكريس عدم المساواة بين قطاعي التعليم العمومي والخاص، لاسيما مع الأسئلة التي تُطرح حول جوهر هذا الأخير الذي حوّل قطاعا اجتماعيا حيويا إلى قطاع ربحي في المقام الأول.

تكريس عدم المساواة

وفي هذا السياق أكد عبد الناصر الناجي، رئيس مؤسسة أماكن لجودة التربية والتعليم، أكد في تصريح لجريدة “مدار21”، أن قطاع التعليم العالي كان “يضع ضوابط بيداغوجية موحدة للقطاعين العام والخاص تضمن انسجام التكوينات مع السياسة التعليمية الوطنية بغض النظر عن نوع المؤسسة التي يدرس بها الطالب”، مضيفا غير أنه “مع الإصلاح الجديد الذي سيطبق ابتداء من الدخول الجامعي المقبل أصبح للتعليم الخاص ضوابطه البيداغوجية التي تميزه عن التعليم العالي العمومي”.

هذا التوجه، وفق الناجي، “يثير المخاوف حول تكريس عدم المساواة بين التعليم العمومي والتعليم الخاص التي تبدأ بوادرها منذ التعليم المدرسي وتتجلى أساسا في تفوق تلامذة التعليم الخاص على تلامذة التعليم العمومي في مختلف تقييمات المكتسبات الدراسية المنجزة وطنيا ودوليا، بل أن الهوة بين النوعين من التعليم آخذة في التوسع مع مرور الزمن”.

وعزى رئيس مؤسسة أماكن “نجاح القطاع الخاص إلى طبيعة الفئات الاجتماعية التي ترتاده، واعتماده على انتقاء أفضل الطلبة وأفضل الأساتذة، الشيء الذي يسهم في استنزاف قدرات التعليم العمومي ويدفع في اتجاه بناء مجد الأول على أنقاض الثاني”.

ويشدد الناجي في هذا الإطار على أن “الاتجاه العام يمضي نحو الرفع من جاذبية التعليم الخاص الشيء الذي يساعد على تخفيف الأعباء المالية للدولة بنسب مهمة، ارتفعت مع مرور السنوات من 2,3 مليار درهم سنة 2015 إلى 12 مليار درهم سنة 2023 أي ما يعادل 20 بالمائة من ميزانية الدولة المخصصة لقطاع التعليم”.

هيمنة منطق الربح..

وأضاف المتحدث نفسه أنه “بحكم هيمنة المنطق الاقتصادي في تدبير مجال ذي طبيعة اجتماعية، لا يبادر التعليم الخاص عموما إلى تخصيص مقاعد بالمجان لأبناء الأسر المعوزة ولا يرغب في تحديد ومراجعة رسوم التسجيل والدراسة به كما نص على ذلك القانون الإطار”.

ويتابع الناجي، في حديثه لـ”مدار21″، بل “على العكس من ذلك فهو يتبنى رأي مجلس المنافسة الذي دعم فيه حرية الأسعار في التعليم الخاص ليحوله بذلك من منطق الخدمات ذات الطابع العمومي المقدمة من قبل مؤسسات تنشط وفق مبادئ المرفق العام، إلى منطق السوق الخاضع لتوازن العرض والطلب، وهو منطق اقتصادي محض سيؤدي إلى المزيد من التفاوتات الاجتماعية في مجال التعليم”.

وحسب المادة 13 من القانون الإطار “تلتزم مؤسسات التعليم الخاص، في أجل لا يتعدى أربع سنوات، بتوفير حاجاتها من الأطر التربوية والإدارية المؤهلة والقارة”، غير أن الناجي يوضح أنه “مع نهاية الأجل المحدد هذه السنة (2023)، ما زال التعليم الخاص يعتمد في غالبيته على أطر التعليم الجامعي العمومي الباحثين عن وضعية مهنية أكثر جاذبية”.

منافسة غير متكافئة

وأشار رئيس مؤسسة أماكن إلى أن “عدم قدرة التعليم الخاص على تحقيق الاكتفاء الذاتي من أطر التدريس يطرح من جهة مسألة المنافسة في استقطاب الأطر الكفؤة ليس فقط مع التعليم العمومي، ولكن أيضا بين المؤسسات الخصوصية الكبرى والمؤسسات الخصوصية الصغرى بحيث من يدفع أكثر هو الذي يحظى بأولوية الأساتذة الذين يتمتعون بكفاءة عالية. ومن جهة أخرى فإنه يطرح في عمقه مسألة نموذج التعليم الخاص في المغرب”.

ويساءل الناجي جوهر هذا النموذج قائلا: “هل هو استثماري ربحي يخضع لقواعد المقاولة ولثنائية العرض والطلب؟ أم هو خدمة عمومية يستثمر فيها القطاع الخاص؟ ولكن وفق قواعد خاصة لا تتعامل مع التعليم بوصفه بضاعة مثل باقي السلع كما ذهب إلى ذلك رأي مجلس المنافسة في موضوع التعليم الخاص”.

وخلص الناجي إلى إن المغرب “تبنى نموذج التعليم الخاص الربحي، الذي يريد أن يستفيد من الامتيازات التي تقدمها الدولة للتعليم الخاص غير الربحي”، بما في ذلك مجلس المنافسة الذي رأى بأن “تحمـل الدولة لأجور الهيئة التدريسية للمؤسسات الخصوصية وتغطية حمايتهم الاجتماعية وعملها على توحيد شروط تشغيلهم ومكافأتهم، ينسجم مــع دورها لضمان الحق الدسـتوري لتعليم جيد لكافة أطفال المجتمع في ظل مبادئ المساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص”.

توجه استراتيجي لتعزيز التعليم الخاص

واعتبر عبد الناصر الناجي أن القطاع الخاص، إلى جانب القطاع العام، يعد “الوجه الثاني للمنظومة التربوية الوطنية، ينظر إليه عادة على أنه يساعد الدولة في تحمل أعباء التعليم، مقابل استفادة المستثمرين في هذا المجال من التسهيلات الضريبية، والحصول على الأراضي بأثمان تفضيلية وعلى تمويل الدولة والبنوك، ومزايا أخرى”.

وأبرز أن القانون الإطار للتعليم ينص على إقامة شراكة بين القطاعين العام والخاص لتشجيع هذا الأخير على التوسع في المناطق القروية وشبه الحضرية مقابل حوافز حكومية مختلفة.

واستنج الناجي أن “هناك إذن توجه استراتيجي نحو تعزيز التعليم الخاص”، مشيرا إلى أنه “من الواضح أننا أمام سوق تعليمي متنوع حيث يمكن لكل المغاربة الميسورين أو الميسورين نسبيا والبالغ نسبتهم في المجتمع حوالي 20٪ العثور على ضالتهم من العرض التربوي الخصوصي وفقًا للميزانية التي يتوفرون عليها. وهو ما قد يؤدي إلى فرض قاعدة تمييزية تتأسس على إنشاء مدارس خصوصية للأثرياء ومدارس عمومية للفقراء، كما يبدو الاتجاه السائد اليوم في نظام التعليم المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News