بيئة

خبير لـ”مدار21″: حرائق الغابات ملف أمني أكثر من بيئي وتعويض المساحات المحروقة صعب

خبير لـ”مدار21″: حرائق الغابات ملف أمني أكثر من بيئي وتعويض المساحات المحروقة صعب

مع اندلاع موجة جديدة من حرائق الغابات، آخرها حرائق غابة مغراوة بإقليم تازة وغابة الرميلات التاريخية بطنجة وواحات النخيل بطاطا، باتت التهديدات كبيرة للرصيد الغابوي المغربي، لا سيما مع حضور العامل البشري والنوايا الإجرامية في عدد من حالات الحرائق، تنضاف إليها شروط ارتفاع درجات الحرارة، التي بلغت مستويات قياسية.

وإذا كان ضياع غابات بأكملها لا يتطلب إلا ساعات من الحرائق، فإن عملية إعادة بنائها ليست بالأمر الهين أو السهل، ذلك أن جهود إعادة تشجيرها قد تستغرق سنوات، مع احتمالية كبيرة لفشل هذه الجهود لغياب الشروط المناخية، ما دفع خبراء إلى التشديد على أهمية المراقبة باستخدام الوسائل المتطورة المتاحة.

وعن حجم الحرائق التي يعرفها المغرب، أوضحت الوكالة الوطنية للمياه والغابات، في وقت سابق، أن المغرب سجل، منذ بداية السنة الحالية (2023) إلى غاية شهر يوليوز الماضي، 182 حريقا في الغابات أتت على 1251 هكتارا، مشيرة إلى أن 54 في المئة من المساحة المحترقة عبارة عن أعشاب ثانوية.

وكانت الوكالة الوطنية للمياه والغابات قد كشفت، شهر ماي الماضي، أن المغرب سجل نحو 500 حريق في الغابات في عام 2022، أتت على 22.762 هكتارا من مساحة الغابات، وحلت جهة طنجة- تطوان- الحسيمة في مقدمة المناطق المتضررة من الحرائق مع 188 حريقا، إذ أتت النيران على 18,704 هكتارات، تلتها جهة فاس-مكناس مع 99 حريقا اجتاحت 1775 هكتارا من مساحة الغابات.

شرارة الحرائق بشرية

محمد سعيد قروق، أستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، سجل، في حديث لجريدة “مدار21″، وجود “ارتفاع درجة الحرارة بوتيرة غير مسبوقة خلال هذا الفصل لاعتبارات متعددة منها الطبيعي والبشري، ما يجعل المناطق الغابوية تعرف تجففا ما ينطبق على الأشجار الميتة والأغصات التي تتساقط وأوراق الأشجار التي تجف، وبالتالي فهي تكون وقودا للحريق حينما يحصل”.

على هذا الأساس، لاحظ قروق أن حرائق الغابات تتطور على وجه الخصوص أثناء هذا الفصل، مع ارتفاع درجة الحرارة، لأن الحرارة تتجاوز مستويات قياسية والرطوبة تنخفض في الغابات، وهي شروط لاندلاع الحرائق، لكن هذه الأخيرة لا يمكن أن تحصل إلا إذا كانت الشرارة، والشرارة في أكثر من 90 في المئة من الحالات تكون مرتبطة بأسباب بشرية محضة.

وتابع في السياق نفسه أن “هذه الشرارة غالبا ما تكون نتيجة أخطاء بشرية، والتي بها أيضا درجات، أسوؤها الحرائق الإجرامية، وهذا لا يعد خطأ وإنما فعل إجرامي، وهذا الأمر يجعل ملف حرائق الغابات أمني أكثر منه بيئي، لأن البيئة تهيئ الشروط والأوضاع لاندلاع الحرائق لكنها لا تؤدي إلى اشتعال الحرائق”.

ووقف أستاذ علم المناخ عند “ارتفاع وتيرة الحرائق المهولة بالمغرب والبحر الأبيض المتوسط، والنتيجة هي ضياع رصيد طبيعي غني جدا، ألا وهو الغابة بتنوعها البيولوجي وحيواناتها وأصنافها، ثم بوظائفها المتعددة المهمة، منها الاقتصادية والبشرية كالطاقة والرعي وغيرهما، وبالتالي فضياع الغابات هو ضياع لرصيد وطني، وضياع لوظائفها”.

تشديد المراقبة

وشدد سعيد قروق على أن هذه الحرائق من اللازم أن تكون “مراقبة بشكل جيد جدا، خاصة مع الوسائل المتعددة التي نتوفر عليها، منها الأقمار الاصطناعية والدرونات التي بحوزة المغرب، لأن المراقبة تعد أهم شيء للتقليل من أسباب الحرائق”.

وأفاد أستاذ علم المناخ أن “أخطر الحرائق هي التي تحدث تزامنا مع الرياح، ذلك أن مجموعة من المجرمين يستغلون هذه الفرص لإشعال الحرائق، حيث تصبح وسائل الإطفاء غير فعالة وضعيفة، وهذا ما حصل سنة 2017 في مدينة طنجة وحصل قبل أيام في غابة الرميلات الغنية التي تم القضاء عليها، والتي تعد همزة وصل بين القارة الإفريقية التي تمثل الجنوب الجاف والحار والقارة الأوروبية بالشمال التي تعد أقل حرارة”.

ولفت المتحدث نفسه إلى أن هذه الحرائق “تضرنا بشكل كبير وتضاعف خسائرنا، سواء فيما يخص الأنواع النباتية التي يتم تخريبها وكذلك أصناف الوحيش والحيوانات التي كانت تعيش في هذه الغابات، ومع الأسف قضت عليها الحرائق”.

إعادة التشجير

وحول التفكير في إعادة بناء الغابة وعملية التشجير، شدد سعيد قروق على أن “العملية ليست بالبسيطة أبدا، ذلك أنها لا تتعلق بأن غابة دمرت وسنعيد تشجيرها بسهولة هكذا، ذلك أن هناك أمور يمكن القيام بها وهناك أمور لا يمكن القيام بها”.

وأفاد أنه بخصوص “الغابات القديمة التي يمكن أن تقاوم الحرائق رغم تضررها، لا يمكن إعادة غرسها لأنها عاشت في ظروف قديمة ومناخات قديمة وشروط توفرها ليست قائمة الآن، مما يمثل خسائر كبيرة يصعب تعويضها”.

وعن الأصناف من الغابات التي يمكن أن تعود بكلفة أقل، أشار قروق إلى أن الغابة التي احترقت بطنجة سنة 2017 مثلا لاحظنا كيف أن المناطق المحروقة تم إعادة إنضاجها، وهي العملية التي تتم بطرق طبيعية، مشيرا إلى أن هناك ظروفا خاصة تتوفر في هذه المنطقة أهمها الرطوبة الكبيرة وتردد الضباب بطريقة عالية، ما يسمح للكثير من أصناف الغابة أن تتطور وتعود.

وأبرز أستاذ علم المناخ أن “هذا لا ينطبق على جل المناطق، إذ توجد مناطق كثيرة بالمغرب لا تتوفر فيها نفس الشروط وبالتالي تعويض المساحات المحروقة يصبح صعبا جدا إذا لم نقل أنه بعيد عن الواقع والحقيقة، وقد لاحظنا ذلك في عدد من التجارب بالمغرب التي لم تؤد إلى أي نتيجة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News