دولي

شوارع الخرطوم تتحول لمقبرة لضحايا حرب الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”

شوارع الخرطوم تتحول لمقبرة لضحايا حرب الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”

نداء صغير للتعرف على هوية مواطن خمسيني وجد مقتولا في الشارع نشره ناشطون من حي “أركويت” شرقي العاصمة السودانية الخرطوم.

وأرفق النداء بصورة الشخص المقتول حتى يتعرف أهله عليه، مع توضيح أنه سيتم دفن جثمانه في ميدان صغير بالحي وبالفعل تم الدفن.

ومنذ منتصف أبريل الماضي يخوض الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” اشتباكات لم تفلح سلسلة هدنات في إيقافها، ما خلف أكثر من 3 آلاف قتيل، أغلبهم مدنيون، وأكثر من 4 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة.

 حالات كثيرة
يقول النور سليمان أحد سكان حي “أركويت” للأناضول: “خرجنا للشارع بعد أن توقف القصف و الاشتباكات القوية بين الحيش وقوات “الدعم السريع” لنجد مواطنا في الخمسينيات من عمره ملقى في الشارع وهو مقتول”.

وأضاف: “نشر شباب الحي صورا للمواطن حتى يتعرف عليه ذويه وقمنا بدفنه في ميدان صغير بالحي لصعوبة نقله إلى المقابر كما السابق قبل اندلاع الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع”

وأردف سليمان: “هذه واحدة من حالات الدفن الكثيرة لموتي الخرطوم منذ أيام الحرب المستمرة لأربعة أشهر عمر القتال بين الحيش والدعم السريع”.

دفن في كل مكان
ولجأ السكان في عدة أحياء بالخرطوم إلى دفن الموتى مضطرين في أماكن يحددونها وفق ما تفرضه معطيات القتال حينها وفق ما يقولون للأناضول.

ومنذ بداية القتال بين الجيش وقوات “الدعم السريع” شهدت جامعة الخرطوم أول حالة دفن لطالب جامعي داخل حرمها”.

وقتل الطالب جراء الاشتباكات أثناء تواجده وآخرين في مقر الجامعة وسط الخرطوم لأيام لصعوبة خروجهم حينها، حيث اضطرت إدارة الجامعة إلى اتخاذ قرار الدفن لصعوبة نقل الجثمان جراء الاشتباكات المتواصلة آنذاك.

ولم تكن تلك الحالة الوحيدة التي تم تناولها بكثافة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لتأتي بعدها حادثة دفن الشقيقتين أخصائية التخدير ماجدة غالي والطبيبة ماجدولين غالي في حديقة منزلهم بحي العمارات القريب من القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، بعد تدخل أطباء ومتطوعين للقيام بمهمة الدفن منتصف مايو/ أيار الماضي.

وفي 8 غشت الجاري قالت منظمة “أنقذوا الأطفال” الإنسانية (بريطانية غير حكومية تُعنى بالدفاع عن حقوق الطفل حول العالم) في بيان، إن “آلاف الجثث تتحلل في شوارع الخرطوم على خلفية عدم سعة المشارح لحفظ الجثث من ناحية، وتأثير انقطاع الكهرباء المستمر على نظم التبريد من ناحية أخرى”.

وحذر البيان من “خطر تفشي الأمراض والأوبئة في شوارع الخرطوم التي مزقتها حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع مستمرة منذ 4 أشهر”.

ونقلت المنظمة عن نقابة الأطباء السودانية قولها: “لم يتبق أي طاقم طبي في المشارح، تاركين الجثث مكشوفة على حالتها”.

وقال مدير صحة وتغذية الأطفال في المنظمة بشير كمال الدين حميد، إن “عدم القدرة على دفن الموتى بكرامة هي معاناة أخرى للعائلات، إلى جانب الأسى والألم”، حسب البيان نفسه.

جثث لم تدفن
قال شهود عيان للأناضول، إن عشرات الجثث تنتشر في شوارع السودان لا سيما ضمن مناطق الاشتباكات بالخرطوم وبحري (شمال) وأم درمان غربي العاصمة، وسط تحذيرات من كارثة صحية محتملة.

وأضاف الشهود، أن هناك جثثا بقيت لأيام وتحللت في مناطق لا يمكن الوصول إليها لأنها قريبة من أماكن القصف، وسط تحذيرات من أن يؤدي ذلك إلى انتشار الأمراض الخطيرة والأوبئة.

تراجيديا لم يسبق لها مثيل
ورغم المجهودات الإنسانية التي تقوم بها المنظمات الانسانية المعنية إلا أن اشتداد المعارك داخل الأحياء السكانية يفاقم من أزمة دفن الموتى مع انتشار الجثث في أحياء المدنية.

وفي 6 يوليوز الماضي قالت جمعية “الهلال الأحمر” السوداني، إن فرقها “جمعت خلال أسبوع واحد أكثر من 100 جثة من شوارع الخرطوم فقط”، لكنه أشار إلى أنه “لم يعد بمقدور تلك الفرق الاستمرار في العمل بالعاصمة ودارفور، بسبب نهب سياراتهم”.

وبحسب آخر إحصائية للجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوداني فإن “فرقا مشتركة دفنت حوالي 1000 جثة كانت منتشرة في الشوارع منذ بداية القتال”.

ويحفر السودانيون القبر في الأماكن التي يحددونها على الطريقة الإسلامية بحفر متر من الأرض، وأن يكون القبر لحداً (حفرة قدر قامة الميت)، وذلك بعد تكفينه، ويسجى الجثمان على الطريقة الإسلامية الشرعية باتجاه القبلة.

يصف الكاتب والصحفي السوداني يوسف حمد الذي يحدث في الخرطوم بأنه “تراجيديا لم يسبق لها مثيل، ولم يوثق التاريخ لمثل هذه المأساة”.

ويقول في حديثه للأناضول: “باتت شوارع الخرطوم مدمرة، تنتشر فيها على نطاق واسع أرتال من الجثث المسجاة على الطرقات”.

وأضاف: “عمليا سيضطر الناس إلى نبش هذه القبور مرة أخرى متى ما توقفت الحرب وعاد الهدوء، وربما تقوم بذلك الحكومة، أو أهل الضحايا” .

واستدرك حمد قائلا: “لكن في الحالتين فإن الناس سيكونون بحاجة إلى أطباء نفسانيين واستشارات نفسية هائلة تساعد على الخروج من هذه الفواجع الإنسانية غير المسبوقة”.

 مدينة عريقة
هكذا تواجه الخرطوم الحرب في شوارعها ويدفن السكان من يستطيعون دفنه تحت وقع الرصاص والمدافع بعد أكثر من 200 عام على تأسيسها كمدينة حديثة.

وأُسست الخرطوم كمدينة على يد الجيش العثماني في عهد محمد علي باشا عندما أرسل جيشه لضم السودان إلى مُلكه بقيادة ابنه الثالث إسماعيل كامل باشا عام 1821م، واتخذها الأتراك في البداية معسكراً لجيوشهم ثم تحولت إلى عاصمة لهم في عهد عثمان جركس باشا البرنجي عام 1824م وذلك بعد تعيينه حكمدارا (حاكما) على السودان خلفا للحكمدار محمد بك الدفتردار.

والخرطوم هي ملتقى النيلين الأبيض والأزرق ظلت موطنا للإنسان منذ عهود سحيقة، وبينت دراسات أثرية وجود مستوطنات بشرية على موقع الخرطوم الحالي نحو 4000 عام قبل الميلاد.

ووجد فيها بقايا مستوطنات يرجع تاريخها إلى عهد نبتة ومروي (750 قبل الميلاد إلى 350 م) وكذلك في عهد الممالك المسيحية (450 إلى 1504م).

وعقب استقلال السودان من الاستعمار البريطاني عام 1956 صارت الخرطوم عاصمة البلاد حيث اطلق عليها تسمية العاصمة المثلثة حيث تضم 3 مدن “الخرطوم وأم درمان وبحري”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News